عاملها بلطف ظاهر.. كيف يكسب الرجال المتحيزون قلوب النساء؟

تتحسس أغلب النساء من أي لفظ جنسي متحيز، ويدرك أغلبهن علاقة التحيّز بالعدوانية، ولكن هل من الممكن أن تنجذب المرأة إلى رجل متحيز جنسيا؟ وما موقف النسويات من فئة الرجال المتحيزين جنسيا؟

كان من المفاجئ أن تنشر الجمعية الأميركية لعلم النفس دراسة تقر بذلك، فالنساء يرين الرجل المتحيز جنسيا جذابا ومثيرا، وأن العلاقة بين الاثنين “علاقة منزوعة الأسلحة”، على وعد أن يستخدم الرجل قوته لصالح المرأة، ويوفر لها تأمينا عالي المستوى، ليترتب على ذلك ميل المرأة وانجذابها لهذا الرجل، في ادعاء ملتبس بالمساواة بينهما.

النسويات يقعن في الفخ أيضا
وكشف باحثا علم النفس الاجتماعي في جامعتي أيوا وأمستردام، بيلن جول وتوم كوبفر -في دراسة لهما- عن مفارقة حقيقية، فالنساء يفضلن الرجل المتحيز جنسيا -الذي يتصرف على أساس تمييز الرجل عن المرأة- ولكن بشكل مثير وبكلمات لطيفة ومساعدات غير واضحة النوايا.

ففي الدراسة المنشورة مؤخرا، تم اختبار أكثر من سبعمئة امرأة تتراوح أعمارهن بين 18 و73 عاما، من أجل الحكم على سلوكيات وألفاظ رجال يصفها الباحثون بأنها متحيزة جنسيا، بينما كان تقييم النساء للرجل الذي حاول كسب رضاهن بالمساعدة والتعبير عن رهافتهن وحاجتهن للعون، أنه “رجل جذاب جنسيا” وأن احتمال تقديمه الحماية والأمان والالتزام أعلى من غيره.
العلاقة بين النساء والرجال المتحيزين جنسيا منزوعة الأسلحة (بيكسباي)

كرر الباحثان خطوات البحث على مجموعة من النسويات اللواتي يرفضن تحديد النوع الاجتماعي للأدوار في المجتمع، كدور المرأة في تحمل مسؤولية الأطفال وتربيتهم؛ لكن آراؤهن عند الاختبار كانت مثل الأخريات، إذ وجدن هذا الصنف من الرجال جذابا جنسيا رغم المخاطر المحتملة.

كيف للخداع أن يكون سهلا هكذا؟
عادة ما تفشل النساء في إدراك أن التعبيرات الجنسية اللطيفة والمعادية تكونان على نفس المستوى من الضرر، ففي الحقيقة هناك فرق كبير بين قول رجل: “إن النساء لا يمكنهن العمل في إدارة الأعمال والحسابات والبورصة”، وقول آخر: “إن المرأة تمتلك حساسية عالية تجاه الجمال والطبيعة؛ لذا فإن عليها أخذ فرصتها في هذا المجال”.

ولكن أليس عقل المرأة قادرا على إدراك التحيز الجنسي؟ وهل يمكن أن تظل هذه السلوكيات المتحيزة جذابة، لأنها تشير إلى استعداد محتمل للجنس والإنجاب وفق النظرية التطورية؟

أرجح الاحتمالات هو أن النساء ينجذبن إلى الرجال المتحيزين جنسيا دون إدراك أن معتقدات هؤلاء الرجال غالبا ما تتماشى مع المواقف المعادية للجنس، أو أن المرأة تتقبل ببساطة -دون قصد منها- درجة معينة من العداء المتخفي، ما دام الرجل يعاملها بلطف ظاهر وما دام يبدو رافضا لأساليب التحيز الجنسي المعادي والعدواني.

ربما تكمن إجابة أخرى فيما يسميه علماء البيولوجيا التطورية بنظرية الاستثمار الأبوي. فإذا كان دور الرجل في التكاثر هو بعض الحيوانات المنوية، فإن المرأة -مع الحمل والرضاعة- تحتاج إلى رفيق قادر على حمايتها من المعتدين ومساعدتها وتوفير الطعام لها، مما يجعلها في حاضرنا تقيم الرجال من حولها على أساس لياقتهم البدنية وكسبهم للمال؛ فيكون حمل الحقائب عنها أو التحدث بدلا منها علامات مثيرة لرغبتها في الاستثمار المستقبلي.
التحيز الجنسي المحابي أقل سلبية في مظهره لكنه يقيم المرأة بشكل نمطي بناء على نوعها (بيكسباي)

الذئب العدواني والذئب المتخفي
يمكن ببساطة لمس الفرق بين نوعي التحيز الجنسي؛ فالتحيز الجنسي العدائي هو كراهية واضحة للمرأة وغالبا ما يظهر في شكل سلوك مهين أو مسيطر، في محاولة من الرجل للحفاظ على سلطته في المواقف اليومية.

أما التحيز الجنسي المحابي فهو أقل سلبية في مظهره ويبدو حميميا ومجاملا، لكنه يقيم المرأة بشكل نمطي بناء على نوعها. وعادة فإن الرجال الذين يظهر على سلوكياتهم هذا النوع من التحيز “الحسن النية”، يرون المرأة كائنا مغريا ودافئا ولكنه عاجز وأقل كفاءة وبحاجة دائمة إلى رجل يحميها.

تم تفسير مفهوم التحيز الجنسي المحابي أول مرة عام 1996 على أنه تحيز جنسي ليس عدائيا أو علنيا دائما، ومنذ ذلك الحين انشغل علماء النفس الاجتماعي بتوثيق الآثار الضارة لهذا النوع الذي يفتح فيه الرجال أبواب السيارات للنساء ويدفعون عنهن فاتورة الطعام.

ووفقا لدراساتهم، اتضح أن النساء اللواتي يقبلن هذا السلوك يملن للاعتماد بشكل متزايد على الرجال للحصول على المساعدة، كما أنهن يسمحن للرجال بإخبارهن بما يمكنهن فعله في حياتهن وما لا يمكنهن؛ فيقل طموحهن ويهملن العمل ويقل تقديرهن لأنفسهن.

كيف يمكن للمجاملة أن تؤذي؟
وخلصت الدراسة إلى أننا ما دمنا لم نفهم التحيز الجنسي بنوعيه، فإن الطبيعة المخادعة للتحيز المحبب ستظل واحدة من القوى الدافعة نحو عدم المساواة بين الجنسين، وهذه الإيماءات التي نفترض فيها حسن النية قد تغري النساء بقبول الوضع الراهن في المجتمع حين يكون التحيز الجنسي جذابا ولطيفا ومثيرا وغير ضار.

ووصفت الدراسة هذا النوع بأنه “كالذئب في ملابس الأغنام”، فالأبحاث تشير إلى أن المعتقدات والسلوكيات القائمة على أساس النوع الاجتماعي قد تعيق المرأة عن أداء دورها في العمل، وتضعها بعيدة عن المهام الصعبة، أو تحملها اللوم عندما تقع ضحية لحادث اغتصاب لأنها الطرف المثير الجميل.

الآن هل يجب على الرجل القلق بشأن تصرفاته، أو أن تشكك المرأة في كل رجل يتقدم نحوها؟

هذا يعتمد على السياق؛ فمن الصعب رؤية تحيز في مساعدة امرأة على نقل أثاث ثقيل أو دفع سيارة معطلة، ولكن ربما يتضح الفرق بعد التفكير في عبارات مثل: “كل امرأة هي أخت، أو أم، أو زوجة لأحدنا؛ لذا يجب مراعاتهن”، أو”النساء يبدعن أكثر في مهن كالتدريس، والسكرتارية، وأمانة المكتبات”، أو “النساء يقدمن دورا أفضل في الاهتمام بالأطفال وإدارة المنزل”، فربما قبل إطلاق الأحكام علينا السؤال: هل هذا الحكم حقيقي؟

المصدر : الجزيرة

Exit mobile version