بعدما دخل الحراك الشعبي السوداني، المُطالب بسقوط النظام وتنحي الرئيس عمر البشير عن السلطة، أسبوعه الثالث، يحاول حزب المؤتمر الوطني الحاكم والأحزاب الحليفة معه، مجاراة الحراك الشعبي في أدواته التي يستخدمها، خصوصاً في الشارع، حتى باتت المعركة محصورة في خطب ودّ الشارع. وأعلن الحزب الحاكم، قبل أيام، عزمه بالتنسيق مع أحزاب حليفة له وشريكة في الحكومة، على تنظيم تجمع حاشد، اليوم الأربعاء، مؤيد للبشير، الذي سيخطب في الحشد، ومعه عدد من قيادات الأحزاب السياسية الموالية للحكومة. وليست هي المرة الأولى التي تُقدم فيها الحكومة على خطوة تشبه ما يقوم به الحراك الشعبي. ففي الأسبوع الماضي، وبعدما برز “تجمع المهنيين السودانيين” المعارض كدينامو يحرك الاحتجاجات الشعبية في العاصمة الخرطوم والولايات، والإضرابات عن العمل في قطاعات الطبابة والمحاماة والصحافة، جمعت الحكومة عمالاً في الخرطوم لتأييد البشير، مع تأكيدات من القيادات العمالية الحكومية بشرعية تنظيماتهم، وعدم اعترافهم بأي جسم آخر يتحدث ويتحرك باسم المهنيين. وحين اتفقت المعارضة على شعار “تسقط بس”، أي أنه لا خيار آخر غير سقوط النظام، صمم أنصار الحكومة شعاراً مقابلاً هو ” تقعد بس”، ويعني بقاء النظام كخيار وحيد. وبما أن المعارضة تستخدم وسائط التواصل الاجتماعي بشكل كثيف بما يعود عليها بمردود جيد تجلى في الاستجابة لدعوات الاحتجاج والتظاهر والإضراب، كثف أنصار الحكومة، بشكل لافت، نشاطهم على مواقع التواصل الاجتماعي، وشنوا هجمات على مواقع المعارضة لإظهار الاحتجاجات، حسب اعتقادهم، كأنها محاولة فاشلة وصورة من صور زعزعة الأمن والاستقرار والتخريب.
صمم أنصار الحكومة شعاراً مقابلاً للمعارضة هو “تقعد بس”، ويعني بقاء النظام كخيار وحيد
ومع اشتداد الضغط السياسي عبر الشارع، وتواصله في مدينة القضارف، شرق السودان، أمس الثلاثاء، للمطالبة بإسقاط النظام وتنحي البشير، وتكرار قمع الشرطة للمحتجين بقنابل الغاز المسيل للدموع، واعتقال عدد من النشطاء، بدأ الحزب الحاكم باللجوء إلى الشارع أيضاً لتسخيره لصالحه عبر حشد اليوم، الأربعاء. وكانت قيادة حزب المؤتمر الوطني تفكر بأن يزور البشير المدن التي انطلقت الاحتجاجات فيها، مثل عطبرة، التي زارها أمس لحضور تمرين عسكري من دون إلقاء خطابات مفتوحة. وقال وزير العمل ورئيس حزب العدالة والتحرير الشريك بالحكومة، بحر إدريس أبو قردة، إن “الهدف من حشد اليوم هو تعزيز الوحدة الوطنية، وخيارات الشعب وتجديد العهد والوفاء للقيادة”. وأوضح أن “الحشد يأتي ضمن برنامج استنفار شامل يعمل على حل الأزمة الاقتصادية عبر مكافحة الفساد وكسر حلقات الوسطاء والسماسرة في الأسواق، والعمل تحديداً لحل مشكلات الوقود والسيولة النقدية والخبز”. وبحسب معلومات “العربي الجديد”، فإن الحزب الحاكم بدأ تحركات واسعة منذ يومين، بهدف حشد نحو مليون من الأنصار لتكون الرسالة واضحة للرأي العام الداخلي والعالمي بأن الشعب يقف خلف البشير. لكن المخاوف تصاعدت خلال اليومين الماضيين من حدوث مواجهات مباشرة بين أنصار البشير والمطالبين بتنحيه، وخصوصاً أن “تجمع المهنيين السودانيين” المعارض دعا هو الآخر إلى مسيرة في مدينة أم درمان، تبدأ من موقف الشهداء باتجاه مقر البرلمان لتسليم مذكرة تعيد المطلب الوحيد لقوى المعارضة بتنحي البشير وحل الحكومة وتشكيل حكومة انتقالية.
وقد يخفف تباعد المسافة بين التجمعين المخاوف، إذ قرر حزب المؤتمر الوطني الحاكم وشركاؤه في الحكومة التجمع في الساحة الخضراء، جنوب الخرطوم، بينما أعلن “تجمع المهنيين” أنه سيتم التجمع في محطة الشهداء قبل الانطلاق إلى مقر البرلمان الواقع في مدينة أم درمان نفسها. لكن بروز دعوات، على مواقع التواصل الاجتماعي، لاختراق التجمع الذي دعت إليه الحكومة والهتاف بسقوط النظام بحضور البشير نفسه، زاد من حدة المخاوف. ورغم عدم تبني هذه الفكرة من أي جهة معارضة، حذر الحزب الحاكم على لسان نائب الأمين السياسي لـ”المؤتمر الوطني”، محمد المصطفي الضو، من تغلغل قوى المعارضة في حشد تأييد البشير. وقال، في تصريح صحافي، إن “من يحاول اختراق الحشد عليه تحمل المسؤولية، لأننا سنعتبرها محاولة استفزاز، خصوصاً أننا حصلنا على تصديق من السلطات، ومن يعترض طريقه يكون قد ارتكب خطأ كبيراً”. وأكد الضو أن “الحزب مصمم على المليونية لدعم البشير، وأن المكان قد لا يتسع لكل الحضور”.
من جانب آخر، فإن البعض يعتقد أن الحزب الحاكم والحكومة ورطا نفسيهما، سياسياً وأخلاقياً، من خلال السماح بتجمعات تأييد للحكومة وللبشير، بينما تُقابل الاحتجاجات المناوئة بقنابل الغاز المسيل للدموع والاعتقالات أو الرصاص الحي، وهو ما أشار إليه النائب مجدي شمس الدين، خلال وجود وزير الداخلية أحمد بلال عثمان، في البرلمان، أول من أمس، لمناقشة تعامل الشرطة مع المتظاهرين السلميين. وأعلن عثمان، رداً على ذلك، أن حق التظاهر السلمي مكفول بنص دستور جمهورية السودان، لكن ذلك الحق، وطبقاً لإفادته، مرتبط بالقانون، وعلى الجهات التي تريد تنظيم تجمعات أن تتقدم بطلب للشرطة للموافقة عليه. وأكد أن وزارته لن تتردد في الموافقة على التجمع إذا كان الحزب أو الجهة المتقدمة بذلك مسجلة ومعترف بها بموجب القانون، مشيراً إلى أن أحزاب الحكومة خطت كل تلك الخطوات القانونية لقيام حشدها.
برزت دعوات، على مواقع التواصل الاجتماعي، لاختراق التجمع الذي دعت إليه الحكومة والهتاف بسقوط النظام
ويبدو أن تلك المبررات لم تقنع حتى حزب المؤتمر الشعبي (حزب الراحل حسن الترابي)، الشريك الرئيس في الحكومة، والذي انتقد على لسان القيادي في الحزب، إدريس الكناني، السماح لأنصار الحزب الحاكم بالتجمع ومنع الآخرين، مؤكداً حق المعارضين في التظاهر، وخصوصاً أنه يجب محاورتهم وعدم منعهم من التعبير عن أنفسهم وكبت حريتهم أو قتلهم. وطالب بالسماح للمحتجين بإيصال مذكرتهم للقصر الرئاسي، قبل أن يقترح فكرة إلغاء التجمع المؤيد للبشير، مؤكداً أن حزبه لن يشارك فيه. ولم تقف الدعوات المناهضة لحشد التأييد عند حدود الأحزاب السياسية، إذ أصدر الداعية الإسلامي يوسف الكودة، بياناً نشر على مواقع التواصل الاجتماعي، قال فيه إن “الخروج في مسيرة النظام أو حتى المشاركة في حشده هي مشاركة لدعم الباطل وتقوية ظالم على مظلومين وتعاون على الإثم”، معتبراً أن الحشد الحكومي مدعوم من المال العام. وحذر “كل السودانيين من الخروج في هذه المسيرة، حتى لا نأثم بمشاركتنا لهم في باطلهم وتقويتهم على هذا الشعب المظلوم”.
بيد أن الصحافي عبد الماجد عبد الحميد، استبعد، في تصريح لـ”العربي الجديد”، حدوث مواجهات بين أنصار الحكومة والمعارضة، مشيراً إلى أن الحزب الحاكم “حريص كل الحرص على تجنب أي مواجهة أو تشويش يسرق الأضواء عن حشده الذي يريده كرسالة سياسية قوية بعد الحديث عن تضعضع جماهيريته”. وأوضح أن “الحزب غيّر مكان التجمع من حدائق القصر الجمهوري إلى الساحة الخضراء حتى لا تحدث مواجهة وتشويش”، مشيراً إلى أن “الأمر سيكون أكثر إحراجاً إن حدث بالقرب من القصر الرئاسي”. لكن على المدى البعيد، رأى عبد الحميد أن “حشد التأييد سيقود إلى توتر واسع، لأن المعارضة ستلجأ هي الأخرى لتأكيد وجودها على الأرض بتنظيم حشود مماثلة، ما يزيد من حدة الاستقطاب في الشارع السوداني، ما سيدخل البلد في نفق مظلم”. وعن عدم السماح للاحتجاجات المناوئة للسلطة بالتعبير عن نفسها، كما تعبر أحزاب الحكومة، قال عبد الحميد إن “تحركات المعارضة غير سلمية، وتطالب بإسقاط النظام، لذا لا يمكن للحكومة السماح بها، وأي تعامل غير أمني سيُفهم على أنه تنازل، وهو ما لا تريده الحكومة”.
العربي الجديد