الطريق إلى قرية “أم حجار” حيث تسكن أسرة “محمد تارة”، الشاب السوداني محمد عبدالباقي الذي ظهر مكبلاً بالأغلال، في فيديو بثته قبل أيام جماعة ليبية مسلحة، يناشد أهله بولاية الجزيرة بوسط السودان فك أسره، تعج بمزارع القطن والفول والقمح التي تعد أحد أكبر المشاريع الزراعية التي عرفتها القارة الإفريقية والشرق الأوسط، وكان يرفد مصانع الأمبراطورية البريطانية بأجود انواع خامات القطن، لكن المفارقة العجيبة أن الشاب، كما قال والده هاجر إلى أخطر بقعة في العالم من أجل كسب العيش وإعانة والده في تربية عشرة من إخوانه وأخواته.
وتعيش تلك القرية الوادعة التي يمتهن أهلها الزراعة منذ 80 عاماً، على وقع المأساة حيث يتجمع الرجال تحت شجرة كل صباح لمواساة والد الرهينة، بينما تتضرع الوالدة عبر دموعها من أجل الابن النبيل الذي حمل همومهم قبل أن يبلغ العشرين من العمر، كونه أكبر الأبناء الذكور.
أخطر أماكن العالم.. طوق نجاة
عمل محمد تارة، بائعا متجولا للصحف في شوارع العاصمة الخرطوم تارة، وسائقا للتوكتوك المعروف في السودان بالركشة تارة أخرى، لكن الأعباء التي أثقلت كاهل الأب بعد تدهور الأحوال الاقتصادية دفعته للهجرة عبر الصحراء إلى ليبيا، ذاك المكان الذي رغم خطورته مازال يغازل أحلام من هم على شاكلته في الحصول على طوق نجاة من اليأس والفقر.
انضم الشاب اليافع الى أبناء قريته في منجم “كلمنجا” في المثلث الحدودي بين النيجر وتشاد وليبيا، عاملاً في المحلات التجارية، لكنه كان بين الحين والآخر يتسلل إلى الكفرة الليبية لجلب البضائع، وتوسيع فرص كسبه قبل أن يقع في أسر جماعة مسلحة.
وبعد الأسر، ظهر محمد في فيديو صوره الخاطفون على طريقة أفلام الأكشن، بإضافة مؤثرات صوتية وموسيقى، مع سبعة شباب آخرين مكبلين بالأغلال، يقف خلفهم أشخاص بلباس عسكري مدججين بأسلحة ثقيلة، في مشهد أعاد إلى الاذهان المقاطع المريعة التي بثها تنظيم #داعش بعد انهيار نظام معمر القذافي.
الخاطفون لم يطلبوا فدية
غير أن الخاطفين كما تقول أسر الرهائن ينتمون إلى عشيرة تسكن في الجنوب الليبي ولا يطلبون فدية مالية، بل يرغبون في التفاوض مع مسؤول سوداني رفيع حول أمر لم يفصحوا عنه .
وقد بدا ذلك بطريقة غير مباشرة، عبر مطالبة محمد، حسب أوامر خاطفيه، مسؤولا سودانيا رفيعاً، يدعى عز الدين محمد عبد العزيز، التفاوض معهم من أجل إطلاق سراحه وبقية الرهائن. لكن الخاطفين لم يذكروا هدفا محدداً للتفاوض.
ويشغل الشخص المذكور في الفيديو، بحسب أهل الرهائن منصبا رفيعاً في المخابرات السودانية على صلة بالملف الليبي.
مساومة محتملة..وشكوك في والد محكوم عليه في السودان
في منزله البسيط، استقبلنا والد المخطوف ووالدته واخوانه، وبقية أهل القرية الذين يكافحون منذ أكثر من شهر لإطلاق سراح ابنهم ، لكنهم جميعا بدوا مستسلمين للقدر الذي أوقع بابنهم في الأسر.
إلى ذلك، أفاد الأهل بأنهم لم يتلقوا أي زيارة من مسؤول حكومي، باستثناء اتصال من مسؤول محلي، وعدهم بمتابعة القضية والتواصل مع الجهات العليا لمعرفة ملابساتها.
في حين، بذل عمر أحمد ، خال الشاب المخطوف، مجهودا فرديا عبر اتصالات مضنية بأصدقاء المخطوفين في منجم “كلمنجا” الواقع على حدود النيجر وتشاد وليبيا، وتوصل إلى خيوط يعتقد أنها قادت إلى اختطفاف ابن اخته والآخرين.
وكشف قريب الأسرة أن شابا سودانيا يعمل بمنجم #كلمنجا الذي شهد واقعة الاختطاف، أخبره أن أحد سكان الكفرة واسمه علي يحيى جاء الى المنجم للبحث عن شخص لديه صلة بمسؤولين في الحكومة السودانية لمساعدته في فك أسر ابنه الذي يقبع محكوما عليه بالإعدام في أحد السجون السودانية، لكنه وجد عمال بسطاء وشباب في مقتبل العمر، يعمل بعضهم بالتجارة والآخر في التنقيب عشوائيا عن الذهب.
وفي اليوم الثاني جاء إلى المعسكر واقتاد أحد الشباب إلى مكان مجهول، وبعد أسبوع عاد مع مجموعة مسلحة واختطف شباباً آخرين.
فك “الشيفرة” ولغز الخطف
إلى ذلك، قادت تحريات عمر المضنية إلى منشور على موقع فيسبوك لشخص يدعى عبد الحكيم #بلقاسم يوجه رسالة إلى قاض بمحكمة سودانية أدانت شخصاً ليبيا اسمه محمود أوشي بالإعدام شنقا على خلفية ارتكابه جريمة قتل بحق ثلاثة سودانيين، يعملون في تجارة العملة، لكن بلقاسم الذي عرف عن نفسه بأنه أحد افراد عشيرة اوشي نفي التهمة عنه، وزعم أن مسؤول الملف الليبي في المخابرات السودانية قام بتوريط ابنهم في القضية.
وخلص بحث عمر إلى أن الخاطفين يرغبون في عقد صفقة لتبادل الرهائن مع متهمين ليبيين من #قبائل_التبو في جنوب ليبيا أوقفتهم السلطات السودانية على خلفية جريمة قتل، وأدانتهم بالإعدام شنقا حتى الموت، وأن مصير ابنائهم مرتبط بهذه القضية.
لكن والد المخطوف محمد عبد البافي أرسل رسالة بسيطة ناشد فيها الخاطفين عبر العربية.نت ، قائلاً “إن ابنه ليس لديه أقرباء في الحكومة، وكان قبل سفره يعمل بائعاً للصحف ثم سائقا وسافر من أجل مساعدة أب فقير في إعالة وتعليمهم إخوانه العشر، ولا ذنب له في قضية هو ليس طرفا فيها”.