عشرة أيام تقريباً مضت على الاحتجاجات التي قام بها المواطنون بسبب الغلاء وانعدام الخبز والوقود، خرجت المسيرات الجماهيرية من مدينة عطبرة، كأول مدينة تخرج في هذه التظاهرات، ومن ثم لحقت بها القضارف، ثم بقية مدن السودان المختلفة، المظاهرات كانت ترفع شعار الغلاء، وتعاملت معها السُلطات بصورة حضارية، رغم أن بدايتها قامت بحرق ممتلكات الدولة ودور حزب المؤتمر الوطني إضافة إلى حرق ممتلكات الشعب، وظلت عمليات الكر والفر بين الطرفين مستمرة، الأجهزة الأمنية والمتظاهرين، ففي المؤتمر الصحفي الذي عقده وزير الإعلام والاتصالات، الناطق الرسمي باسم الحكومة، قال إن عدد المتوفين في الأحداث بلغ تسعة عشر شخصاً من بينهم اثنان من أفراد الشرطة والآخرون من المواطنين، إضافة إلى عدد كبير من المصابين، إن الاحتجاجات التي خرجت لم تجد الإدانة من السُلطات المختصة، فقال الفريق أول أمن “صلاح عبد الله قوش”: إنها مشروعة ومن حق المواطنين الاحتجاج بشرط ألا يعملوا على تخريب ممتلكات الدولة أو المواطنين، ولم يكن حديث الفريق “صلاح” هو الوحيد الذي اعترف بالتظاهر في ظل الظروف الاقتصادية القاسية التي يعاني منها المواطنون، ولكن ما الذي فعلته الحكومة لتهدئة الأوضاع وعودة الحياة إلى طبيعتها، لقد ظلت الحكومة في حالة صمت فلم يخرج أحد من المسؤولين ليوضح للناس ما هو الحل، عدا حديث لوزير المالية الذي أكد أن الأزمة ستنفرج بعد أسبوعين تقريباً، وأكدها أيضا وزير الإعلام، ولكن هل الشارع سينتظر تلك الفترة؟ خاصة وأن الأفق لم تلوح خلاله بوادر للحل الشامل للأزمة أن كان على مستوى الخبز أو الوقود أو النقود..
والنقود تعد من أصعب الأزمات التي واجهت الحكومة والمودعين، فعجزت البنوك من الإيفاء بالتزاماتها بتوفير النقود للمواطنين الذين أودعوا أموالهم بحُر إرادتهم للحصول عليها حال احتياجهم لها، ولكن للأسف عجزت البنوك وعجز المواطن في ذلك، الأزمة حتى الآن لا أحد يعرف إلى أين تتجه وهل حقاً هي فعلاً أزمة خدمات أم أن هناك هدفاً آخر يطالب المتظاهرون به؟ فإن كانت الأزمة أزمة خدمات فهناك انفراج نسبي في الخبز والبنزين عدا الجازولين الذي يتطلب من الحكومة سد الفجوة فيه عبر الاستيراد، فهذه المطالب التي رفعها المتظاهرون في البداية أو التي خرجوا من أجلها، ولكن هناك أطراف أخرى ترى أن المطلب ليس الخبز ولا الجازولين، وإنما تريد أن يتغير النظام، ولكن هذا الحديث لم تفصح عنه المجموعات المتظاهرة بصورة واضحة، ولكن تزايد الاحتجاجات رغم توفر الخدمات ولو بنسبة قليلة يدل على ذلك، ولكن الحكومة ظلت في حالة صمت ولم تشف غليل المواطنين ولم توضح رؤيتها في حل الأزمة المتصاعدة، إن صمت الحكومة يجعل الاحتجاجات ستستمر، رغم أن الدكتور “نافع علي نافع” مساعد رئيس الجمهورية السابق، قال للمتظاهرين: (إن الرسالة وصلت).. أي أن خروجهم وتظاهرهم أعلم الحكومة بمطالبهم الشرعية والممثلة في ندرة المواد الضرورية، ولكن رغم حديث الدكتور “نافع” وحديث وزير الإعلام وحديث رئيس الوزراء، وزير المالية، بأن الحل يتطلب وقتاً لا يتجاوز بدايات يناير القادم، إلا أن المواطنين يريدون حلا عاجلا وإلا فلترحل حكومة “معتز”، طالما عجزت عن وضع الحلول المناسبة للأزمة الاقتصادية، وأدت إلى زيادة في سعر العُملات الصعبة خاصة الدولار، الذي بلغ رقماً لم يبلغه حتى في بداية تولي الإنقاذ السُلطة، ووصل سعر الدولار وقتها العشرة جنيهات، على الحكومة أن تعالج الأمر، وأن تخرج إلى المواطنين وتطلعهم بالذي يجري الآن، بدلاً من هذا الصمت.
صلاح حبيب – لنا رأي
صحيفة المجهر السياسي