الشيوعيون وتجمع المهنيين .. علاقة بين نفي وتأكيد

منذ أن بدأت الاحتجاجات في الشارع السوداني، أشارت أصابع الاتهام الحكومية للحزب الشيوعي السوداني بالوقوف خلف لافتة تجميع المواطنين واحتجاجاتهم وراء تجمع المهنيين السودانيين طبقاً لتصريحات المسؤولين بالحزب الحاكم.

الحزب الشيوعي وبعد مضي ما يقارب ستة أسابيع كسر حاجز الصمت، قاطعاً بعدم علاقته المباشرة بالجهة التي تنظم الاحتجاجات على لسان سكرتيره العام م. محمد مختار الخطيب، لتزداد حيرة الشارع بين نفي الشيوعي والاتهام الحكومي.

تأييد (الحرية والتغيير)

الحزب الشيوعي في مؤتمر صحفي منتصف يناير الماضي، أعلن تأييده للإعلان الصادر عن تجمع المهنيين السودانيين، والمطالب بخروج المواطنين للشارع للمطالبة بإسقاط النظام، حينها أكد السكرتير العام للحزب محمد مختار الخطيب بمقر الحزب أن الشيوعي يؤيد إعلان الحرية والتغيير الصادر عن تجمع المهنيين السودانيين، وأضاف: ندعو إلى قيام مؤتمر دستوري قومي يضطلع بوضع دستور للبلاد، ويحل كل مشكلاتها، مشدداً على دعمهم حق التظاهر السلمي وعدم اللجوء إلى التخريب، داعياً إلى مواصلة الاحتجاجات دون توقف، كاشفاً عن عملهم لتعبئة الجماهير في الريف والمدن.

سيناريوهات الاتهامات الحكومية للشيوعي لم تتوقف وترجمت عملياً في اتخاذ السلطات موقفاً أكثر عملية بمحاصرة المركز العام واعتقال العديد من قيادات الشيوعي وعضويته، رد الفعل لم يأت سريعاً بل أخذ الشيوعي وقته لترتيب أوراقه ليعود الخطيب مجدداً وعبر تقارير إعلامية لنفي علاقة حزبه بتجمع المهنيين السودانيين، قائلاً: ليس لنا علاقة مباشرة مع المهنيين.

في وقت سابق وأثناء الحراك أكدت القيادية بالشيوعي نعمات مالك أن الحزب الشيوعي (حيطة) الحكومة القصيرة، موضحة أن الشيوعي عضو في قوى الإجماع الوطني، وقوى الإجماع الوطني انضمت منذ الوهلة الأولى لهذا الحراك الشبابي وأيدته وقامت بتوجيه كل عضوية التحالف بالانضمام إلى هذه المسيرات حسب الجدول الصادر من المهنيين، إذن الحزب الشيوعي ضمن قوى الإجماع مثل أحزاب أخرى كنداء السودان وغيرها وبالتالي تهمة حزب الشيوعي لا معنى لها وغير معنى بها.

اتهامات النظام الحاكم

على الرغم من النفي المستمر والمتكرر من الحزب الشيوعي لجملة الاتهامات التي تقول بها الحكومة، إلا أن علاقته التاريخية بالنقابات وقدرته على تفعيلها في سياق المطالب الاحتجاجية كانت شاهداً بالضد من نفيه، ولعلها الفرضية التي استند عليها الحزب الحاكم وحكومته في اعتبار الشيوعي المتهم الأول في سياق المشهد.

وسبق أن اتهم أمين دائرة الإعلام بالمؤتمر الوطني ابراهيم الصديق الحزب الشيوعي بأنه وراء كل التخريب والدمار الذي حدث في الاحتجاجات الأولى بالولايات، موضحاً أنه يمتلك أدلة دامغة على تورط الشيوعي في التخريب والدمار، مشيراً إلى أنه لو سلك الشيوعي الطرق القانونية لما حدث هذا الدمار.

الاتهامات تجددت على لسان أكثر من قيادي بالمؤتمر الوطني، فكان تصريح الأمين السياسي عمر باسان بأن الشيوعي يريد أن ينأى بنفسه عن أي اتهامات لجهة أن أي جهة دعت للتظاهر وأحدثت فوضى وخراباً ستكون مسؤولة من ناحية قانونية وأخلاقية عما يدور داخل هذا التظاهر، وأضاف: لذلك الحزب الشيوعي معروف عنه أنه ينأى بنفسه عن قيادة التظاهرات وحتى توجيهاته لقياداته بألا يكون على رأس التظاهرات حتى لا يتم اعتقالهم وهم يدركون تماماً أنهم يرغبون في قيادات التظاهرات، واستدرك: لكن بصورة غير مباشرة الكل يعلم بأن الحزب الشيوعي وراء هذا التخريب والدمار الذي حدث.

وبحسب الناشط الحقوقي المحامي هيثم أبو الزين في حديثه لـ(السوداني) أمس، فإن الحزب الحاكم لم يكن وحده بطل الاتهام في مواجهة الشيوعي، ودخلت حكومة الوفاق على الخط، بيد أنها وفي مفارقة نادرة الحدوث ساهمت بتصريحاتها في نفي اتهام الحزب الحاكم للشيوعي، لجهة أن الحكومة اعتبرت تجمع المهنيين جهة غير شرعية في وقت تقر فيه بأن الشيوعي حزب مسجل وفق القانون، فإذا صح اتهام ارتباط التجمع بالشيوعي فلم منعت الحكومة مواكبه؟.. ويدلل أبو الزين على فرضيته تلك بحديث وزير الداخلية أحمد بلال، أمام البرلمان إبان بداية الاحتجاجات، وقول الوزير بأنهم منعوا موكباً سلمياً من إيصال مذكرة إلى القصر الرئاسي بسبب وقوف مجموعة غير شرعية وراءه تتمثل فيما يسمى بـ(تجمع المهنيين السودانيين)، وأكد الناشط الحقوقي أن بلال في ذات التصريح تعهد بالسماح للأحزاب المسجلة والنقابات القانونية بإقامة الندوات والتجمع سلمياً دون الدعوة لإسقاط النظام.

لماذا تصر الحكومة وحزبها على اتهام الشيوعي؟

رئيس لجنة الإعلام بالبرلمان والمحلل السياسي م. الطيب مصطفى يذهب في حديث سابق لـ(السوداني) إلى أنه لا جدوى من الحوار ما لم ينظم مع جهات مثلاً نقابة الأطباء التي تتبع للحزب الشيوعي، قائلاً: إذا كان الحوار مع تجمع المهنيين يجب أن تصرح الحكومة بذلك ولا تقول الشباب، لأن التنظيمات السياسية المنظمة التي تدير الشباب هم المهنيون الذين يتبعون للشيوعيين.

ويذهب المحلل السياسي عبد الماجد عبد الحميد في حديثه للصحيفة أمس، إلى أن تصريحات الحكومة نجحت في خلق تشويش في الشارع، وأن الحزب الشيوعي لم ينف ذلك لأنه يتبنى الأحداث، موضحاً أن الشيوعي فرح بما أعطى من مساحة في الرأي العام، في وقت سبب فيه المؤتمر الوطني خسائر للأحزاب الأخرى رغم تأييدها للحراك، وأضاف: إن ما يحدث بين الشيوعي والوطني سجال سياسي لمجموعات لديها خبرة في المواقف السياسية، موضحاً أن القوى السياسية الآن تلعب في مساحة مع الشباب لأن المحتجين ليس ليهم ميول سياسية ولا جسم سياسي ينظم حركاته.

وتوقع عبد الماجد استمرار الأحداث لجهة أن المشكلات الاقتصادية لم تحل بعد، معتبراً أن الأسباب كانت موضوعية وبدأت مطلبية وتحولت فيما بعد إلى مطالب سياسية.

(ما هو تجمع المهنيين؟) هو السؤال الذي أرهق الحزب الحاكم وحكومته وأجهزته على الرغم مما توفر لهما من إمكانيات. ويذهب الناشط الحقوقي هيثم أبو الزين إلى أن اتهام الشيوعي المتكرر بأنه وراء التجمع يهدف لأمرين: الأول خلق حاجز نفسي لدى المحتجين وجماهير الشارع السوداني بتجيير تجمع المهنيين بأنه لافتة الشيوعي بالعزف على وتيرة الدين التاريخية، والأمر الثاني محاولة تجيير كل محصلة الاحتجاجات لصالح الشيوعي وقدرته على تحريك الشارع الأمر الذي يثير حفيظة بقية مكونات التجمع، مما يقود إما لإعلان قيادات التجمع عن أنفسهم بفعل الاستفزاز أو إثارة الغيرة السياسية بين المكونات الأخرى مما يحدث حالة شد وجذب بين الشيوعي وبقية مكونات الحراك مما يقود لمعارك جانبية تقلل بدورها من الضغط الاحتجاجي في الشارع.

مشاعر أحمد
الخرطوم: (صحيفة السوداني)

Exit mobile version