إنَّ الحمدَ للهِ نَحْمَدُهُ ونستعينُهُ ونَستَهْدِيهِ ونَشْكُرُهُ ونستغفِرُهُ ونتوبُ إليهِ، ونعوذُ باللهِ مِنْ شرورِ أنفسِنا ومِنْ سَيِّئاتِ أعمالِنا، مَنْ يهدِ اللهُ فلا مُضِلَّ لهُ ومنْ يُضْلِلْ فلا هاديَ لَهُ، وأشهدُ أنْ لا إلهَ إلا اللهُ وحدَهُ لا شَرِيكَ لَه، ولا شبيه له ولا مَثِيلَ ولا ضِدَّ ولا ند له. وأشهدُ أنّ سيّدَنا وحبيبَنا وعظيمَنا وقائدَنا وقُرَّةَ أعيُنِنا محمّدًا عبدُهُ ورسولُهُ وصفيُّهُ وحبيبُه، مَنْ بَعَثَهُ اللهُ رحمةً للعالمينَ هادِيًا وَمُبَشِّرًا ونَذِيرًا فَصَلَّى اللهُ على سيدِنا محمّدٍ وعلى كلِّ رسولٍ أَرْسَلَه.
أما بعدُ عبادَ اللهِ فإنَ اللهُ تعالى يقول في محكم تنزيله ﴿وَلَا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ﴾ وفيهِ بَيانُ عَظيمِ جُرْمِ قَتْلِ النَّفسِ التِي حَرَّمَ اللهُ إِلا بِالحقِّ الذِي بَيَّنُه الشرعُ فَقَتْلُ النَّفسِ التِي حرّمَ اللهُ إلا بالحقِّ هو أكبرُ الذنوبِ بعدَ الإِشْراكِ باللهِ وقَدْ شبَّهَ رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم ذَنْبَ قَتْلِ المسلمِ بِغَيْرِ حَقٍّ بِالكفرِ فقالَ سِبَابُ المُسْلِمِ فُسُوقٌ وَقِتَالُهُ كُفْرٌ .
إنَّ حُرْمَةَ المسلمِ عندَ اللهِ يا إخوةَ الإيمانِ عَظِيمَةٌ عظيمةٌ عظيمةٌ. اسمَعوا معي قولَ رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم حيثُ سَأَلَ الصّحابةَ في حَجَّةِ الوَدَاعِ يَوْمَ النَّحْرِ أَلا أَيُّ شَهْرٍ تَعْلَمُونَهُ أَشَدَّ حُرْمَةً قالُوا أَلا شَهْرُنا هذَا، قالَ أَلا أَيُّ بَلَدٍ تَعلمونَه أَعْظَمَ حُرْمَةً، قالُوا أَلا بَلَدُنا هذَا، قالَ أَلا أيُّ يومٍ تعلمونَه أَعْظَمَ حُرْمَةً، قالُوا ألا يَومُنا هذَا، قالَ عليهِ الصلاةُ والسلامُ فَإِنَّ اللهَ تباركَ وتعالَى قَدْ حَرَّمَ عليكُمْ دِماءَكُمْ وَأَمْوَالَكُمْ وَأَعْراضَكُمْ إِلا بِحَقِّها كَحُرْمَةِ يَومِكُمْ هذَا في بَلَدِكُمْ هذَا في شَهْرِكُمْ هذَا .
عباد الله :
كلُّ المُسْلِمِ علَى المُسْلِمِ حَرَامٌ دَمُهُ ومَالُهُ وعِرْضُه ، هكذا يقولُ رسولُ اللهِ فمَا بَالُ بَعْضِ النَّاسِ اليَوْم .. يقتُلُ أَحدُهُمُ المسلمَ وكأنَّهُ أمرٌ عادي وشيء لا غبار عليه ؟ وقد قالَ رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم فيمَا رواهُ مُسْلِمٌ لزوالُ الدنيا أَهْوَنُ عندَ اللهِ مِنْ قَتْلِ رَجُلٍ مُسْلِم ، واللهُ تعالى يَقُولُ ﴿وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا 93﴾
إنَّ مِنْ علاماتِ يومِ القيامةِ إخوةَ الإيمانِ كَثْرَةَ الْهَرْجِ فَقَدْ روى البخاريُّ في صحيحِه عن أبِي هريرةَ رضي الله عنه أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم قالَ لا تَقُومُ السَّاعَةُ حتَّى يُقْبَضَ العِلْمُ وتَكْثُرَ الزَّلازِلُ ويَتَقارَبَ الزَّمانُ وتَكْثُرَ الفِتَنُ ويَكْثُرَ الهَرْجُ وَهُوَ القَتْلُ ، ونَحنُ في زمانٍ تُراقُ فيهِ دِماءُ المسلمينَ دون وازع من ضمير فَحَسْبُنا اللهُ ونِعْمَ الوَكيل ..
كتب رجلٌ إلى عبد الله بن عمر رضي الله عنهما «أن اكتب لي بالعلم كله» ، فكتب إليه رضي الله عنه : «إن العلم كثير ، ولكن إن استطعت أن تلقى الله يوم القيامة خفيف الظهر من دماء المسلمين ، خميص البطن من أموالهم، كافَّ اللسان عن أعراضهم ، لازمًا لجماعتهم فافعل» ؛ فبيَّن رضوان الله عليه أن هذه الأمور الثلاثة : رعاية حرمة الدماء ، وحرمة الأعراض ، وحرمة الأموال تُعَدُّ فقهًا عظيماً من وُفِّق له فقد أدرك خيرًا عظيماً، فعلينا أن نُعنى بهذا الأمر العظيم وأن نرعاه حق الرعاية، وأن نحذر أن نلقى الله جل وعلا يوم القيامة وقد تلوثنا بشيء مما يتعلق بحرمة الدماء أو حرمة الأعراض أو حرمة الأموال ؛ فإن الأمر ليس بالهيِّن .
يا أخِي المسلم .. يا أيُّها العاقِلُ احْذَرْ مِمّا نَهاكَ اللهُ عنهُ مِنَ الْمَنْهِيَّاتِ وَاخْشَ عاقِبَتَها وعذابَها فإنَّ العاقلَ مَنِ امْتَثَلَ أَمْرَ رَبِّهِ وانْتَهى بِنَهْيِهِ وإِيَّاكَ وَدَمَ المسلمِ وعِرْضَهُ ومَالَهُ واتبعْ مَا جاءَ في الآيةِ التِي ذُكِرَتْ لَك ﴿ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ 151﴾[3] فإِنَّ اللهَ لَمْ يَذْكُرْهُ في كِتابِه إِلا لِعِظَمِ شَأْنِهِ ومَنْ وَاقَعَ ما نَهَى اللهُ عنهُ فَلْيَعْلَمْ أَنَّهُ مَيِّتٌ وأنَّهُ مُفْضٍ بعدَ ذلكَ إلَى مَا قَدَّمَ. وَفَّقَنا اللهُ لِمَا يُحِبُّهُ ويَرْضَاهُ وعَصَمَنَا مِمّا يُوجِبُ هَلاكَنا. هذا وأستغفرُ اللهَ لي ولكم وأقم الصلاة.
الجريدة