ما يزال أساتذة جامعة الخرطوم مُصرين على أن تنحصر مبادرتهم السياسية ، على تشكيل مؤسسات الفترة الانتقالية التي قرروا لها أن تكون (4) سنوات ، مع أن تأريخ الثورات في السودان يشير إلى أن الفترة الانتقالية لا تزيد عن عام واحد فقط ، كما حدث في حكومة “سرالختم الخليفة ” بعد أكتوبر 1964 ، وحكومة “الجزولي دفع الله” في أبريل 1985 .
فلماذا جعلوها أربع سنوات في مبادرتهم ؟ هل لمنح القوى الثورية فرصة كافية للتمكين العكسي ، بإزالة آثار تمكين الإسلاميين ؟ هل لأنهم يعلمون علم اليقين أن الانتخابات الحرة النزيهة بعد عام واحد أو عامين من حكم انتقالي ، لن تحمل قوى (اليسار) السوداني إلى مقاعد برلمان التعددية الرابعة ؟
ربما ، ولكن الأسوأ من قفز المبادرة على المراحل ، وتجاهلها الوضع الراهن ، هو خطاب بعض الأساتذة في الوقفة الاحتجاجية داخل الجامعة ، ثم على منصة المؤتمر الصحفي للمبادرة ، فقد تحدث هؤلاء وكأنهم (ثوار) شباب يهتفون في مظاهرة في شوارع أم درمان أو بحري أو السوق العربي ، وليسوا بروفيسورات ودكاترة وعمداء كليات ومديرين سابقين للجامعة !!
كيف يمكن للطرف الآخر وهو الحكومة أن يقبل مبادرة من طرف غير محايد ، بل هو جزء من الحراك الثوري ، ومن قيادة تجمع المهنيين المعارض ؟!
كنتُ أتوقع أن يجيب أساتذة الجامعة عن سؤال كيفية الوصول الآمن للفترة الانتقالية ، وكيف يمكن للعلماء المُبجلين أن يساعدوا الحكومة وقوى الثورة في الوصول لمنطقة اتفاق وسطى تجنّب البلاد كل المخاطر المحدقة بها .
أما إذا كانت الإجابة عن سؤال كيفية العبور الآمن، تقول بأن الوصول لمرحلة الانتقال يكون بنجاح الثورة ، والإطاحة بالنظام الحاكم ، ولا خيار غيره ، فعلام المبادرة إذن ؟
في هذه الحالة لا تصبح مبادرة ، بل هي استشارة فنية يقدمها الأساتذة لقوى الثورة لمساعدتهم في تكوين مؤسسات الحكم الانتقالي !
كنتُ أتمنى أن يحافظ أساتذة جامعة الخرطوم على البقاء برمزيتهم المحترمة في منطقة وسطى ، ليلجأ إليهم الجميع كلجنة حَكم في أية تسوية سياسية محتملة ، غير أنهم خيبوا ظننا وظن الكثير من السودانيين .
الهندي عزالدين
المجهر