المظاهرات التي اندلعت في 19 ديسمبر الماضي وصفها البعض بـ(المرآة) التي تعكس مدى استجابة المدن لها، واعتبروا أن مدينتي عطبرة والقضارف تصدرتا المشهد في الولايات، وتنازعهما الصدارة في الخرطوم منطقة بري التي تصدرت المناطق منذ خروجها المتأخر نسبيا للشارع بعد نحو أسبوع من احتجاجات تلك المدن، ليتساءل كثيرون عن مبررات تصدر بري المشهد؟
بري وشمبات
كثيرون سخروا من محاولات تصوير الاحتجاجات في الشارع السوداني وتفاعلاتها بالبارزة في منطقة دون أخرى، واعتبروا ذلك نوعا من محاولات التمييز الضار لجهة أن كل من خرجوا من أبناء الشعب السوداني في كل المناطق، وأنهم تضرروا بذات المستوى اقتصاديا وسياسيا واجتماعيا.
ويذهب المحلل السياسي ماهر أبوالجوخ في حديثه لـ(السوداني) أمس، إلى أنه ليس منطقة بري فقط التي تتصدر المشهد في الاحتجاجات ولكن معها منطقة شمبات أيضا. مرجعا ذلك البروز لارتباط المنطقتين بتداعيات المظاهرات التي اندلعت في 2013م، مشيرا إلى أن المنطقتين فقدتا عددا من الشباب في تلك الأحداث، ففي شمبات قتل الشباب بالرصاص أمام أهاليهم، فيما تستدعي بري في كل أوقاتها مقتل د.صلاح سنهوري تحديدا. وهاتان الحادثتان ترتب عليهما غضب على الحكومة خاصة عند الشباب الذين يمثلون الحراك الحالي.
أبعاد تاريخية
ماهر يرى أن الحكومة بسياساتها ومحسوبيتها وفرت أسبابا لتفاقم الأوضاع، الأمر الذي يوتر المشهد بشكل عام، مشيرا إلى أن المناطق التاريخية بالخرطوم تعتقد أن توجهات السلطة واهتماماتها تركزت على إضعاف وصرف النظر عن الأحياء التاريخية والقديمة باعتبارها تمثل ذاكرة المدن ونضالات حقب الاستقلال وما بعده، لصالح أحياء جديدة يقطنها أناس محسوبون على السلطة أو ما يعرف بالأثرياء الجدد، وأضاف: بالتالي كثيرون يرون أن مناطقهم محرومة بل يتم تجاهلها عن عمد ولديهم إحساس بأن السلطة تستهدفهم، ويعتبرون أن الحد الأدنى من الخدمات بمناطقهم قُدِّمَ منذ زمن بعيد عكس الأماكن التي يسكنها المشاركين في الحكومة.
وعى سياسي
سياسيا ظلت منطقة بري محسوبة على آل الشريف الهندي أو ما يعرف اختصارا بالدوائر الاتحادية التي تقسمت ليدور معظمها خارج فك السلطة وضمن خندق المعارضة الأمر الذي ربما ألقى بظلاله على بري. بيد أن رئيس الحركة الاتحادية الوطنية الشريف صديق الهندي أكد في حديثه لـ(السوداني) أمس، أن الاحتجاجات التي شهدتها منطقة بري تعبير حقيقي عن وعي مواطني المنطقة بالأزمة، قاطعا بأن بري بها وعي سياسي متقدم وتضم حركات سياسية متنوعة، مشيرا إلى أنها منطقة الشريف الهندي وأنها ذات المنطقة التي فاز فيها ممثلو قوى سياسية مختلفة. نافيا أن تكون بري ميدانا بديلا يتخذه الناشطون كما يحاول البعض التصوير بل الاحتجاجات أصبحت جزءا من تقاليد الناس، وأضاف: الاحتجاجات ملك للكل حتى الأطفال أصبحوا يرددون أغانيها وشعاراتها. راويا طرفة بأن إحدى الأمهات منعت أبناءها من الخروج في الاحتجاجات، إلا أن الأبناء رفضوا الاستجابة، وخرجوا إلى الميدان ليفاجأوا بأمهم هناك، فهتفت فيهم: (شنو الخيانة دي؟).
وقطع الهندي بأن الاحتجاجات ستكون مستمرة بقوة ولا يوجد مؤشر لفتورها ومستمرة بشدة وعنفوان، مقرا بأنها أصبحت منطقة أكثر شهرة، معتبرا الأمر طبيعي لعوامل محلية لكن العوامل العامة كثيرة، مؤكدا أن ما يجعل الناس مقتنعين بالاحتجاجات هي القضايا الكبيرة وأزمة القومية وليست مرتبطة بطبقة محددة أو ثورة جياع.
الهندي أكد أن بري ومناطق أخرى تصدرت المشهد في الاحتجاجات الأخيرة لأنها تضم حركة وعي عام وليس حزبيا، وأضاف: أي حراك يحمل الطبيعة القومية متوقع فيه الوعي والحركة. لافتا إلى أن الوعي السياسي والتيارات السياسية المختلفة كانت موجودة أيضا في العام 2013م، وأضاف: في تلك الأحداث كانت منطقة شمبات أيضا في المشهد.
رئيس الحركة الاتحادية الوطنية، قطع بأن قائمة المظالم كبيرة وأن الذين خرجوا في الاحتجاجات وصلوا مرحلة الثورة بطرق معينة، مشيرا إلى وجود حملات مضادة من الحكومة، وقال: إذا كان الشيوعيون من يحركون الاحتجاجات فهذا يعني أنهم الأغلبية، واستدرك: لكن هذا حراك للسودانيين في الداخل والخارج، وأضاف: لا يوجد أسوأ من قتل المواطن ولا تعرف الأجهزة المسؤولة من قتلهم؟ ووصف الأمر بأنه (تملص) من المسؤولية وفشل واضح، وتساءل: أين الدولة من هذا الأمر؟
بينما يرى ماهر أنه لا علاج لحالة التصعيد الماثلة في الأحياء والمدن العريقة، لجهة أن ما حدث في سبتمبر 2013م للأسف الشديد سلوك السلطة كان سيئا وبالتالي حتى الجيل الجديد الذي لم يحضر سبتمبر شهد تعامل السلطة أمامه ما أدى إلى تفاقم المرارات، وأضاف: خاصة في بعض الأحيان أنه تم اقتحام منازل وضرب المواطنين وبهذه السلوك ودون أن تعي السلطة ضاعفت الشقة بينها وبين المواطنين وإذا اندلعت مظاهرات مرة أخرى ستكون بري (أشرس) من ذي قبل، وقال: بسبب تراكم الأخطاء وعدم دراسة نتائجها ربما تظهر في الفترة القادمة أكثر من (بري وشمبات) لأن المعضلة ليست في الممارسة أو قياس رد الفعل الذي يتم ولا معرفة النتائج المترتبة على ما حدث.
قلعة للنضال
نائب رئيس قطاع التنظيم بالمؤتمر الوطنى حمدي سليمان في حديثه لـ(السوداني) أمس، قال إن مواطني بري (أهل) والعلاقات بينهم مترابطة وبالتالي حتى مواقفهم السياسية مع الحكومة أو ضدها يكونون متضامنين فيها، وأضاف: المنطقة بها رموز المؤتمر الوطني بالإضافة إلى أن رئيس كتلة الوطني بالتشريعي أبوعاقلة الجيلاني من سكان بري. مؤكدا أن كسب حزبه في بري ليس سهلا، وأضاف: هناك جهات سياسية تستغل الموقع الجغرافي الذي تتمتع به المنطقة لجعلها مركزا للاحتجاج وبالتالي بعد الكر والفر بينهم والأجهزة الأمنية عقب إغلاق الشوارع أسفر عن تصرفات تؤجج النفوس عند سكان بري، منوها إلى أن ذات الجهات اهتمت ببري لقربها من العاصمة وأصبح التركيز الإعلامي سهلا عليها.
نائب رئيس قطاع التنظيم بالمؤتمر الوطني اعتبر أن الاحتجاجات التي اندلعت بالخرطوم فشلت في الوصول إلى القصر الجمهوري بالتالي فإن المحتجين اتخذوا من منطقة بري مركزا بديلا. مشيرا إلى أن معظم المحتجين من خارج بري بل وحتى سكان المنطقة متضررون من إطلاق الغاز المسيل للدموع، وليس من مصلحتهم أن تتخذها بعض الجهات قلعة للنضال، لافتا إلى أن سكان بري أهل وهو مجتمع مترابط وعندهم تسامح كبير رغم الاختلاف السياسي.
وأشار حمدي إلى وجود جهات سياسية تستغل وجود مستشفى رويال كير وتقديمه لخدمات مجانية، وتطلق نداءات كاذبة مثل الحاجة إلى التبرع بالدم أو إعلان موت أحد المحتجين لتجميع الناس ومن ثم تقوم الاحتجاجات، وأضاف: هذا الأمر حدث أكثر من مرة حتى أن بعض القنوات الخارجية اضطرت إلى نفي الخبر المفبرك الذي تحصلت عليه من بعض تلك الجهات.
صحيفة السوداني.