منذ مدة طويلة، شغل موضوع الحب وتفسير هذا الشعور الخاص والضروري في حياة الإنسان اهتمام الخبراء في مجالات علمية مختلفة. بعض العلماء يرى أن من دون انتصار الحب على عقلانية الإنسان لن تكون الحياة مملة فقط، بل قد تصبح خطيرة.
منذ سنوات طويلة، يشغل موضوع الحب بال عديد من الباحثين في مجالات علمية مختلفة على غرار، علم النفس وعلم الاجتماع وعلم الأعصاب. وازداد الاهتمام بموضوع الحب بشكل كبير في ثمانينات القرن الماضي، أذ حقق البعض إجابات مختلفة عن ما هو الحب.
في البداية…فوضى الهرمون
كتب العالم الهندي كريشنا سيسهادري في مقال له بعنوان “The neuroendocrinology of love” أن الحب مزيج قديم من الموصلات العصبية والبيتيدات (جزيئات صغيرة)، وأضاف أن الحب يمر من مراحل مختلفة، إذ أن مناطق مختلفة من الدماغ تصبح نشيطة.
يبدأ الحب بعد انجذاب خاص بين شخصين. ويظهر ذلك من خلال روح الدعابة والضحك والرغبة في الحديث بينهما. وفي هذه المرحلة، يتم التركيز بشكل كبير على ما يقوم بها أحد الطرفين، كما أن مميزات كل طرف يتم تضخيمها في عيون الآخر، في حين تُتجاهل العيوب.
الوقوع في الحب…ضغط خالص!
وحسب علم الأحياء العصبية (علم يهتم بدراسة الحياة والكائنات الحية) لا يمكننا القيام بأي شيء أثناء الوقوع في الحب، إذ أن هناك حالة طوارئ مطلقة ومشابهة لحالة الضغط العصبي، لكن بالمعنى الإيجابي. ويوضح العالم الهندي أن زيادة معدل هرمون الكورتيزول (هرمون يفرز نتيجة الإجهاد) لدى العشاق مهم جداً في تكوين نوعية الرابط بينهما، والذي يتوقون إليه بشدة.
وبعد وقوع شخص ما في الحب، فإن شدة المشاعر لديه تكون مشابهة لتأثير المخدرات، وذلك لأنه في كلتا الحالتين يتم تفعيل نظام المكافأة في الدماغ، ونشعر بقلق أقل ويرتفع المزاج لدينا. فضلاً عن غياب أي أثر للاكتئاب. كما أن مشاعر الحب يرافقها غالباً رغبة جنسية كبيرة.
الأوكسيتوسين ضد نشوة الحب
تختلف أراء علماء النفس حول مدة بقاء حالة الحب، والتي ربما ستنتهي في يوم ما. وبالنسبة لأولئك الأشخاص، الذين لا يستسلمون للمشاعر السلبية ويكافحون من أجل الحفاظ على الحب، تستمر الحياة بهدوء وتكون مليئة بالحب. أما هرمون الأوكسيتوسين (يُطلق عليه أيضاً هرمون الحب) فإنه يُنهي نشوة الحب الجميلة والمجهدة في نفس الآن، كما أنه يضمن الهدوء. ويمكن كذلك، للمشاعر الرابطة بين العشاق أن تتعمق، إذ يدعم بعضهما البعض حتى في الأوقات السيئة.
هل الحب ضرورة؟
من وجهة نظر عالم النفس التطوري ديفيد بوس فالوظيفة الأساسية للحب، هي الربط بين شخصين يختاران الحياة المشتركة، بما في ذلك الالتزامات وإنجاب الأطفال، والتوافقات فيما بينهما بطريقة خاصة. وفي حال اختيار شخصين بعضهما البعض لأسباب عقلانية، هناك خطر أن يأتي شخص ما آخر أجمل و أقوى وأفضل، فينجذب إليه طرف ما .والحب هو الذي يحمينا في هذه الحالة من أن يهرب منا شريك الحياة.
وأشار ديفيد بوس في مقال له بعنوان ” The Evolution of Love in Humans” أن الحب ينتصر على العقلانية، إذ أن الحب غير المشروط أكثر من مجرد فكرة رومانسية، وأضاف أنه يحمي العائلة ويمنع الشركاء من البقاء في حالة تأهب دائمة والشعور بالقلق.
زيادة على ذلك، تعطي العلاقات الزوجية الاستقرار إلى العائلة، حيث إن جميع الموارد المتوفرة يتم استثمارها في عائلة واحدة فقط، من أجل ضمان بقائها وبقاء الأبناء. كما تصبح لممارسة الجنس معنى في هذا السياق، فأثناء النشوة الجنسية يتم إفراز هرمون الأوكسيتوسين، ما يؤدي إلى تعميق الاتصال بين الزوجين.
لا حياة من دون حب
ورغم مشاعر الحب الكبيرة يمكن للعلاقات الإنسانية أن تنهي وتصل إلى النهاية. وقال عالم النفس التطوري ديفيد بوس “فقدان الحب هو واحد من أسوأ التجارب، التي يمكن للشخص أن يمر بها”، وأردف :”هذا الألم النفسي لا يتجاوزه إلاّ الأحداث الرهيبة مثل موت طفل ما”.
وأوضح ديفيد بوس أنه يمكن للألم أن يتأتى من أن خسارة العلاقة لا تعني أن الحب قد اختفى فجأة، إذ يبقى الحب حتى لو لم يكن هناك أي سبب لذلك، وأردف أن الحب مسألة حياة أو موت، وربما هذا هو السبب في كوننا نعاني مراراً وتكراراً من الألم الذي يحمله الحب معه غالباً، بيد أننا نتحمله رغم ذلك.
dw