رسمت آخر إحصائية لمرض السكري؛ صورةٌ قاتمةٌ للحالة الصحية لأطفالنا أكبادنا التي تمشي على الأرض حين أكدت أنّ (6000) – نعم ستة آلاف طفل – مُصابون بداء السكري اللعين في السودان، ويُرجِّح أطباء تحدَّثوا إلينا أن يكون (ما خُفيَ أعظم)؛ لا سيما في ظل ضعف الإمكانَات المُساعدة مَقروناً ذلك مع طبيعة السُّودان بأريافه البعيدة وأطرافه المُمتدة التي تجعل ضبط الإحصائيات في كل شيءٍ أمراً غاية في الصعوبة.
والدة طفل تحكي
“سامية” – والدة طفل مصاب بالسكري – قالت لـ(السوداني) ما أقسى أن تكون (أُماً) لطفلٍ مصابٍ بمرضٍ مُزمنٍ مثل السكري لأنّك حينها ستعيش تحت تأثير نفسي رهيب، يبدأ بكيفية تأقلم طفلك على المرض (الصفيق) وليس الصديق، لأنّ الطفل قد يكون في سِنٍ لا يفهم معها أنّ أكل الحلويات سيضُر بصحته، وحتى لو (أضربت) أو قاطعت الأسرة الحلويات (تضامناً) أو (تعاطفاً) مع طفلها فإنَّها لا تضمن ما يحدث له ومعه بالمدرسة، حيث يحمل أقرانه كل أنواع الحلويات، ولا يكون هنالك رقيبٌ إلا نفسه وهو طفلٌ ربما يضعف أمام غيره من الأطفال وهم يتناولون الحلويات والآيسكريم، فدور الأسرة مع طفل السكر صعبٌ يحتاج مُتابعة عالية، وتوعية للطفل وأن يكون على علمٍ بكل ما هو ممنوع عنه، وأن يتعايش على أنه مريض سكر.
أسباب انتشار
وبحسب الإحصائية المُشار إليها في المُقدَّمة، فإنَّ (350) طفلا مِمّنْ يُعانون من داء السكري يتابع بهم ذووهم بعيادات موجودة في الخرطوم، مقابل (2400) طفل يتابعون بالولايات. وبالسؤال عن أسباب انتشار هذا الداء وسط الأطفال، يُجيب نائب مدير مركز السودان لسكرى الأطفال د. عمر عثمان بأن ارتفاع مُستوى الوعي وسط الأُسر جعلهم يُعجِّلون بأطفالهم إلى الفُحُوصات متى ما شككّوا في الأعراض وانتبهوا لأيِّ تغييرات تظهر على أطفالهم.
ويُشير بعض الأطباء إلى أنَّ النمط الغذائي وعدم الحركة والإفراط في تناول السُّكريات والسّمنة والعوامل الوراثية كلها قد تكون أسباباً مُباشرةً لتعرُّض الطفل لمرض السكرى.
وصفة غذائية
وتقول إحصائية التغذية نجاة حسن سليمان لـ(السوداني)، إنّ ارتفاع مُعدّل إصابات الأطفال بمرض السكر يحتاج لأن تنتبه الأمهات لهذا الأمر والقيام بالتغذية السليمة والصحية للأطفال وعدم التركيز على النشويات للأطفال، بل منحهم لها بصُورةٍ مُعتدلةٍ، لأنها تتحوّل لسكر داخل الجسم، ويجب التركيز على البروتينات الحيواني والنباتي وعدم إهمال النباتي، لأنّ الطفل في مرحلة نمو يحتاج لغذاءٍ مُتوازنٍ، وعدم الموازنة والاعتماد على النشويات والسُّكريات يؤدي إلى “السمنة” وهنالك أمّهات يفرحن بها ولا يعلمن بضررها، وأن الطفل يجب أن يكون صحيح البدن، يحتاج للخضروات والفاكهة والسَّلطات وهي ضرورية جداً في الأكل، بدلاً من إعطائهم أدوية فايتمين، ولدينا سياسة غذائية خاطئة وهي أن الفواكه تعطى بعد الأكل حيث لا يستفيد الجسم منها لأنها تتحوّل إلى أحماضٍ، لذلك يجب أخذها قبل الأكل ليستطيع الجسم الهضم والامتصاص، ويجب إبعاد الأطفال عن تناول المياة الغازية واستبدالها بالعصائر الطبيعية فهي مُفيدةٌ جداً وصحيّةٌ، كما يجب تعويدهم على السُّكّر الخفيف مع العصائر والشاي والحليب ويستحسن أن يكون بدون سُكّر.. تدريجياً الطفل سوف يتعوّد على الطعم.
رياض أطفال
وتنصح اختصاصية التغذية نجاة، أمهات أطفال السُّكّري بمنعهم منعاً باتاً من تناول “المنقة والعنب” سواء في الأكل أو العصير، لأنّ السُّكَّر فيهما عالٍ جداً، مؤكِّدةً أنّ الأطفال المُصابين يحتاجون للبروتين بنوعيها وكذلك الخضروات (السَّلطات)، مُشيرةً الى أنّ أكثر الأطفال المصابين بالسُّكّر يتناولون “الأنسولين” كعلاجٍ، وهذا يحتاج الى انتباهٍ شديدٍ من الأُسر، لأنّ الطفل بعد الحقن يجب أن يُعطى الطعام مُباشرةً، لتفادي حدوث “الكومة”.
نجاة قالت: قبل فترة رأيت بإحدى رياض الأطفال، طفلاً يعاني من سُكر وقد قامت والدته بطعنه بحُقنة “الأنسولين” دون أن تُنبِّه مُعلِّمة الروضة بضرورة تناوله للطعام سريعاً، لكن ثقافة مُعلِّمة الروضة أنقذت هذا الطفل حيث ناولته طعاماً بسُرعةٍ، قبل أن يفقد الوعي، مُشيرةً أنّ إلى الأمر صعب على الأمهات ويحتاج للسيطرة على الطفل بالتي هي أحسن.
جمعية أطفال السكري
وعن الأثر النفسي لدى الطفل المُصاب بمرض السُّكّري، قالت الأخصائية النفسية غاده قريش ووالدة طفلة مصابة بالسُّكّري، إنه لا يُوجد مرضٌ مزمنٌ ليس له أثر نفسيٌّ، خَاصّةً لدى الأطفال، فالأمر هنا حسّاسٌ جداً، ويُعتبر تغييراً هرمونياً ضخماً، خَاصّةً أنّهم يأخذون “حقن الأنسولين” فقط، لذلك الأمر يُعتبر مُرهقاً وحسّاساً عند الذهاب للمدرسة مثلاً وهو حامل الشنطة الخاصة بالأنسولين يتأثّر من نظرة الجميع له، التعامل معه بأنه مريضٌ بالمدرسة يحسسه بالنقص مع البقية، وهنالك أثرٌ أكبر عندما يصبح الطفل بديناً، لأنّ الأنسولين يزيد الوزن بصورةٍ مُزعجةٍ للأطفال، مُضيفةً أنها كأم عندما يخرجون لزيارة الأهل تعطى ابنتها جرعة زيادة لكي تستطيع تناول المشروبات مع أقرانها تحوطاً للأطعمة والمَشروبات التي قد تُعرض لها، ولذلك أطلب من جميع الأمّهات اللاتي يُعاني أطفالهن من مرض السُّكّري الانضمام للجمعية السودانية لسكري الأطفال، لأنّها مفيدةٌ جداً، فأنا مثلاً كانت هنالك أشياء كثيرة جداً فيما يخص المرض وكيفية التعامل معه غائبةً عني، ومن خلال الجمعية استطعت الإلمام بكل الأمور من إرشادات وتوعية وغيرهما.
أخصائي سُكَّري أطفال يشرح
ويشرح د. عمر عثمان أخصائي سكري الأطفال، نائب عام مركز السُّودان لسُكّر الأطفال أن سُكّري الأطفال عالمياً في ازدياد، ولكن وعي الناس بالسُّكّر والأعراض جعلهم يكتشفون إصابات أطفالهم، بالتّالي فازدياد المَعرفة بالمَرض في عُمرٍ مُبكِّرٍ أسهمت في اكتشاف الحالات وخفض الوفيات، مُوضِّحاً أنّ عامل الوراثة يُعتبر واحداً من أسباب سُكّري الأطفال، لكن بنسبةٍ ضئيلةٍ، وأكّد أنّه لا يوجد سببٌ مُعيّنٌ للإصابة بالسُّكّري للأطفال، ونوِّه إلى أنّ هنالك دولاً تنخفض فيها هذه الحالات بدرجةٍ كبيرةٍ جداً مثل (الصين واليابان)، وبالمُقابل هنالك مناطق مثل (أوروبا، أمريكا والخليج) ينتشر فيها سُكّري الأطفال. وأشار د. عمر إلى أنّه قد يشك الأهل أنّ طفلهم مصابٌ عندما يَشرب الماء بالليل كثيراً، وكذلك التبول المُتكرِّر، والأكل الكَثير مع ضعف الجسم، وهُنالك من تأتيه صدمة سُكّر أو (أستون) عالٍ، وهذه مرحلة مُتأخِّرة يدخل بسببها الطفل العناية المُكثّفة، ويقول إنّ التشخيص بتحليل الدم والبول، ويُؤكِّد عثمان أنّ السُّكّريات لا علاقة لها بالإصابة بالسكري، وعلاج هذا النوع يكون بـ”الأنسولين” فقط ولا يتغيّر علاج الطفل المُصاب بالسكري عندما يَصبح كبيراً في السـن، وأنّ التعامل مع الطفل المُصاب في البداية تجد خلاله الأُسرة صُعُوبةً بالغةً لدرجة عدم اقتناعهم بأنّ طفلهم مُصابٌ، وهنالك بعض الأطفال لا يتقبّلون ويرفضون أخذ حقن “الأنسولين” وهي ليست سهلة عليهم لأنّ الطفل يأخذها ثلاث مرات في اليوم.
وعن المشاكل المصاحبة للسكر قال هنالك مُضاعفات مُزمنة مثل أمراض (الكلى ـ العيون ـ الأعصاب الطرفية)، خَاصّةً للأطفال الذين أُصيبوا بالسُّكر لسنواتٍ طويلةٍ، وأكّد أنّ الفحوصات الدائمة تقي الأطفال المُصابين من هذه المخاطر، وقال إنّ هنالك 25 عيادة بولايات السودان المُختلفة مُدرّبة ومُختصة في سُكّري الأطفال، كَمَا يُوجد بهذه العيادات أخصائيات نفسيّات واجتماعيّات ومُثقِّفات، وجميعها مُهيّأة ومَجّانية.
صحيفة السوداني.