مع (الأحداث المؤسفة) و(الاستقلال)

منهج السلف أسلم وأعلم وأحكم..
إن طاعة الحاكم في طاعة الله وعدم الخروج عليه هو أصل من أصول أهل السنة والجماعة وأتباع السلف الصالح الذين يسيرون على ضوء النصوص الشرعية في هذه القضية وفي غيرها من القضايا، وليس الأمر يخضع للرغبات النفسية أو المصالح الشخصية أو الانتقام أو الكيد أو الانفعالات العاطفية أو المقاصد الحزبية، أو غير ذلك، وإن حرص السلف على جمع كلمة المسلمين على حكامهم – وإن جاروا وظلموا واستأثروا – ليس هو رضى منهم بالظلم والفسوق والأثرة، ولا إقراراً لهم بذلك؛ بل امتثالاً لأمر الله وأمر رسوله بلزوم الطاعة والصبر سواء في المنشط أو المَكْره، ونبذ الفُرقة والخروج، وهذا أصل عظيم من أصول السنة، ومن مسلّمات الدِّين، ويدرأ بذلك مفاسد كبرى معلومة من الدين بالضرورة، وما حدث في تاريخ هذه الأمة – في القديم والحديث – من المفاسد المترتبة على إهمال هذا الأمر لا يخفى على الكثيرين .

وإن الأئمة وأهل العلم قد بينوا بوضوح وجلاء على مر العصور الموقف الشرعي في هذه القضية بما يحفظ للناس دماءهم وأموالهم وأعراضهم، فكم من مصالح توقعها كثير من الناس غدت مفاسد ومحناً وبلايا تقضي على الأخضر واليابس، وليس بعد الإسلام نعمة أعظم من نعمة الأمن إذ به تحفظ الأنفس والأموال والأعراض والمقدسات، وفي مواقف الأئمة عبر، وموقف الإمام أحمد بن حنبل مع المأمون مشهور غير مجهول، إذ كان يوصي بالصبر حتى يستريح بر أو يستراح من فاجر، وكان يردد: الله الله في الدماء، ذكر الإمام أبو بكر الخلال في كتابه السنة عن أبي الحارث أنه حدثهم وقال: سألت أبا عبد الله في أمر كان حدث ببغداد وهمّ قوم بالخروج فقلت: يا أبا عبد الله ما تقول في الخروج مع هؤلاء القوم؟ فأنكر ذلك عليهم وجعل يقول سبحان الله الدماء، الدماء، لا أرى ذلك ولا آمر به، الصبر على ما نحن فيه خير من الفتنة يسفك فيها الدماء ويستباح فيها الأموال وينتهك فيها المحارم) وذكر أن ذلك خلاف الآثار التي جاء فيها الأمر والحث على الصبر على جور وظلم واستئثار الحكام.
وفي المقابل فإن أهل السنة لا يزالون ينصحون الحكام بالاستقامة والعدل والقيام بحقوق الرعية وما يجب عليهم، ويذكرونهم بالبعد عن الظلم والفساد بشتى أشكالهما وصورهما وأداء الأمانة كما يجب، ويحذرونهم بمثل هذه النصوص :
قال النَّبِي صلى الله عليه وسلم : ” مَا مِنْ عَبْد يَسْتَرْعِيهِ اللهُ رَعية، يَمُوتُ يَوْمَ يَمُوتُ وَهُوَ غَاش لِرَعيتِه؛ إِلَّا حرمَ اللهُ عَلَيهِ الجَنَّة” رواه مسلم.

الاعتداء على شعيرة الجمعة
قلب صلاة الجمعة وبيوت الله تعالى إلى ساحات احتجاجات وقطع حديث الخطيب ومطالبته بالنزول أثناء الخطبة ورفع الأصوات والقيام والجلوس والدخول والخروج بسبب تحذير الخطيب من المظاهرات كالذي حدث في أحد المساجد في الأسبوع الماضي – وبغض النظر عن أسلوب الخطيب هل أخطأ فيه أم أصاب – فإن هذا العمل بحسب المقطع المرفق هو سلوك مخالف للشرع وفيه انتهاك لحرمات المساجد واعتداء على شعيرة الجمعة التي اعتبر الشرع مس الحصى فيها لغواً ، وهو تصرف غريب على المجتمع السوداني الذي تعود أهله على تعدد الاتجاهات والانتماءات في الأسرة والبيت الواحد، ولا يوجد ما يبرر لهذا الصنيع المحدث وعلى من سمع حديثاً لم يعجبه فليصبر وله مناقشة الخطيب بعد الجمعة فليس من العقل أن تطالب بحقوق لك وتعتدي وتفسد بسبب تلك المطالبة حقوقاً أخرى يجتمع فيها حق الخالق والمخلوق !!
وفي (المحن) (منح)
من خلال المحن التي تمر بها البلاد في هذه الأيام اتضح لكثيرين بعض ما لم يكن متضحاً لهم من قبل، وفي ذلك بعض المنح وهي دروس من هذه الأحداث ومن ذلك :

إدراك كثير من الناس أن منهج السلف فيه العلم والحلم والحكمة والسلامة.
وإدراكهم – عملياً – أن السلفيين هم أرحم الناس بالخلق وقد تجلى ذلك في حرصهم على دماء الناس وأعراضهم وأموالهم ورفضهم للفوضى والهرج والمرج واختلاط الحابل بالنابل.
وأن السلفيين أهل أتباع وتعظيم للنصوص الشرعية مع فقهها وإدراك مقاصدها المرعية. ومن المنح المستفادة أن في الفتن الامتحان والاختبار والابتلاء والتمحيص وأن صاحب العلم يمنعه بعد توفيق الله تعالى علمه من ركوب الموجة والسير خلف العواطف التي تكون نهايتها العواصف. ولذا سمي العلم في القرآن الكريم (بصيرة).

ومن المنح التي خرج بها كثيرون من هذه المحنة أن بعض الخطباء وبعض الأساتذة في بعض الجامعات في بلادنا – والذين مارسوا دور فرقة (القعدية) في تزيين المظاهرات والفوضى والتشجيع عليها – من أسوأ الناس خلقاً وأشدهم طيشاً وأقلهم علماً وأبعدهم عن الوفاء ولا حاجة لضرب المثال
الاستقلال الحقيقي
في إفراد الله العزيز الحميد رب العبيد بالتوحيد..
وفي تجريد الاتباع لخاتم الأنبياء والمرسلين الذي أرسله الله تعالى رحمة للعالمين.. وفي البراءة من كل ملة أو نحلة أو دين ناقض أو خالف دين رب العالمين ..
الاستقلال الحقيقي في الانعتاق من اتباع الأهواء وشهوات النفس الأمارة بالسوء وتزيين الشياطين للباطل والانعتاق من الانغماس في الحزبيات البغيضة والجهويات الفتاكة والنعرات العصبية الظالمة الآثمة المفرقة..

د. عارف الركابي
صحيفة الإنتباهة

Exit mobile version