على الرغم من خروج المواطنين في التاسع عشر من ديسمبر الماضي احتجاجاً على ندرة الخبز والبنزين والجازولين وقلة السيولة في البنوك، واعتراف الدولة بها، والتضامن الجماهيري بالمركز والولايات وقد وقف الجميع مطالباً الحكومة بحل تلك المشكلة، على الرغم ذلك، حينما تحولت المطالب من اقتصادية إلى سياسية انحاز كل طرف ضد الآخر بعد أن كانت المشكلة مع الحكومة الآن بدأنا نفقد بعضنا البعض.. والحكومات تذهب ويبقى الوطن والمواطن.. وتطور الوضع بين أبناء الوطن الذين يناصرون الحكومة والذين يقفون إلى جانب المتظاهرين أو المحتجين، وبدأت عمليات التصنيف فإن كنت ترى أن تلك التظاهرات تحتاج إلى قائد أو انعدامه أو مشاركة الجيش أو انحيازه لها، إن لم تكن تلك المعطيات متوفرة أو موجودة فإن التظاهر وحده لن يغير النظام، وقد جربنا من قبل مع نظام الرئيس الأسبق “نميري” فكم من تظاهرات، وكم من انقلابات ولكنها لم تؤد إلى تغيير النظام.
ففي ثورة شعبان 1973 التي شارك فيها كل طلبة الجامعات والثانويات وكاد النظام أن يسقط، تلك الثورة القوية افتقدت إلى القيادة أو افتقدت مشاركة القوات المسلحة فيها، لذلك صمد النظام إلى أن جاءت ثورة أبريل 1985، وحتى تلك الثورة لولا خروج الرئيس “نميري” وزيارته إلى الولايات المتحدة الأمريكية وانحياز القوات المسلحة بعد ذلك لما سقط النظام المايوي.. الآن نحن في حالة أصعب من فترة الرئيس “نميري”، فالاستقطاب أصبح أكبر والخصومات متزايدة بين أبناء الشعب الواحد، فانتقلت المعركة من بوابة الحكومة إلى الشعب والعداء الآن أكبر بينهم.
وفي وسائل التواصل الاجتماعي المعارك حامية بين المعسكرين، فكل طرف لا يرضي بالطرف الآخر، والتصنيف أكبر فإما أن تكون مع هذا الطرف وتنال نصيبك من الشتيمة والسحق والسحل، وإذا ملت إلى الطرف الآخر تكون نفس الشتيمة لكن من الطرف الآخر، لذلك آثر الكثيرون الصمت، حتى الوزراء إن كانوا من المؤتمر الوطني أو من المشاركين في حكومة الوفاق الوطني، الكل لاذ بالصمت، لا خيراً ولا شراً.. لا يدلون بأي تصريحات أو يجرون مقابلات، فالكل ينتظر ماذا سيحدث في الفترة القادمة فإذا زل لسان أحدهم سلخوه بألسنة حداد مثل “الفاتح عز الدين” الذي ظن أن تلك الكلمات التي تفوه بها سترضي الحكومة وتضرب المتظاهرين، وكذا الحال بالنسبة لشيخ “علي” الذى فقد وقاره في لحظة، ولم يجبره أحد أن يخرج في هذا الجو الملتهب ويزيد من اشتعاله، والكلمات التي أدلى بها ستظل تلاحقه أبد الدهر.
المشكلة الآن أصبحت بين أبناء الشعب حتى القوة العسكرية لا ندري من الذي أعطاها الأوامر بضرب المتظاهرين ومن الذي أعطاها الإذن بإلقاء “البمبان” في منزل عزاء الطالب المتوفى.. نحن سودانيون مهما حدث بيننا ففي النهاية ستعود المياه إلى مجاريها، فليس من الذوق إلقاء “البمبان” والناس في تلك المصيبة، فمدير عام الشرطة في تلك اللحظة لو منع قواته وقدّر ظرف الناس وهم في حالة حزن لا أظن أن التظاهرات كانت ستستمر، لكن الشعب عنيد ومدير عام الشرطة يعلم ذلك ومدير جهاز الأمن كذلك والحكومة تعلم أيضاً، فقد كان بالإمكان أن يواسوا أهل المتوفى بدلاً عن تفريق المعزين بهذه الطريقة، ومهما حصل فلا أظنهم سيردونهم.. وفي النهاية نحن سودانيون نقبل المواساة ونقبل العذر.. والاحتقان الموجود وسط السودانيين لابد أن تعمل الحكومة على تهدئته وإنهائه قبل أن تتطور القضية أكثر من ذلك.
صلاح حبيب – لنا رأي
صحيفة المجهر السياسي