التوعية الجنسية هي مصطلح واسع يشمل كل المعلومات المتعلقة بجميع الجوانب الجنسية للفرد، بما في ذلك التطور البشري والصحة الجنسية والإنجابية والعلاقات والمسؤوليات العاطفية والسلوك والنشاط الجنسي.
وعلى ذلك فإن التوعية الجنسية ليست مجرد شرح لعملية التكاثر وتعليم الأطفال التصور الصحيح لعملية الإنجاب، ولكنها أشمل من ذلك بكثير، فهي تهدف إلى المساعدة في اكتساب المعلومات والمهارات والدوافع لاتخاذ قرارات سليمة بشأن الجنس والحياة الجنسية وتشكيل المواقف والقيم والمعتقدات حول تلك الأمور حتى يصل الفرد للفهم الأساسي لجميع الجوانب الجنسية في الوقت الذي يصل فيه للنضج الكامل.
وتعاني المجتمعات العربية بشكل كبير من نقص المعرفة والاهتمام بموضوع التربية الجنسية للأطفال، خاصة في أننا نعيش اليوم في مجتمعات كثر فيها الشذوذ والتحرش والانحراف الجنسي وأصبح كل شيء متاحا للصغار قبل الكبار، حتى الأفلام الإباحية. وتوصف في مجتمعاتنا بـ “ثقافة العيب” لأنه من النادر جدا مصادفة عينات في مجتمعنا العربي تتبنى تلقين هذه التوعية للأطفال وتندرج أسئلة الأطفال البريئة حول الجنس في إطار “العيب”.
بهذا الصدد تلقي “سبوتنيك” الضوء على تجارب بعض الدول في مجال التوعية الجنسية للأطفال.
التجربة الكندية
يرى موقع “AboutKidsHealth” الكندي أن الفضول تجاه الأمور الجنسية خطوة طبيعية من خطوات تعلم الأطفال المزيد عن أجسادهم، فالتوعية الجنسية تساعد الأطفال على فهم طبيعة الجسد وتساعدهم على الشعور بالإيجابية تجاه أنفسهم.
ويؤكد الموقع أن مناقشة الجنس، تعتبر خطوة مهمة لخلق تواصل مفتوح بشكل دائم بين الوالدين والطفل، وخاصة في مرحلة المراهقة.
ويرى الخبراء الكنديون أن التوعية الجنسية الفعلية لا تؤدي إلى ممارسة الجنس، فالأطفال الذين يتلقون تعليما جنسيا في المنزل يقل احتمال مشاركتهم في النشاطات الجنسية المحفوفة بالمخاطر.
ويشير الموقع إلى ضرورة البدء بالحديث عن الجنس في وقت مبكر، ومواصلته مع نمو الطفل هو أفضل طرق التوعية الجنسية.
يقول الخبراء إن الوالدين يجب أن يكونا هما المصدر الأول للطفل للحصول على المعلومات حول الجنس، مشددون على أن فهم المعلومات الصحيحة يمكن أن يحمي الأطفال من السلوك المحفوف بالمخاطر أثناء النمو.
وأفاد الموقع الكندي أن الوالدين يجب أن يشرحا الأشياء وفقا لعمر الطفل، فمثلا الأطفال الأصغر سنا مهتمون بالحمل والولادة والرضع، بدلا من الجنس وآلية ممارسته، على الرغم من اختلاف كل طفل عن الآخر.
التجربة الألمانية
يتم توعية الأطفال جنسيا في ألمانيا منذ المدرسة الابتدائية، إذ يتم تقديم دروس مفصلة للأطفال ويتم توضيح معنى الجنس بالتفصيل وكيفية الاتصال الجنسي وكيف يجري الحمل والولادة. ويعتقد الخبراء أن الأطفال في هذا العمر، لا يتأثرون بالهرمونات وإنما يدفعهم الفضول فحسب، ويمكنهم التحدث عن المسائل الجنسية دون حرج أو خجل.
وتشير الدراسات إلى أن الأطفال يتلقون معلومات التغيرات الفسيولوجية، التي تطرأ على الشبان والفتيات، بشكل طبيعي ويسألون عن كل ما هو غير مفهوم، ويطلبون من المعلمين إحضار الواقي الذكري إلى الدرس للتعرف عليه.
ويفيد موقع “Süddeutsche Zeitung” الألماني أن المدرسة يمكن أن تشارك في التعليم الجنسي للأطفال في حدود معينة، لذلك لابد من اشتراك الآباء والأمهات والمعلمين في ذلك، لكن يجب على المعلمين اتباع قواعد معينة في عملية التعليم، وخاصة إعلام أولياء الأمور مسبقا حول بعض النقاط. إذ يشرح المعلمون لأولياء الأمور كيفية تعامل المدرسة مع المسائل المتعلقة بالجنس لدى الأطفال ويتم استخدام كتب تعليمية مناسبة لأعمارهم. كما يحتوي كل صف على صندوق يمكن للتلاميذ وضع أوراق تحتوي على أسئلة جنسية مختلفة بشكل سري لتتم مناقشتها في الدرس. كما يتم عقد اجتماعات لأولياء الأمور لمناقشة تلك المواضيع.
وأشار الموقع إلى أن الدافع الرئيسي من الإجراءات المتخذة من قبل الجهات الألمانية يكمن في الحماية من الاعتداء الجنسي. إذ يدرك الأطفال حينها إن كان سلوك الآخرين غير مقبول وسيكون من الأسهل عليهم طلب المساعدة.
التجربة الأوروبية
ويعتبر التعليم الجنسي إلزاميا في معظم الدول الأوروبية. وعلى الرغم من وجود برامج للتربية الجنسية في المدارس البريطانية، إلا أن أولياء الأمور يمكن أن يرفضوا حضور أطفالهم لمثل هذه الدروس. وتشمل البرامج الجنسية الجوانب البيولوجية بشكل إلزامي، أما المعلومات المتعلقة بوسائل منع الحمل والتواصل الجنسي الآمن فتترك لتقدير المعلمين.
ويتم تدريس التربية الجنسية بشكل إلزامي في هولندا منذ المرحلة الابتدائية، وعلى الرغم من النتائج الممتازة، التي يلاحظها العلماء، إلا أنها لا يمكن أن تكون نتيجة التربية الجنسية فحسب، لكنها تساهم في ذلك. ويمكن القول أن التجربة الهولندية للتثقيف الجنسي في الأكثر نجاحا والأكثر إثارة للجدل.
إذ تبدأ هولندا بتعليم الأطفال منذ سن 4 سنوات عن الجنس وكيفية تشكيل العلاقات ومناقشة النشاط الجنسي. وتهدف التجربة الهولندية إلى تشجيع احترام جميع التفضيلات الجنسية ومساعدة الطلاب على تطوير إمكانياتهم للحماية من الإكراه الجنسي والتخويف والإساءة. ويرى الخبراء أن الطلاب، الذين حصلوا على مثل هذا النوع من التربية الجنسية كانوا أكثر حزما وأفضل تواصلا.
وتبدأ المناهج الفرنسية في تعليم التربية الجنسية لتلاميذ الصفوف الـ8 و9 ويتم توزيع وسائل منع الحمل مجانا عليهم.
التجربة الأمريكية
تشهد الولايات المتحدة جدلا مستمرا حول فعالية التربية الجنسية الشاملة والتثقيف الجنسي. ويتم تحديد نوع وعدد الساعات المخصصة للتعليم الجنسي من قبل الولايات. وتؤيد 22 ولاية أمريكية فقط نشر التربية الجنسية في المدارس العامة. وتمتنع بعض الولايات عن هذه البرامج، ومع ذلك فإن الغالبية العظمى من الطلاب في الصفوف من الخامس إلى العاشر تلقوا بعض المعلومات حول العلاقات الجنسية.
أما في روسيا فإن برامج التربية الجنسية لا تعتبر إلزامية في المدارس العامة. وترى نسبة 40% من الروس التعليم الجنسي للأطفال “ضروري إلى حد ما” وتعتبره نسبة 24% “ضروريا جدا”. وفقط نسبة 12% يعارضونه بشدة و15% من الروس “لا يدعمون هذه الفكرة في الغالب”.
التجربة الروسية
والوضع في روسيا هو كالتالي: الأغلبية من المواطنين الروس واثقون بضرورة التحدث مع الأطفال في المدارس عن وسائل منع الحمل والأمراض المنقولة جنسيا، وفي هذه الحالة يصعب تجنب الحديث عن الجنس بحد ذاته. وفي الوقت ذاته هناك أقلية محافظة، تكافح فساد الأطفال برأيها.
ويعتقد أكثر من 80% من الروس، بحسب استطلاعات الرأي، أن أفضل مكان للحصول على التوعية الجنسية للأطفال هو الأسرة. ويقر معظم هؤلاء الأشخاص (أكثر من 65%) أن آباءهم وأمهاتهم لم يتحدثوا معهم حول الجنس. ويعبر ثلث أو ربع المستطلعين عن عدم استعدادهم لإثارة مثل هذه الموضوعات مع أطفالهم.
سبوتنيك