أزمة إدارة .. لا أزمة حصار
في العالم من حولنا ، قريباً أو بعيداً ، دول فقيرة ، بل أشد فقراً في ناتجها الإجمالي وحجم ميزانياتها السنوية ، لكنها لا تعاني أزمات مستفحلة ومستمرة في توفير السلع الإستراتيجية مثل المحروقات والخبز ، ولا تعاني أزمة في السيولة لدى البنوك ! فما السبب في ذلك ؟
دول فقيرة في جوارنا مثل: إريتريا ، إثيوبيا ، تشاد وأفريقيا الوسطى ، ولكنها تخطت منذ سنوات هذه الحواجز القديمة ، بما في ذلك دول تعيش حروباً مستعرةً منذ سنوات مثل: سوريا وأفريقيا الوسطى، حيث يباع الخبز في الطرقات أكواماً ، دون حاجة للاصطفاف ساعات أمام المخابز، كما هو الحال في الخرطوم !!
سعر الدولار في السوق الموازية يرتفع في السودان بوتيرة أسرع من ارتفاعه في سوريا المشتعلة ناراً .. وصواريخ وبراميل متفجرة ، وجيوش دولية جاءت من أقصى شرق المعمورة إلى أقصى غربها !!
سوء الإدارة هو المشكل الأساسي لكل أزماتنا المتناسلة ، وليس الحصار الأمريكي أو الأوربي أو امتناع مصارف الدول العربية عن فتح المقاصات مع بنوكنا .
في ظل الحصار الأمريكي ، استخرجنا البترول وصدرناه بما يساوي (500) ألف برميل يومياً ، وحصدنا مليارات الدولارات ، وصلت خزائن الدولة وحساباتها الداخلية والخارجية ، رغم أنف الحصار !! فما الذي كان يحدث وما الذي يحدث الآن ؟
ما هذا الضعف والهوان والاستسلام الذي نراه اليوم في مواجهة الأزمات ؟ وإلى متى تظل الدولة واقعة تحت سيطرة مجموعة صغيرة من رجال الأعمال الموالين وغير الموالين ، يديرونها يميناً ويساراً ، وهي واقفة .. لا تسير .. معصوبة العينين !!
ليس هناك صفوف خبز في أفريقيا الوسطى التي تغيب عنها كل سلطات الدولة الطبيعية ، ليس هناك صفوف خبز في الصومال ، فكيف تعود صفوف الخبز والجاز إلى الخرطوم في نهاية العام 2018 ، حيث تجاوزت الأمم موضوعات الخبز والوقود ، إلى ما هو أهم في مدارج التطور المذهل التقني والصناعي والخدمي في كل المجالات ؟!
في جوارنا .. مصر .. وحكومتها مسؤولة عن إطعام أكثر من (100) مليون شخص يومياً (عدد سكان السودان ثلاث مرات) لثلاث وأربع وجبات يومياً ، فهل رأى أحدكم صفاً للخبز في القاهرة في أي سنة من السنوات ؟! هل تصدر مصر بترولاً ؟ هل لديهم كميات من الذهب مثلما اكتشفنا و(هربنا) ؟ هل زرعوا (60) مليون فدان الموسم الماضي مثلما زرعنا ؟ طبعا لا .. لأنهم لا يزرعون أكثر من ستة ملايين فدان فقط ! ورغم ذلك الخضروات والفواكه أرخص عندهم بما لا يقارن بما عندنا !
إذن المشكلة .. مشكلة إدارة .. فكيف يمكننا معالجة هذا الخلل المؤسسي الكبير ؟
كيف يمكننا استبدال مجموعة (أرفعوا الدعم) المتبلدة ، بمجموعة أخرى شعارها (نستمر في دعم السلع الأساسية والخدمات)، ولكن بحلول مختلفة ، وخيارات أخرى غير استجلاب القمح باهظ التكاليف من كندا أو تركيا ، فالعالم مفتوح لمن يرغب دون تدخل أصحاب المصالح و(الكوميشنات) .
الهندي عزالدين
المجهر