استمتعت بإبداعات (البُقجة) التي تفنن فيها وتبارى بعض ظرفاء الكاريكاتير، على أن ألطفها كانت تلك التي أضحكتني حين ربطت بيني وبين الرئيس، وزعمت أني قلت (ما بخلي ود أختي وراي)!
> كان معظمها بريئاً وممتعاً وغير مسيس. غير أن أكثرها إيجاعاً، تلك التي ملأت البُقجة بالدولار في ذات الوقت الذي كنت اتفاوض فيه مع مُلاك (الصيحة) الجدد، وأنا أبيعها مضطراً حتى أحصل على سعر يغطي ديوني المليارية!
> الأهم من ذلك كله، أن تلك الكاريكاتيرات أفرحتني لأنها أشهرت المعنى الذي قصدته عندما أتت بالبُقجة صورة ناطقة، ثم أنها انتشرت عبر منصات التواصل الاجتماعي حاملة معها النذير بأن ذلك المصير هو ذات ما ينتظر الناظرين تحت أقدامهم من المتجاهلين للحقيقة المرة، حقيقة أنهم يلعبون بالنار حين يطلبون إسقاط النظام بدون أن يعدوا البديل الآمن ..ذلك هو ما قصدته حين قلت لأولئك العميان: (نشيل بقجنا نمشي وين)؟!
> نعم.. أين يذهب الشعب السوداني العزيز عندما يفقد الأمن ويصيبه ما أصاب الشعب السوري الذي هام على وجهه باحثاً عن أوطان بديلة وظلت حرائره يهربن من أجمل بلاد الدنيا وأبركها ومن موطن الآباء والأجداد خوفاً وفرقاً بدون أن يحملن معهن حتى (بُقجة) صغيرة بعد أن تقطعت أكبادهن بفقد أطفالهن الرضع الذين رأينا صورهم وقد لفظوا أنفاسهم الأخيرة تحت تأثير الكيماوي او تحت أنقاض المباني المنهارة بفعل قصف الطائرات او البراميل المتفجرة!
> تلك كانت الرسالة المضمنة في قصة (البُقجة)، ساعدني أولئك المبدعون في نشرها، فقد أردت أن أقول لهذا الشعب النبيل، إنني والله أشعر بمعاناته، ولكم كتبت عن صفوف الرغيف والوقود والنقود، وسطرت ذلك (زفرات) من دم عبر سلسلة مقالات باكية على حالنا (المايل)، وأخرى بعنوان (اللاعبون بالنار)، كنت أُحذر فيها من مصير شعب سوريا الذي شُرِّد في أرجاء الدنيا بدون أدنى فائدة، فكان أن انطبق عليه ذلك الأثر السائر عن المنبت :(لا أرضاً قطع ولا ظهراً أبقى). فها هو بشار الأسد يعود أقوى مما كان عليه خلال الأيام الأولى للثورة، ولكن بعد زلزال مدمر فتك ببلاده وشعبه ورجع بموطنه عشرات السنين الى الوراء.
> أرجع للشانئين والمبغضين الذين فسروا قولي بما لا يليق، فظنوا أني أبحث عن مهجر ألوذ به هرباً من موطن الآباء والأجداد، بل أن بعض الأفاكين اختلق قصصاً، كما ظلوا يفعلون، بأني وآخرين شددنا الرحال الى مصر بعد أن أشاعوا رواية مضحكة عن هروبي نسبوها الى موظفين في مطار الخرطوم قالوا إنهم رأوني وأنا متجه نحو الطائرة!
> أقول لهؤلاء ما ظل يقوله أبي الحبيب رحمه الله وهو يُنكر أن يوصف بما لا يليق: (أفو .. يحردن بنات المتمة)! فأنا باقٍ إن شاء الله في هذه الأرض ولو غادر أهلها جميعاً.
> أظن أيها الإخوة أننا نحتاج الى التأمل والتفكير العميق في ذلك الحراك الثوري، وأخص من يرفضون شعار (تسقط بس) سواء تأييداً للحكومة بكل عُجرها وبُجرها، او أمثالنا من الذين يحملونها كل أوزار الضائقة غير المسبوقة التي أمسكت بخناق البلاد ولا يرفضون سقوطها حباً فيها بقدرما هو خوف من المجهول ومن المآلات الكارثية التي قد تترتب على ذهابها في ظل غياب البديل المتفق عليه في بلاد تعج بالمتمردين وحملة السلاح والعنصريين والمتربصين الذين ينتظرون انهيار السلطة المركزية ليعيثوا فساداً وإفساداً، ويحيلوا بلادنا الى بركان مشتعل من الحرائق والنيران.
> إذا كنا قد حذرنا المتجاهلين لعواقب انهيار النظام الحاكم، فإن على الرافضين لسقوط النظام خوفاً من البدائل المجهولة أن يبذلوا غاية الجهد في سبيل منع الكارثة من أن تحيق بوطننا الغالي، وأخص بالذكر الرئيس ورئيس الوزراء اللذيْن ينبغي أن يبذلا غاية الجهد في سبيل إنهاء الضائقة المعيشية التي فجرت غضب الجماهير الصابرة، وأهم من ذلك، كف أيدي الأشرار من أفراد القوات النظامية الذين لا يتورعون عن قتل الناس وتعذيبهم وإذلالهم، ولم يعد مقنعاً البتة القول بأن كل تلك الحوادث المروعة من فعل المندسين والمخربين! فقد والله رأيت بعيني رأسي عربات التاتشر تجوب الشوارع بدون لوحات فأي قانون وأي دين وأية شريعة تبيح ذلك؟!
> إن ما أثاره مقتل الأستاذ أحمد الخير من حزن واستياء، يكفي لتسليط الضوء على ما يمكن أن يحدثه تفلت بعض أفراد الأجهزة الأمنية من إشعال لبراكين الغضب. فهلا كبحت السلطات المختصة تلك التصرفات الحمقاء قبل فوات الأوان؟..
الطيب مصطفى
الانتباهة