يودع وزير المالية صباح اليوم الثلاثاء موازنة العام 2019 منضدة مجلس الوزاراء تمهيداً لإجازتها من البرلمان. وتأتي موازنة العام القادم وفق ما أعلن وزير المالية والتخطيط الاقتصادي، رئيس مجلس الوزراء القومي معتز موسى، إنها تستهدف معالجة ندرة النقود عبر سلة مختلفة من الترتيبات والإجراءات المتعلقة بزيادة الإيرادات وتقليل النفقات غير الضرورية مع الإبقاء على النفقات الضرورية والإبقاء على الدعم الحكومي للسلع والخدمات مع أهمية حسن إدارة الدعم وإحكام توجيهه لمستحقيه، لجهة أن رفع الدعم حالياً يؤثر على مداخيل الناس ومدخراتهم وقدرتهم على الحياة الكريمة، ما يتطلب إعمال سياسات متاحة وممكنة تمهد الطريق لاقتصاد مستقر في مجال سعر الصرف سواء كان مرتفعاً أو منخفضاً، وأن يكون شفافاً وواضحًا سعياً لخفض التضخم.
والشاهد أن موجهات موازنة العام المقبل جاءت مسبوقة بقراءة لأوضاع الاقتصاد الكلي للبلاد مقرونة بدعوات لمراجعة الإعفاءات الجمركية التي تعد من بين أهم موجهات الموازنة.
وتعاني البلاد منذ مطلع العام الحالي من أزمات عديدة أبرزها تهاوي سعر الجنيه أمام العملات الأجنبية وارتفاع التضخم لمستويات قياسية وتصاعد الأسعار بالأسواق وتفاقم الأزمات المعيشية سبب شح السيولة وعودة صفوف الوقود والخبز المتكررة التي كانت أهم سمات العام الحالي.
موازنة جديدة
ويرى الخبير الاقتصادي وعضو البرلمان دكتور بابكر محمد توم لـ(الصيحة) أن أهم ما جاء في موازنة العام القادم أنها جاءت بنوع جديد من الموازنات وبديل للنظام القديم القائم على موازنة البنود، وأضاف أن موازنة 2019م موازنة برامج وأداء ومشروعات ذات أولوية وفق الخطة العامة للدولة تحقق أهدافاً معينة متمثلة في الطرق لزيادة الانتاج والإنتاجية وزيادة الصادر والتركيز على الكهرباء لتطوير قطاع الصناعة، مشيراً إلى أن الموجهات العامة للموازنة الصرف وفق برامج، وبالتالي زيادة الحجم الكلي للاقتصاد والناتج القومي ودخل الفرد، لافتاً إلى أن تحقيق ذلك من خلال مشروعات ذات أولوية مقدور على تنفيذها خلال فترة معينة، وقال: دائمًا ما يتم إيداع الموازنة قبل شهر أو شهرين من نهاية العام المالي، بيد أن المدة الزمنية خصصت للموازنة الحالية مكنت من إدخال نوع جديد من الموازنات أدى إلى أخذ زمن للتدريب عليه في الشرح والتدريب خصماً على فترة المداولة في البرلمان، معتبراً ذلك بالإيجاب، حيث مكنت الولاة والتنفيذيون من القدرة على استيعابها، مؤكداً وجود تحديات ماثلة أمام موازنة العام القادم متمثلة في زيادة الموارد زيادة مقدرة دون زيادة الضرائب، وتوجيه الموارد نحو البرامج التي تحقق الأهداف خاصة التنمية، حيث هنالك تركيز عليها في الفترة الحالية، داعياً الى ضرورة أن تتضمن الموازنة تخطيطاً لإكمال المشروعات المهمة.
سلبيات وأضرار
والثابت أن موازنة العام الحالي 2018م حملت في طياتها كثيراً من السلبيات منذ بداياتها والتي تمثلت في رفع الدولار الجمركي من (6) جنيهات إلى (18) جنيهاً، وزيادة كهرباء الصناعات إلى (10) أضعاف وغيرها، بجانب الكثير من الاختلالات التي قادت تلقائياً إلى ارتفاع الأسعار بشكل جنوني، وإلى الإضرار بالصناعة والزراعة وبالإنتاج عموماً في البلاد، مما جعل العديد من خبراء الاقتصاد يصفونها بالفاشلة، مشيرين إلى أن موازنة العام القادم لن تحمل الجديد بالرغم من توجيهات رئيس الجمهورية عمر البشير، في خطابه أمام الهيئة التشريعية القومية، في فاتحة أعمال دورته الجديدة، حكومة الوفاق الوطني بأن يستصحب إعداد مشروع موازنة العام المالي 2019م مراجعة لمرتكزات الاقتصاد الكلي وفق رؤية جديدة، وتنفيذ البرنامج التركيزي، وإقرار سياسات تفصيلية وإجراءات محفزة للإنتاج وزيادة الصادر وضبط الواردات، فضلاً عن تحقيق الانضباط المالي لوحدات الدولة، خاصة تحسين معاش الناس كأولوية قصوى، وذلك عبر حزمة من السياسات والمشروعات الاقتصادية العاجلة التي توفر العيش الكريم للمواطن.
تحديد رؤية
بيد أن أستاذ الاقتصاد بجامعة المغتربين والخبير الاقتصادي دكتور محمد الناير، يؤكد لـ(الصيحة) أن ما تم إعلانه من الموازنة حتى الآن ليس كافياً لتحديد رؤية حولها من حيث الأرقام والمشروعات المجازة، مشدداً على ضرورة استصحاب موازنة الولايات للعام الحالي في الموازنة الحالية بغرض إزالة الرسوم والجبايات وسد العجز في موازنة الولايات بما يتوافق مع ما هو مرصود من دعم مالي، وأضاف أن تعدد الرسوم والجبايات بها تعطيل للصادرات غير البترولية وتعيق الاستثمار، مشددًا على أهمية زيادة الحد الادنى للأجور بنسبة كبيرة وإزالة التشوهات من هياكل الأجور للعاملين بالقطاع العام، مؤكداً أن بعض العاملين في القطاع العام يحصلون على مخصصات أعلى من مخصصات الوزراء وربما رئيس الجمهورية نفسه، ونادى بضرورة تحديد سقف أعلى للمرتبات في القطاع العام دون تجاوزه، لافتاً إلى عدم وجود عدالة في تباين مخصصات موظفين في المؤسسات بنفس الدرجة الوظيفية.
إزالة عقبات
وأشار الناير إلى أن موازنة 2019م تحتاج إلى زيادة في الموارد عبر زيادة التحصيل الضريبي أفقياً وليس رأسياً، والالتزام بتنفيذها وتأهيل الكادر البشري، فضلاً عن استقرار سعر الصرف ومعدلات التضخم الذي يحتاج إلى تسهيل انسياب النقد الأجنبي عبر جذب مدخرات المغتربين وزيادة الصادرات عبر إزالة العقبات التي تواجه القطاع، جازماً بأن الحل الأمثل للاستقرار المستدام في العام القادم يتمركز حول زيادة الإنتاج والإنتاجية والذي يحتاج إلى تغيير كبير لمعالجته.
الخرطوم: مروة كمال
صحيفة الصيحة.