وهل هناك من زعم أنه لا توجد أزمة خانقة لم تتكرر منذ قيام الإنقاذ تتحمل وزرها هذه الحكومة، لا أحد سواها؟
> نعم اقر الجميع بمن فيهم قادة النظام الحاكم واعترفوا بذلك وانفجر الشارع كما لم يحدث من قبل، بعد أن تحرك الشباب الثائر في بعض الولايات قبل الخرطوم ربما لاول مرة في تاريخ السودان.
كتبنا قبلها مراراً محذرين ومنذرين بزفرات مزمجرة وعناوين صارخة: (أأيقاظ أمية أم نيام؟) و (ارى تحت الرماد وميض نار) سيما بعد ان حُرم المواطنون، أغنياؤهم وفقراؤهم، من اموالهم المودعة بل بعد ان تحولت العملة السودانية (الكاش) الى سلعة ربوية تمحق المال وتغضب الله الجبار الذي توعد المرابين بحرب لا تبقي ولا تذر.
> ثم ماذا حدث بعد ان انفجرت الازمة التي حملناها لمن تسببوا فيها؟!
> ما ان هب الشباب احتجاجاً وتظاهراً واستعرت حرب الاسافير، حتى صحا انتهازيو السياسة من نومهم ليقطفوا ثمار ثورة اولئك الشباب .. ولكن اليس ذلك من حقهم وقد ظلوا يعارضون في انتظار اللحظة المواتية التي جاءتهم تجرجر اذيالها؟
> ربما، ولكن هل يحق لهم، وقد منحناهم حق (السطو) على الحراك تكرماً، ان يركبوا الموجة لوحدهم ويحتكروها كأنهم صنعوها حتى بدون ان يعدوا البديل الذي يجنب البلاد المآلات الكارثية التي يمكن ان تهوي بها الى القاع وتدمرها وتشرد شعبها؟
> ما أن انتظمت تلك الهبة الشبابية حتى اصدر (تجمع المهنيين السودانيين) اعلاناً بملكيته لها وصار يوجه حركتها ويبين اماكن ومواقيت تجمعها، بالرغم من انه لم يحركها ابتداءً، ثم اعلن رئيسه الشيوعي محمد يوسف رفضه مذكرة (الجبهة الوطنية للتغيير) التي نشأت بعد ذلك وساندت الحراك والتظاهرات، واصفاً اياهم في تصريح لقناة العربية الفضائية بأنهم (جزء من النظام)، بالرغم من انه كان وزيراً في حكومة الانقاذ، واتبع ذلك ببيان آخر ضم الى تحركهم حلفاءه القدامى من (قوى نداء السودان) الذي يضم الحركات المسلحة المتمردة في الخارج، كما ضم رفاقه في (قوى الإجماع الوطني) وفيهم الحزب الشيوعي والبعثيون!
> عجيب أن يكرر الشيوعيون صنيعهم الذي فعلوه في ثورة اكتوبر 1964م حين كانوا يسيطرون على النقابات العمالية التي مكنتهم من (احتلال) تلك الثورة التي استحوذوا في حكومتها الانتقالية على ثماني وزارات، بينما منحت الاحزاب الاخرى وزارة واحدة، الامر الذي اسقط تلك الحكومة بعد ثلاثة اشهر فقط.
> الشيوعيون ايها الاخوة خبراء في صناعة الواجهات التي يستعيضون بها عن ضعفهم في مجتمع مسلم محصن من الانخراط في ركبهم الماركسي الغريب على دين هذه البلاد وتقاليدها وهويتها الوطنية.
> ذات الشيء يتكرر الآن ولكن خطأهم الكبير لا يقتصر على اختيار الشيوعي محمد يوسف ليرأس واجهتهم النقابية (تجمع المهنيين)، سيما ان توجهه معلوم منذ عقود من الزمان، ذلك انه شيوعي بالوراثة، فقد كان ابوه احد قيادات الحزب الشيوعي في اتحاد المزارعين الشيوعي الذي كان يرأسه الامين محمد الامين الذي اصبح وزيراً للصحة في حكومة اكتوبر بالرغم من انه شبه أمي! كما ان محمد يوسف كان جزءاً من حركة قرنق (الحركة الشعبية لتحرير السودان) وبعد الانفصال اصبح احد قيادات (قطاع الشمال) التابع لحركة قرنق، وعندما انقلب الشيوعي المتمرد عبد العزيز الحلو من خلال مجلس تحرير جبال النوبة على عرمان وعقار انضم محمد يوسف لعبد العزيز الحلو، واصبح احد قيادات قطاع الشمال (جناح الحلو)!
> ليس ذلك هو الخطأ الوحيد للحزب الشيوعي وهو يختار محمد يوسف لقيادة كيانه النقابي، انما كان من اخطائه الاخرى السلوك الاحتكاري الذي منحوه لانفسهم، حيث يقبلون من يشاؤون ويرفضون من يشاؤون بالرغم من انهم دخلاء على الحراك الشبابي غير المسيس الذي قفزوا الى قيادته بدون ان يوجفوا عليه خيلاً ولا ركاباً!
> لم يتعلموا للأسف من دروس التاريخ وعبره : ان الديمقراطية لا تقبل القسمة على اثنين، وان المبادئ لا تتجزأ، وانهم اذا كانوا يرفضون ان يعزلوا كما حدث عندما حل الحزب الشيوعي السوداني في الماضي، فإن عليهم الا يأمروا الناس بالبر وينسون انفسهم!
> هذا هو سلوكهم الذي لن يقووا على الخروج عليه، فقد ايدوا انقلاب مصر على النظام الديمقراطي برئاسة محمد مرسي لا لسبب الا لعدائهم التاريخي والفكري للاسلاميين.
> لذلك فإن على من يتحالفون معهم ان يحذروهم، بل ان على المجتمع السوداني ان يحسن التعامل معهم، سيما انهم يحملون فكراً رجعياً خرج عليه العالم اجمع بعد ان حطم الدول التي اتخذته سبيلا للنهضة والتقدم، ولكنهم لا يعتبرون ولا يتعظون ولا يتعلمون.
الطيب مصطفى
الانتباهة