السودان والفلبين في ميناء الحاويات.. شراكة يكتنفها الغموض

عامان كاملان قضتهما هيئة الموانئ البحرية في البحث عن شريك استراتيجي يدير ويطور محطة الحاويات بميناء بورتسودان الجنوبي وذلك بعد دراسات دقيقة قام بها خبراء عالميون من شركة H.P.C الألمانية الاستشارية ليختار الخبراء واللجان الفنية الشركة العالمية لخدمات حاويات الموانيء الفلبينية (آي.سي.تي.أس.آي) من بين ست شركات عالمية (إماراتية وفرنسية وسعودية وفلبينية وماليزية) نافست على الامتياز، لتفوز الفلبين بمعقولية عرضها.. لتجري المفاوضات بين الهيئة والشركة بعيداً عن أعين الإعلام والرأي العام وسط تكتم شديد من الجانبين على طبيعة المفاوضات وعلى تفاصيل بنود الاتفاق الذي تم توقيعه مؤخرا، ليدور التساؤل عن تفاصيل الاتفاق؟

التوقيع.. تفاصيل الاتفاق

تم التوقيع بين هيئة الموانئ البحرية والشركة العالمية الفلبينية على اتفاق ينص على منح امتياز إدارة وتشغيل محطة الحاويات بميناء بورتسودان للشركة الفلبينية لمدة (20) عاما، ووقع من جانب هيئة الموانئ البحرية نائب المدير العام لهيئة الموانئ البحرية السودانية نور الهادي الفكي الأمين بتفويض من وزارة النقل والتنمية العمرانية، بينما من جانب الشركة الفلبينية وقع هانز مدنس وبشهادة وكيل وزارة النقل د.جلال شلية من الجانب السوداني وجاكوب من جانب الشركة. وكشفت مصادر عليمة لـ(السوداني) أن إسناد إدارة الميناء الجنوبي لشركة عالمية متخصصة في إدارة محطات الحاويات تهدف لتطوير أساليب العمل وترقية معايير الأداء وكسب مزايا تفضيلية واستقطاب فرص جديدة للحصص السوقية وخلق أنشطة لوجستية داعمة وتمليك العاملين مهارات جديدة وتقنية حديثة بما يتيح للموانئ البحرية السودانية أن تصبح في مصاف الموانئ العالمية. وأشارت المصادر إلى أن التركيز في شروط التعاقد انصب في خلق نظام تشغيل أمثل للحاويات ونظام تشغيل للصيانة والتأهيل للآليات والمعدات وتأهيل وتدريب الكوادر، كما أن التركيز سيكون السعي لاستقطاب تجارة المسافنة وتحقيق إيرادات أعلى من الإيرادات الحالية. وكشفت المصادر عن أن الاتفاق قضى بدفع الشركة الفلبينية مبلغ 410 ملايين يورو كمقدم على أن تدفع مليون يورو شهريا لمدة الستة سنوات الأولى من عمر الاتفاق، ومليون وخمسمائة ألف يورو شهرياً في الستة سنوات اللاحقة. كما تضمن الاتفاق كذلك تخصيص 5% من الأرباح لمهمة إدارة وتشغيل المحطة وتوفير كل الاحتياجات التشغيلية.
وطبقا للمصدر، فإن البنود حوت العديد من المكاسب للموانئ السودانية من بينها استيعاب جميع العاملين وزيادة أجورهم بنسبة 25% بجانب التأكيد على الإبقاء على الاتفاق مع شركة الموانئ الهندسية بتولي مهمة المناولة الداخلية للحاويات في محطة الحاويات، وأضاف: المحطة تتناول سنوياً حوالي 480 ألف حاوية في الوقت الراهن، ومن المتوقع أن يرتفع أداؤها بعد الشراكة الفلبينية إلى مليون حاوية سنوياً.

تحفظات ومخاوف
وتباينت آراء الخبراء حول الجدوى الاقتصادية للشراكة السودانية الفلبينية في الاستثمار المينائي، ففي وقت يصف فيه أستاذ النقل البحري بالجامعات السودانية المستشار الاقتصادي السابق لهيئة الموانئ د.أمين موسى الحاج في حديثه لـ(السوداني) الأمر بالخصخصة، معتبرا أن الإصرار على إدارة محطة الحاويات بالميناء الجنوبي على نظام الخصخصة بعقد امتياز لـ(20) عاما قادمة بأنه إهدار بليغ لإيرادات كان من الممكن أن تكون كلها لصالح السودان. وأضاف: رغم عدم توفر الكثير من المعلومات والبيانات حول الاتفاق إلا أن ما ستتحصله الدولة وإدارة الميناء لن يتجاوز أكثر من 30 – 40% من الإيرادات الحقيقية للمحطة، بينما يذهب أكثر من 60% من الإيرادات للشركة للمشغلة، هذا فضلا عن الإحساس والشعور القومي لدى المواطن بفقدان الامتلاك والسيادة على مرفق وطني استراتيجي في ظل تربص واستهداف يحيط بالبلاد، قاطعا بأن السودان ليس بحاجة في مجال الموانئ لاستلاف أي خبرات أجنبية، لكنه بحاجة لتمكين الهيئة في استغلال إيراداتها ذاتياً لإحداث التطوير والتحديث المأمول لأن الموانئ قادرة على الانطلاق بإمكاناتها الذاتية.

موافقة مشروطة
من جهة أخرى يرى عضو المجلس الوطني د.عثمان أحمد فقراي في حديثه لـ(السوداني) أن اختيار الشركة الفلبينية أفضل من سواها لكونها سبق أن عملت بالميناء وتعرف مقدراته، مؤكدا أن وزير النقل السابق أطلعهم في البرلمان على العقد الذي سيُبرم مع الشركة التي سيقع عليها العطاء سيكون عقد للتشغيل وليس لها سلطة في الإدارة، وأضاف: حديث الوزير السابق مكاوي موثق ومدون في مضابط البرلمان، منوها إلى اشتراطهم حينها عدم تشريد أي عامل، وأضاف: الآن وقد فازت الشركة الفلبينية نتوقع لها النجاح.

ريب وشكوك
الصحفي بقناة الجزيرة أمير صديق يبدي في حديثه لـ(السوداني) توجسه من عدم إدارة الأمر بالشفافية المطلوبة، وأضاف: أعتقد أن الشركة ستفشل على ضوء الطريقة غير الشفافة التي تم بها توقيع العقد التي تشير بكل وضوح إلى أهداف مريبة سعى الطرف الحكومي لتحقيقها من هذا العقد، وليس المصلحة العامة التي يتوقعها أي مراقب؛ منوها إلى أن الشركات الأجنبية عموما لا تميل إلى الوفاء والالتزام الصارم بأداء ما عليها من حقوق، إذا لم تستشعر حرص الأطراف المحلية الرسمية على دفعها للالتزام بأداء هذه الحقوق.
عضو المجلس الاستشاري لتسهيل إجراءات الصادر والوارد بهيئة الموانئ البحرية محمود صديق العوض يصف في حديثه لـ(السوداني) الأمر بالكارثة ويبدي قلقه إزاء الطريقة غير الشفافة، ويقول إن مجتمع الميناء غائب عن هذه الاتفاقية ولم يتم أي نوع من التنوير وإن الحكومة المركزية لا تعرف طبيعة العمل في الموانئ البحرية. ويدلل محمود على ذلك بأن التشكيل الأخير لأعضاء مجلس الإدارة أتى بأشخاص لا علاقة لهم بالعمل المينائي وتم تغييب أطراف رئيسيين كالموردين والمصدرين وشركات الملاحة البحرية، مقترحا أن تبحث الحكومة عن منح امتياز للشركات الأجنبية في إقامة موانئ جديدة مثل الاستثمار القطري في سواكن بدلاً عن تسليم المحطة الوحيدة لهم.

تململ مجتمع الميناء
تململ مجتمع الميناء جراء الاتفاق المبهم، وتنادى عدد من العاملين لوقفة احتجاجية أمام مقر سلطة الميناء الأربعاء الماضي قبل أن تفضهم السلطات بعد استكتابهم تعهدات بعدم تنظيم أي أنشطة تعيق حركة العمل في الدورة المينائية، وأصدرت عدة اجسام أطلقت على نفسها (نقابات بديلة) و(إصلاحيون في الموانئ) بيانات مناوئة بعضها تحريضية لجهة أن هناك معلومات عن فشل تجربة ذات الشركة في ميناء الحاويات في الفترة من أكتوبر 2013م حتى أكتوبر 2017م لم تحقق الشركة فيها أو خلالها أي شيء لمحطة الحاويات بل خسر السودان ما لا يقل عن الأربعة ملايين دولار دفعها للشركة خلال الأربعة أعوام التي قضتها في بورتسودان.
ونشطت النقابة العامة لعمال الموانئ والنقل البحري على المستوى الديواني فقد تابعت النقابة العامة ومن خلفها النقابة الفرعية لعمال الموانئ البحرية مجريات الاتفاق بحذر وتوجس شديدين طيلة الفترة الفائتة في كل الدواوين الحكومية بالخرطوم وبورتسودان وحصلت أخيراً على نسخة من العقد بعد توقيعه.

صحيفة السوداني.

Exit mobile version