قبل نحو ثلاث سنوات سعت الحكومة لتوفير مواقع للبيع المخفض، وحددت مختلف محليات ولاية الخرطوم مواقع معفاة من الرسوم وبتسهيلات للتجار لمزاولة العمل شريطة بيع السلع للجمهور بأسعار تقل عن سعر السوق المرتفع، وهدفت ولاية الخرطوم من الخطوة للحد من متلازمة ارتفاع الأسعار المتواصل إلى حد فاق قدرة بسطاء المواطنين، وعلى صواب الفكرة ومنطقيتها لكن تطبيقها اعتورته عدد من السلبيات، ليس آخرها مخالفة بعض المواقع لشروط المحليات مما أدى لإغلاقها..
إغلاق 15 موقعًا
بنهاية الأسبوع المنصرم، أصدرت السلطات بولاية الخرطوم قرارًا باغلاق “15” موقعًا للبيع المخفض من جملة “73” موقعًا وأوضحت السلطات أن القرار جاء بعد استنفاد المهلة الممنوحة لأصحاب المواقع المخالفة من معتمد محلية الخرطوم والمحددة بيومين
وقالت السلطات المعنية إنه تأكد لها عدم التزام المراكز المغلقة بأسعار السلع المحددة للبيع المخفض وتجاوزتها للأسعار التركيزية المعتمدة من إدارة السلع بالمحلية مما يتنافى مع جدوى التشغيل وخدمتها للمواطنين. وكشف القرار غياب قوائم للأسعار في مداخل المنافذ وديباجات على السلعة تحدد السعر فضلًا عن مخالفة بعض المواقع لأغراض التشغيل في البيع المخفض وتغييره لغرض آخر. واستبان للسلطات عمل بعض المواقع كمطاعم ومقاهٍ مستفيدة من الإعفاءات والامتيازات الممنوحة لمواقع البيع المخفض إضافة إلى ضعف القدرة المالية لدى بعض أصحاب المواقع لإدارتها واستئجار البعض الآخر بالباطن لأشخاص لإدارتها بخلاف صاحب امتياز التخصيص الأول. وشددت المحلية على جميع مواقع البيع المخفض بالالتزام باشتراطات مزاولة العمل وفق الأغراض الحقيقية للمواقع الهادفة لتخفيف أعباء المعيشة عن كاهل المواطنين.
مطالبة بالحسم
نظرًا لتفشي تجاوزات التلاعب بتسعيرة السلع لم تنقطع الأصوات الداعية لردع المخالفين، وكان آخرهم إمام وخطيب مسجد النور د.عصام أحمد البشير، الذي طالب في إحدى خطب الجمعة بالشهر الماضي بتوقيع أشد العقوبات على كل من يثبت تورطه فى التلاعب بقوت المواطنين في القطاعين العام والخاص.
الثابت أن تباين أسعار السلع ظاهرة موجودة وساهم فيها تقاعس الجهات الرسمية عن الضبط وليس غريبًا أن تجد سلعة في متجر معين بسعر مختلف عن متجر مجاور بنفس السوق، وتستغل بعض المواقع والمتاجر عدم فعالية قانون حماية المستهلك.
تشديد الرقابة
وتدعو خبيرة الاقتصاد، د.إيناس إبراهيم، السلطات لمزيد من الرقابة على الأسواق عامة ومواقع البيع المخفض التي تتمتع بتسهيلات وإعفاءات لا تحصل عليها بقية المتاجر، وقالت لـ “الصيحة” إن حصول مواقع البيع المخفض على تلك الامتيازات دون الالتزام بهدفها الأساسي يجعل منها عديمة الجدوى مما يحتم إغلاقه. وأشارت إلى أن ولاية الخرطوم مدعوة أكثر لتطبيق قانون حماية المستهلك لأنها تمتلك القانون الولائي دون بقية الولاية قبل إجازة القانون القومي مؤخرًا.
تطبيق القانون
ويشدد رئيس جمعية حماية المستهلك، نصر الدين شلقامي، على ضرورة تطبيق قوانين حماية المستهلك ومنع الاحتكار وتفعيل قانون المنافسة التجارية وإلزام المصانع والمتاجر بوضع تسعيرة محددة لكل سلعة لتبصير المواطن بحقوقه وضمان عدم التلاعب في السلع الاستهلاكية. ودعا شلقامي الحكومة لاتخاذ خطوات جدية في هذا الأمر وتحديد المتلاعبين في قوت المواطنين، منوها إلى أن الجهات الرسمية بوزارة التجارة مدعوة أكثر لإعمال وسائلها الرقابية عل الأسواق للحد من جشع التجار وتلاعبهم بالتسعيرة.
مراجعات
ويدعو مختصون وخبراء اقتصاديون، الحكومة إلى مراجعة نظام الحكم المركزي، الذي أعطى الولايات صلاحيات واسعة في فرض رسوم على الإنتاج والمنتجين، ما جعل أسعار السلع المحلية ترتفع، في حين يتدخل الوسطاء والسماسرة مع زيادة التحويلات إلى الولايات من المركز، مشيرين إلى أن المشكلة الأساسية تتمثل في عدم المحاسبة، ما جعل الفساد يستشري في النفوس ويعم كل البلاد، لذلك فإن تفعيل قانون “من أين لك هذا” محوري لمعالجة هذه الإشكالية.
قصور بائن
ليس جديدًا أن يثار الحديث حول التلاعب في تسعيرة السلع، فذلك مما صحب كل حديث عن الضائقة المعيشية التي أمسكت بخناق المواطنين وجعلت من معاشهم عسرًا، وحتى الحكومة وبعض أجهزتها الرسمية القائمة على معاش الناس تقر بأن تلك الضائقة من أسبابها المتلاعبون بتسعيرة السلع والمضاربون فيها، مع توعدهم بالحسم والمحاربة لكن علي الأرض لم يحدث شئ من ذلك، فاستفحل الغلاء بالناس وتضاعفت الأسعار بعوامل بعضها ما يخضع لمنطق الاقتصاد والسوق وبعضها لا يمت للمنطق بصلة وليس له ما يبرره.
معالجة الأسعار
يقول التاجر عبد الباقي حسين، صاحب محل إجمالي بالكلاكلة إن بعض السلع تأتي للتجار من جهات محددة تمثل شبكة التجار وهي من تحدد السعر، ويري عبد الباقي أن مشكلة ارتفاع التسعيرة ترجع لتدوير السلعة بين عدد من الوسطاء وكل منهم يضع هامشًا ربحيًّا وحينما تصل للمواطن تزيد قيمتها قرابة النصف، مضيفًا، لا مخرج من الأزمات القائمة إلا بمراجعة سياسة التحرير الاقتصادي التي أدخلت السودان في أزمة حقيقية، ولم يبق للمواطن سوى القيام بثورة الجياع، التي لن تتوقف إلى أن تتحقق المطالب. المقدور عليها ولكن الحكومة تتهاون في تحقيقها.
صحيفة الصيحة.