الحكومة تبحث عن حلول ناجعة لها الضائقة المعيشية .. هل تصلح الـ(معالجات) ما أفسدته الـ(سياسات)؟

لا شك أن الارتفاع المستمر للتضخم في البلاد يعطي إشارة لما يعانيه المواطن من ارتفاع تكلفة المعيشة رغم الجهود التي تبذلها الحكومة فيما يتعلق بالإجراءات الإصلاحية، وما يدلل على ذلك مطالبة اتحاد العمال سنوياً بزيادة الرواتب، إلا أن موازنة الدولة العامة لا تكاد تغطي نفقات الفصل الأول، أما الأمر الثاني، فهو الدراسة التي قدمها المجلس الأعلى للأجور، مبيناً أن تكلفة المعيشة تحتاج إلى أكثر من ثمانية آلاف جنيه في الوقت الذي لا يتعدى فيه الحد الأدنى للأجور الألف جنيه، الأمر الذي يبين الحالة المعيشية التي وصل إليها المواطن في وقت زادت فيه أسعار السلع الاستهلاكية بنسبة قدرت بحوالي 300%.

1

الاقتصاد الآن.. (وضع) فوق طاقة الاحتمال

كل تلك المؤشرات تبين أن وجود خلل في الأوضاع الاقتصادية، ونتيجة لذلك وصلت الأزمة الاقتصادية حداً فوق طاقة احتمال المواطنين، وبات توفير أبسط ضروريات معاش الناس في صعوبة، مع محاولات حكومية خجولة لتخفيف حدة الأزمة دون نجاح يذكر، وتتصاعد أسعار السلع الاستهلاكية باستمرار تزامنًا مع زيادة التضخم وتناقص قيمة العملة الوطنية، وبالتأكيد هذه المعطيات ليست غائبة عن الحكومة، لكن الغائب هو “الحل الجذري الناجز”.

تأسيسًا على ذلك.. لا يمكن إنكار أن البلاد تسير للخلف في اقتصادها، ومعاش المواطن بات في صعوبة، والعملة الوطنية في تراجع، وكذلك الإنتاج المحلي، كل هذه المؤشرات وغيرها تؤكد فشل الحكومة في إدارة الشأن الاقتصادي، وعدم استغلال الموارد المتاحة.

ويقول مواطنون، لـ “الصيحة”، إن توفير متطلبات العيش الكريم بات حلماً بعيد المنال، ولهذا القول ما يسنده من مبررات، فنحو ثلثي سكان البلاد يعدون ضمن الفقراء، ومنهم نسبة لا يستهان بها ضمن شريحة “الأشد فقراً”، فيما أكثرية الثلث الآخر بين حد الفقر وقليل منهم أعلى من هذا الحد.

2

الضائقة المعيشية.. تدخل حكومي عاجل

أمس الأول، ناقش رئيس مجلس الوزراء، معتز موسى عبد الله، مع مساعد رئيس الجمهورية، موسى محمد أحمد، الأوضاع الاقتصادية بالبلاد، وسبل فك الضائقة المعيشية، وتقديم الخدمات للمواطنين، في وقت ارتفعت فيه أسعار اللحوم وصل الكيلو منها إلى 180 جنيهاً، وسجل جوال البصل أكثر من 3 آلاف جنيه، وجركانة الزيت 36 رطلاً 1100 جنيه، بدلاً من 950 جنيهاً، وتضاعف سعر رطل اللبن السائل غلى 15 جنيهاً. وعزا تجار ارتفاع الأسعار إلى عدم استقرار قيمة الجنيه، وقالوا إن الزيادات وصلت نسبتها إلى 100% في بعض السلع، وأكدوا أن الزيادة فاقت مقدرة المواطن البسيط على الشراء، ما ساهم بصورة كبيرة في ركود في حركة البيع وبات المواطن يشتري حاجاته الضرورية فقط.

3

الأزمة.. على منضدة خبراء الاقتصاد

يرى الخبير الاقتصادي ورئيس لجنة الحوكمة بـ”النيباد”، البروفيسور ميرغني أبنعوف، أن اقتصاد البلاد تأثر بعدم استقرار وثبات السياسات، ونادى بترقية المناخ للاستثمارات الجادة ذات العائد، ومكافحة الفساد وانتهاج الشفافية في الإدارة، وقلل من حديث الحكومة عن قدرتها على ضبط الأداء الاقتصادي، مشيراً إلى أن المشكلات الهيكلية التي يعاني منها اقتصاد البلاد لا تعالج بقرارات بقدر ما هي مراجعة شاملة، وأكد أن الحظر الاقتصادي لم يكن سبباً وحيداً لتراجع اقتصاد البلاد، وحذر من مغبة استمرار الأوضاع على ما هي عليه.

ويواصل ابنعوف، ليقول: تارة ترى الحكومة وكأنها تُدار عبر أفراد، وليست مؤسسات راسخة، على الدولة أن تجد في حوكمة الشركات وحوكمة الاقتصاد لأنه حل مناسب لإدارة الموارد والاستفادة منها بشكل أمثل مع تفعيل الرقابة والتشدد في تطبيق القانون على المخالفين ومكافحة الفساد مهما صغر حجمه وإيقاف اختلال الأداء الاقتصادي وتفعيل الميزات النسبية التي يتمتع بها السودان، وقال إن هذه المطلوبات تظهر أهميتها في تطبيقها على الأرض وليس مجرد قولها كحديث غير مطبق.

4

غلاء المعيشة.. تدابير عملية مطلوبة للمحاصرة

غلاء المعيشة له نتائج ظاهرة من خلال عجز المواطنين عن توفير حاجاتهم الأساسية والقدرة على شرائها وله نتائج غير مباشرة من تحول نسبة كبيرة من الطبقة متوسطة الدخل إلى الطبقة الفقيرة، وسعى بعض المواطنين للحصول على المال بطرق غير شرعية وملتوية تحت ضغط من المتطلبات المعيشية الباهظة، وسوء التصرف وعدم ضبط وجوه الإنفاق تسببت في إصابة الكثيرين بعدم الاستقرار النفسي والأسري، وتفكك جراء ذلك النسيج الاجتماعي.

ويدعو الخبير الاقتصادي، رئيس اللجنة الاقتصادية الأسبق بالبرلمان، بابكر محمد توم لاتخاذ تدابير عملية لمحاصرة غلاء المعيشة وتخفيف الأعباء عن كاهل المواطنين، قبل أن يشدد على ضرورة ضبط الأسواق والقضاء على المضاربات والسلوكيات التجارية الملتوية.

وقال التوم لـ “الصيحة” أمس، إن الحلول متعددة، ونادى باستصحاب أنجع الحلول للحد من تأثير الضائقة الاقتصادية على المواطن، ويقول التوم إن الحل يمكن أن يتم عبر تشجيع المنتجين في مختلف المجالات وتشجيع الشباب على ريادة الأعمال، وإعطائهم كافة المطلوبات ليعملوا بشكل جيد في استغلال الموارد المتاحة في الصناعة والتجارة والزراعة، وزاد: أبسط مثال أن السودان يمتلك أراضي كثيرة جداً يمكن استغلالها في الزراعة وزيادة الإنتاج بما يكفي ويفيض للتصدير والاستفادة من لعائد الصادر في مشروعات أخرى، وقطع بأن اتباع وتطبيق هذه الطريقة يتيح للبلاد الحصول على المنتجات من الإنتاج المحلي بتكاليف قليلة وتوفير فواتير الشراء من الخارج.

الخرطوم: جمعة عبد الله
صحيفة الصيحة

Exit mobile version