تَحجيم السيولة بالبنوك ونُدرة (الكاش) أفرز شريحة تُسمى بتجَّار الأزمات، أصبحت بمثابة الناهي والآمِر؛ بل والمُتحكِّم في الأسواق، والشّاهِد تفشِّي ظَاهرة المُضاربة في أكبر أسواق السِّمسم بالبلاد (القَضارف) فكانت النتيجة الحَتميّة هي: خُرُوج الشركات العالميّة التي كَانت تُمثِّل (لاعباً أساسياً) في عمليات الشراء و(هُرُوبها) إلى دُولٍ مُجاورةٍ بسبب فارق السعر.. (السوداني) استنطقت تجَُّاراً ومُصدِّرين وخُبراء.. وخرجت بالحصيلة التالية:-
مُوسم هُروب الشركات
وجدي عمر البدوي مُصدِّر لمحصول السمسم بولاية القضارف يقول لـ(السوداني) إنّ السّبب الرئيسي في هُرُوب الشركات العالمية عن شراء السمسم بولاية القضارف ليس لعُيُوبٍ في جودة المحصول، وإنّما لكثرة المُنافسين المَحليين، حَيث قَام هَؤلاء بفرض سِعرٍ يفوق العَالمي بقرابة (الرُّبع)، وأضَافَ البدوي أنّ سعر طن السمسم العالمي يتراوح ما بين (1500 – 1600) دولار، مُشيراً إلى أنّ سعر قنطار السمسم ببورصة سوق القضارف حتى أمس الأول (3,950) جنيهاً، وكما هو مَعلومٌ فإنَّ الطن يُساوي (22) قُنطاراً و(26) رطلاً، وبحسب العجز الذي يحدث بسبب الغُربال (النظافة) والضرائب والترحيل حتى الميناء ثُمّ الجمارك، وبالتالي تصبح تكلفة الطن بعد مُعادلتها بسعر الدولار وفقاً لسعر الآلية يتراوح ما بين (2,000 – 2100) دولار للطن الواحد، في حين أنّ سعره بالدول المُجاورة يتراوح ما بين (1500 – 1600) دولار.
(10) تُجَّار يُسيطرون على السُّوق
ويمضي البدوي في حديثه قائلاً: إنّ تحجيم السُّيولة بالبنوك ووصولها مرحلة (العدم) أحياناً أدى إلى إفرازاتٍ جديدةٍ وهي بيع الكسر بالشيكات مِمّا يفوق السعر بالكاش التي أدت إلى ارتفاع البيع بالشيكات وأثّر على السعر عالمياً مُقارنةً بالأسعار العالمية، لافتاً إلى أنّه إذا تمّ توفير الكاش من قِبل الدولة سوف تأتي الشركات العالمية من جديد، لأنّ شراء الشيكات يَخلق أسعاراً غير حَقيقيّة (مُضَارَبَات)، لافتاً إلى أنّ المُستثمرين الأجانب والشركات العالميّة انسحبت من سُوق السِّمسم بالقضارف واتّجهت إلى إثيوبيا ودُول غرب أفريقيا، وَأَكّدَ أنّ سعر طن السمسم بدولة إثيوبيا خَاصّةً منطقة (الحُمرا) هو شبيه لسمسم القضارف تَمَاماً في اللون والطعم والجودة ويُباع بـ (1600) دولار، أمّا في تَنزانيا ونيجيريا وبوركينا فاسو ومُوزمبيق والتي تنتج (سمسماً) لا يقل جَودةً عن السِّمسم السُّوداني، فسعر الطن (1500) دولار، وأوضح البدوي أنّ المُصَدِّرين بولاية القضارف وقفوا مكتوفي الأيدي ومُعظم المُشترين لم يُصدِّقوا ما يجري مِن هَولَ الأسعار، مُؤكِّداً أنّ عَدَدَ الشركات المُسَجَّلة في بُورصة ولاية القضارف وللعلم هي الآن خَارج المُنافسة لشراء مَحصول السِّمسم، هذه الشركات بلغ عددها (80) شركة، مُؤكِّداً أنّ من يتحكّمون في شراء السمسم بالقضارف الآن هُم أشخاصٌ لم يتجاوز عددهم الـ (10)، والمُحَيِّر حقاً أنّهم غير مُصَدِّرين لهذا المحصول بل يقومون بتخزينهِ!!
سعر ثُلاثي:
من جانبه، يقول أسعد الضو تاجر ببورصة السمسم بالقضارف لـ (السوداني)، إنّ أسعار السمسم بالبورصة تَختلف ويُمكن تفصيلها في ثلاثة أسعار الأول للكاش، والثاني عندما يكون البيع جزء (كاش) والآخر (شيك)، أما السعر الثالث فهو الذي يكون كله بالكاش.
وحول هُرُوب الشركات التي تشتري المَحصول لدول الجوار خُصُوصَاً إثيوبيا، فذلك يرجع لـ(الفوضى) التي ضربت السُّوق السُّوداني، وكما هو مَعلومٌ فإنّ الشركات تبحث عن الربح، وعندما لا تجده هُنَا من الطَبيعي أن (تتخارج) إلى حيث المَكان الذي يُحَقِّق لها الربح وهذا بالضبط ما فعلته الشركات الصِّينيّة والهنديّة التي غَادَرَت وتَركت السُّوق لتُجّار التخزين ومُرابحات البنوك الحكومية، مُؤكِّداً أنّ خُرُوج هذه الشركات أدخل سوق محصول السمسم في مرحلة كساد، لأنَّ التجار نفِدت المبالغ التي في أيديهم بعد شراء كميات من السمسم، ليس ذلك فحسب، بل إنّ المحصول (يُجمّد) عندهم، إذ أنهم لا يستطيعون تسويقه عالمياً بسبب فارق السعر، ولا محلياً في ظل أزمة السُّيولة الحَاليّة، ليبقى الخيار المُتَاح مَحصُوراً في (البيع بالشيكات).
استئصال أجسام:
من جانبهِ، أوضح الخبير الاقتصادي مُحمّد الناير لـ (السُّوداني) أمس، أن أسعار السمسم بولاية القضارف هو عبارة عن تدخُّل جهاتٍ وسيطةٍ (سماسرة) ضَارَبَت في المحصول، الأمر الذي أَدّى لهُرُوب الشركات إلى الدول المُجاورة والتي هي أقلَّ تكلفةً من السُّودان وبنفس المواصفات العالمية، وطَالب الناير الدولة بالتدخل في تَنظيم عمل البُورصات ونقلها للعمل الإلكتروني وربطها بالسوق العالمي لتفادي المُضاربات في المحاصيل، كما يجب عليها منع الوسطاء والسّماسرة من السَّيطرة على أسواق المحاصيل إلا في حُدُود المَسموح بهِ من قِبل البورصات، مُشيراً إلى أنّ هُرُوب الشركات العالمية هذا العام من شراء السمسم بسبب ارتفاع أسعارهِ عن السعر العالمي يُؤثِّر سلباً على قُدُومها في الأعوام القادمة، خَاصّةً بعدما وجدت سعراً مُغرياً وإنتاجاً وفيراً وجودةً لا تَنقص عن السِّمسم السُّوداني، ونوّه الرجل إلى انتقال عدوى الدولار وظُهُور سعريْن مُختلفيْن عند البيع بالكاش والبيع بالشيك لمحصول السِّمسم وتسبّبت في ارتفاع أسعارهِ ويرجع ذلك إلى السِّياسات التقليدية الخاطئة لتحجيم السُّيولة بالبنوك مطلع العام 2018م، لذلك على الدولة استئصال الأجسام الغريبة التي تضر باقتصادها، وأن تقوم بإعادة هيكلة كاملة ومُنظّمة ودراسة تكاليف الإنتاج والميز التنافسية حسب البحث العلمي لزيادة افتتاجية وإزالة العقبات التي تُواجه الصادرات بمنظومة الإنتاج الزِّراعي.
ظواهِرٌ سالبةٌ:
ويقول عصام فضل الله مُوسى نائب رئيس شُعبة مُصَدِّري الحبوب الزيتية بالغُرفة القومية لـ (السوداني)، إنّ أسعار محصول السمسم عند بداية مُوسم الحصاد بدأت بـ (2500) جنيه للقنطار، حيث تدرّج بصُورةٍ مُفاجئةٍ حتى تعدّى سعر القنطار (4,000) جنيه، وأضَافَ مُوسى أنّ أحد الأسباب الرئيسية هو ارتفاع محصول السمسم أعلى من السعر العالمي ودخول قطاعاتٍ كثيرةٍ في عملية الشراء ليست لها علاقة بتجارة المحاصيل وتصديرها كتُجّار الملبوسات والأواني المنزلية وغيرهم، نسبة لوفرة المبالغ النقدية لديهم (الكاش)، وأعلنوا سيطرتهم على سُوق المَحاصيل وبَيعهم محصول السمسم للمُصَدِّرين بزيادة أرباح تَتَرَاوح ما بين (10 – 15%) من السعر الحقيقي الذي اشتروا بهِ نسبةً لعجز المُصَدِّر تَوفير الكاش، الأمر الذي أدى إلى زيادة قيمة البيع للمحصول وانعكس على السعر العالمي مِمّا أضعف المُنافسة العالمية وأدّى لخُرُوج الشركات العالمية، وأضاف موسى أن بعض المُضاربين سماسرة غير مُصدِّرين استغلوا نظام الدفع الإلكتروني الذي أعلن عنه بنك السودان في بيع استمارات صادر السمسم للأجانب بسعرٍ زَهيدٍ، حيثُ يقوم الأجنبي ببيع حصائل الصادر بالخارج مِمّا أدى إلى مُضاربات في المحصول، ونوّه الرجل إلى أنّ عدم توفير السُّيولة لمُوسم الحصاد من قِبل البنوك والمُصدِّرين أعَاقَ عملية الإنتاج والتّصدير، لذلك أنّ نظام البيع بالشيكات غير مَعروفٍ لدى المُزارعين، لأنّ بعض مناطق الإنتاج لا تُوجد بها بنوك وحتى البائع لم يتسلّم شيكاً مصرفياً، الأمر الذي أدّى إلى ظواهر سلبية ومُضاربات في المحصول حتى فاق سعره للعالمي هذا العَام، وأردف مُوسى أنّ الشركات العالمية فضَّلت الشراء من دُول أُخرى أمثال نيجيريا، بوركينا فاسو، السِّنغال، مَالي، تَنزانيا، زيمبابوي وإثيوبيا، وَتَوقّعَ الرجل من هذه الدُّول تطوير وزيادة إنتاجها حتى تحكِم قبضتها وسَيطرتها على السُّوق العالمي لمحصول السِّمسم، وأكّد الرجل أنّ حَجم التّداول العالمي لمحصول السمسم حوالي (2) مليون و(200) ألف طن سنوياً، مُنوِّهاً إلى أنّ إحصائية تصدير محصول السمسم بالبلاد في الأعوام السابقة بلغت (400) ألف طن، وأن شُعبة مُصدِّري السودان وفق خُطتها زيادة الحصة هذا العام لرفع صادرها إلى (600) ألف طن لكنها بعد ارتفاع أسعار المحصول وخروج الشركات العالمية من السوق لم تستطع الشركات حتى الآن ملء غرابيل التصدير بولاية البحر الأحمر مُقارنةً بملئها في الأشهر الأولى من موسم الحصاد في سابق الأعوام، لذلك سوف تصبح نسبة الصادر أقلّ من السنوات الماضية.
تَلاعُبٌ أجنبيٌّ:
ويقول عضو المجلس التشريعي بولاية القضارف، رئيس اللجنة الزراعية السَّابق بولاية القضارف وليد حسن علي لـ (السُّوداني)، إنّ ارتفاع سعر محصول السمسم هذا العام يرجع إلى ضعف الإنتاج بالولاية مُقارنةً بالأعوام السابقة نسبةً لظُهُور آفة للمحصول في شهر أغسطس أثّرت على المحصول وأدّت إلى حَرث المَحصول وتقليص المِساحات المَزروعة واستبدالها بمحصول الذرة، مُشيراً إلى أنَّ السِّمسم الذي نجَا من الآفات لم يَنجُ من عوامل الطبيعة، مُنوِّهَاً إلى أنَّ بعد انتهاء عَمليّات الحَصَاد الأولى التي تمثّلت في (القطع) هطلت أمطارٌ غَزيرةٌ مَصحُوبةٌ بهواءٍ أدّت إلى تلف المحصول، ونَفَى الرجل بأنَّ السعر المُتداول نتيجة مُرابحات ومُضاربات تجَُّار بسبب تحجيم السُّيولة واستبدال السمسم أحد الحُلُول لعددٍ من التُّجّار لإخراج أموالهم من البنوك وشرائهِ بالشيكات بأسعارٍ تفوق سعره الحقيقي، لافتاً إلى أنّه يُوجد تلاعُبٌ في الشراء من قِبل أجانب وذلك بدخولهم السُّوق بأسماء شركات وسِجِلات تجارية شبه وهميَّة من دولهم، حيث يقومون بشراء كميَّات مُقدَّرة من المحصول وتصديره لبلدانهِم والاستفادة من حصائل الصادر، وطالب علي من الجهات المُختصَّة الالتفات لهذا التلاعب والقيام بدورها ومُراقبة الأسواق، وأردف الرجُل أنَّ حجم شراء الشركات المُصدِّرة هذا العام ضعيفٌ جداً مُقارنةً بالأعوام السابقة، الأمر الذي أدّى إلى فجوة في نشاط (الغرابيل) والفراغ الذي أصابها جَرّاء غلاء سعر المحصول، وأوضح الرجُل أنّ الولاية حتى الأمس لم تَتَلَقَ تَوضيحاً من شركات أجنبية بأنّها خرجت من سُوق الولاية بسبب ارتفاع أسعار السمسم التي تفوق العالمي، كما لم يتم إخطارنا بأن السعر العالمي هو (كذا) وتفصيل من الشركات بأسعار السِّمسم السُّوداني ومُقارنته بأسعار الدول الأُخرى المُنتجة للمحصول.
مُضاربات جُنُونية!
رجل أعمال فضّل حجب اسمه قال لـ (السُّوداني) إنّ شركات كبيرة بعينها دخلت بقوة في شراء محصول السِّمسم؛ وقامت بالمُضاربة فيه ورفعت أسعاره بصُوُرة جُنُونية حتى تُسيطر على عمليات الشراء؛ وارتفع سعر الطن بزيادة لأكثر من (500) دولار للطن عن سعر الطن العالمي، وأضاف رجل الأعمال: هذا يعني واحداً من أمرين، إمّا أنّ هذه الشركات لن تقوم بإرجاع حصيلة الصادر إلى البلاد، أو أنها تُريد (الكسر) وبيع المحصول بخسارة تفوق الـ (550) دولاراً في الطن الواحد حتى تستفيد من الدولارات وتُضارب بها في السوق المُوازي، وقال إن ارتفاع الأسعار تَسَبّبَ في ارتفاع أسعار (الطحنية) لأكثر من (50%) في أقل من أسبوعٍ، وتَسَبّبَ في ارتفاع أسعار زيت السمسم وأسعار (الأُمباز)، الشئ الذي يَتَسَبّب في ارتفاع أسعار الحليب وتَضرُّر المُواطنين من الغلاء الفاحش في سلعٍ ضروريةٍ بالنسبة لهم..!
تحقيق: اليسع أحمد
صحيفة السوداني.