يصفهم البعض بـ(الشؤم):
ناقلو الأخبار السيئة.. البحث عن الشمار.

عندما أراد الشاعر بشير بن حلزم نقل خبر الشهيد الإمام الحسين عليه السلام لأهل المدينة المنورة بعد واقعة كربلاء الأليمة, أتى مسجد الرسول صلى الله عليه وسلم ورفع صوته بالبكاء ثم نعى الإمام الحسين بأبيات شعرية استطاع من خلالها أن يُقلِّل من الحُزن بداخلهم واحتواء ردة الفعل بقدر الإمكان.
لكن الأمر يختلف كثيراً مع بعض ناقلي الأخبار السيئة ممن يتعاملون بسُرعة في التقاطها ونشرها للآخرين حتى ينالوا السبق في ذلك أو كما يعتقدون دُون الاهتمام بردة فعل من ينقلون لهم الأخبار ولا يفرق معهم المكان أو الزمان حتى وإن كان منتصف الليل، وهو ما حدث مع الحاج مصطفى عندما رَنّ هاتفه مُنتصف الليل ما جعله يقوم من نومه مذعوراً ليرفع سمّاعة الهاتف من على المنضدة في عجلةٍ وهو يضع نظارته السميكة على عينيه ليتأكّد مَن المُتّصل، ليجده أحد أقربائه والذي أطلق عليه لقب (كارثة) ما جعله يضع يده في قلبه بأن هناك كارثة ومن ثَمّ الرد على المُكالمة، وبالفعل كان الخبر كارثة بعد أن أخبره المُتّصل عن غرق ثلاثة من أبناء عُمُومته في شط النيل أثناء عبورهم للجهة الأخرى، فما كان من الحاج مصطفى إلا وأن ألقى بهاتفه أرضاً دُون وعي مَغشياً عليه.
(1)
هناك أشخاصٌ مُميّزون ومعروفون في الأسرة أو الحي يسعون لنقل الأخبار السيئة مثل الوفيات وحالات الطلاق وحوادث السّيّارات وأخبار أُخرى تقلق مَضاجع الأهل والأصدقاء.
دائماً ما يُقال على ناقلي الأخبار السّيئة بأنّهم وجه (الشؤم) لرصدهم أيِّ خبرٍ سيئ أو حزين ونقله للآخرين بسرعة الصاروخ وهو ما اعتادوا عليه دُون تكليفٍ من أحدٍ, فيما أصبح يتعامل معهم البعض بكل أريحية ورحابة صدر باعتبارهم مصدراً قوياً لنقل الأخبار حتى أصبح يُسأل عنهم في غيابهم ليتم ربطهم بما يحدث من أخبارٍ.!

(2)
أحد السِّياسيين المَعروفين فضّل حجب اسمه تحدث لـ(كوكتيل) عن مُعاناته مع تلك الفئة من ناقلي الأخبار السيئة، قائلاً: (منذ سَنَواتٍ طويلةٍ ظَلّ أحد أبناء الأسرة يتّصل على هاتفي وهو يقول: (فلان في المستشفى، فلان مات، فلان ضربتو عربية ..إلخ) وأصبح مُستمراً في نقل هذه الأخبار ما جعلني أمنعه نهائياً من الاتصال بشخصي أو بأيِّ فردٍ من الأسرة حتى وإن ماتت أمي، منذ ذلك الوقت لم يتّصل بي، فَصَادَف أن قابلته بعد عدة أشهر في قلب العاصمة وما أن لمحني حتى لحقني فبادلته السلام وسألته من أخباره، فأجابني سريعاً: (الليلة أولاد التيجاني حصل ليهم حادث واحد مات والاتنين في الإنعاش) لم أستطع بعدها أن أتفوّه بكلمةٍ واحدةٍ سوى أن تَوجّهت

سريعاً للمُستشفى وأنا في قِمّة غضبي.
(3)
الباشمهندس مُرتضى مصطفى له طُرفة مع ناقلي الأخبار السيئة والتي لخصّها في الآتي قائلاً لـ(كوكتيل): (اعتاد أحد أقربائنا في الأسرة يدّعي مُحمّد شَمارات) على تعميم أيِّ خبرٍ سيئ للأسرة سريعاً، في ذات مرة حدث خلافٌ بيني وبين زوجتي فذهبت إلى بيت أهلها، وقبل المساء وصلتني رسالة عبر الهاتف كان قد تم إرسالها جماعياً مفادها (قبل قليل قام مرتضى بتطليق زوجته والآن هي في منزل أسرتها)، ضحكت حتى دمعت عيناي ثُمّ قُمت بالاتصال به فوراً فأخبرته أنّ رسالته وصلتني ولكنك تَسَرّعت في نقل الخبر وأخطأت، فَأنَا لم أطلقها لذلك عليك أن تُصحِّح المعلومة بأنّ ما حَدَثَ مع زوجتي مُشكلة صغيرة وليس طَلاقَاً كما كتبت، خجل وقتها خجلاً شديداً وأغلق الهاتف في وجهي من وقتها لم أسمع له شماراً.

(4)
فيما وصفت الأستاذة الجامعية صفية الأمين من يقومون بنقل الأخبار السيئة بأنهم يُعانون من فراغٍ كبيرٍ يَجعلهم يبحثون عن تفاصيل الأُمور جَميلها وشرّها، مُبيِّنةً (هناك أيضاً عددٌ من النسوة يقمن بتلك المُهمّة وبجدارة ولكنني لا أعطيهن فُرصة لذلك، لأنّهن ينقلن أدق التفاصيل مع بعض البهارات بغرض الإثارة).!
(5) 
حول هذا المَوضوع تَحَدّثت أستاذة علم الاجتماع بجامعة السودان د. سلوى ساتي قَائلةً: (دَرَجَ عددٌ من الناس أن يقوم أشخاص مُعيّنون بنقل الأخبار السيئة والسعيدة لهم حتى أصبحوا ينتظرونها على أحرّ من الجمر، وأصبح أولئك مُتخصِّصين ومَعروفين بها, لكن ما يعيب في الأمر عدم مُراعاة الخُصُوصية ومشاعر الآخرين، فالشخص الذي يَقوم بنقل تلك الأخبار يُعاني من نقصٍ يُريد أن يكمله بأية طريقة ليكون راسخاً في أذهان الناس دُون مُراعاة لتبعات ردة فعل الشخص الذي ينقل له الخبر التي قد تكون عنيفة وفي بعض الأحيان قد تصل مرحلة الصدمة والانهيار العصبي، مُضيفاً: (لذلك يجب على هؤلاء أولاً توخي الحذر والدقة قبل نقل الخبر السيئ ومن ثَمّ الكيفية التي يُمكن أن يبلِّغ بها الخبر السيئ تفادياً للمشاكل).

صحيفة السوداني.

Exit mobile version