دعت الحركة الشعبية لتحرير السودان شمال، بقيادة عبد العزيز الحلو، إلى إرساء أساس جديد للسلام في السودان بتبني ترتيبات جديدة، مجددة رفضها خارطة الطريق التى طرحها الوسيط الأفريقي ثامبو أمبيكي قبل عامين، وترى أنها لم تعُد صالحة كإطار للمفاوضات، ووصفتها بأن الزمن والأحداث تجاوزاها، ومن غير الممكن أن تكون مرجعاً وأساساً لأي مفاوضات لحل مشكلة السودان.
وقالت الحركة إنها قدمت مقترحاً للوساطة بأن تبدأ مفاوضاتها مع الحكومة حول القضايا السياسية على عكس ما نصت عليه اتفاقية الخارطة بالبدء بوقف الأعمال القتالية والقضايا الإنسانية وتدابير بناء الثقة، بينما ترى الحركة في مقترحها أن يتم الانتقال إلى الملفات الأمنية والإنسانية بعد التوصل إلى اتفاق حول الأجندة السياسية بين الطرفين.
تفاهمات مشتركة
وأشارت مجموعة الحلو في بيان لها عقب المفاوضات التي جرت الأسبوع الماضي بالعاصمة الإثيوبية أديس أبابا، وشاركت فيها مجموعته بوفد بقيادة جوزيف تيكا إلى أنهم اتفقوا مع الوساطة على مواصلة المشاورات الثنائية في انتظار التوصل إلى تفاهمات مشتركة يمكن أن تشكل الأساس لأي مفاوضات مستقبلية.
وكانت الآلية الأفريقة قد أعلنت قبل المفاوضات أن الخارطة بحاجة لمراجعة لتتناسب مع التطورات السياسية التي حدثت خلال العامين الماضيين.
أسس جديدة
يقول محللون، إن مطالبة الحركة الشعبية لتحرير السودان شمال، بقيادة عبد العزيز الحلو، بإرساء أسس جديدة للسلام في السودان بتبني ترتيبات جديدة ستشكل عقبات غير متوقعة، تضع الاتفاقيات السابقة التي تم التوصل إليها في مهب الريح، يتوقع أن تعتبرها الحكومة قيوداً غير مقبولة لديها، إذ يبدو واضحاً أنها مناورة من الحلو الذي تعول عليه الحكومة أن يكون بديلاً لعقار وعرمان في الجلوس معها، لكنه يناور لاستغلال الأوضاع الداخلية المعقدة الناتجة من المشكلات الاقتصادية التي تمر بها الحكومة، ويسعى لتعلية سقفه التفاوضي.
لكن المحلل السياسي د.عبد الرحمن أبو خريس استبعد في حيثه لـ(الصيحة) أن تكون المطالبة التي دفع بها الحلو للوساطة الأفريقية تعني تبنيه نهج عرمان وعقار الذي هو على خلاف معهما في تبني إدراج قضية المنطقتين في إطار الحل الكلي للتسوية السياسية لقضية السودان.
وأضاف د. أبوخريس: في ذات الوقت لا تعني هذه المطالبة تراجع الحركة الشعبية بقيادة الحلو عن البنود التي تم التوصل إليها في جولات التفاوض السابقة، وما يعني بدء تفاوض جديد بقدر ما هي مناورة من من قبل الحركة الشعبية وتحديدًا رئيسها عبد العزيز الحلو مستغلاً الأوضاع الداخلية المعقدة خاصة الاقتصادية التي تمر بها الحكومة مما شجعه على المناورة بتوسيع أجندة التفاوض ورفع سقفها.
كرت تقرير المصير
ورحج د. أبو خريس عودة الحلو لوضع كرت تقرير المصير والحكم الذاتي على طاولة التفاوض لتحقيق مكاسب تفاوضية.
وقال د. أبو خريس إن على الحكومة ألا تتوقع من دخولها في تفاوض بوضعها الحالي غير تعلية السقوف والمطالب والمناورة من قبل الحلو، رغم أنه لا يشكل الأغلبية والكفة الراجحة وسط المسلحين في منطقة جبال النوبة مركز ثقله نظرًا لوجود أطراف أخرى تصارعه على قيادة الحركة، مضيفاً: على الحكومة عدم الاستجابة لهذه المطالب، وعدم الدخول في أي مفاوضات في الوقت الراهن حتى تتمكن من عبور الأزمة التي تواجهها.
واعتبر د. أبوخريس تعويل الحكومة على مجموعة الحلو بالتوصل لاتفاق معها بأنه نهج خاطئ ظلت الحكومة تتبعه لتجزئة وتشظي المجموعات المسلحة لكن ثبت فشله، غير أن الجكومة تصر عليه لا سيما في الوقت الراهن لتجميل صورتها أمام العالم وأن الأزمة التي تمر بها غير مؤثرة. وتوقع د. أبو خريس حدوث خلافات بين الحلو ومؤيديه من أبناء النيل الأزرق بسبب هذه المطالب التي دفع بها والتي قال إنها حتماً ستحدث تقاطعات في الأجندة والمطالب بينهما، خاصة أنها حوت بعض الأجندة التي رفضها أبناء النيل الأزرق لدى عرمان.
ترتيب أجندة
وفي السياق، قال الخبير في المفاوضات بين الحكومة والحركة الشعبية د. حسين كرشوم إن التعقيدات ليست في ترتيب الأجندة كما جاء في طلب الحركة الشعبية للوساطة ببدء المفاوضات بالقضيا السياسية وإنما كانت التعقيدات في الجولات السابقة حول موضوعات التفاوض.
وأضاف د. كرشوم للصيحة، أن رؤية الحكومة بمواصلة التفاوض من حيث انتهى في الجولات السابقة ثابتة، ولا يتوقع أن تستجيب للعودة من جديد للتفاوض مع مجموعة الحلو، وإنما ستستمر وفق الجولات السابقة وفق الثوابت التي حددتها، وهي وحدة الجيش وعدم قبولها بتقرير المصير أو الحكم الذاتي وتمسكها بالشريعة والوحدة الوطنية.
محك قادم
وأشار د. كرشوم: وفي مقابل هذه الثوابت التي حددتها الحكومة ترى الحركة الشعبية أنها تتعارض مع الأسس والأهداف التي تفاوض عليها وتريد تحقيقها فهي تتمسك بالنظام العلماني كبديل للشريعة إضافة للحكم الذاتي أو تقرير المصير، وهذه الجزئيات التي يريدها عبد العزيز الحلو، أضف إلى ذلك أن طرح الحركة بمناقشة القضايا السياسية يتعارض مع رؤية الحكومة وتمسكها بالبدء بمناقشة القضايا الأمنية والإنسانية، ومن ثم مناقشة القضايا السياسية. وأكد د. كرشوم أن هذا يضع الآلية الأفريقية ورئيسها في المحك بإظهار دورها في التوفيق بين الرؤيتين لدى الحركة والحكومة، وأضاف: على الوساطة أن تثبت مقدرتها في عبور هذه المعضلة.
صحيفة الصيحة.