الساعة العاشرة والربع في اليوم الثامن من نوفمبر الماضي، كانت موعد تسديد طعنة نافذة في قلب الطالب أمجد البشير (23) عاماً، أمام منزل أسرته بحي الصحافة. الطعنة أزهقت روحه، ووضعت شرطة السوق المحلي في موقف لا يُحسد عليه، لكثير من العوامل التي صاحب الجريمة، أبرزها الظلام الحالك التي وقعت فيه وعدم وجود شاهد ودوافع الجريمة وفجائيتها، كانت مهمة صعبة أوقفت خلالها (200) مشتبهاً وأخلت سبيلهم لاحقاً، قبل أن تلقي القبض على المتهمين الرئيسيين.
حسب مصادر (السوداني)، فإن الساعة العاشرة وعشرين دقيقة، كانت لحظة وقوع أكثر الجرائم غموضاً بدائرة إختصاص قسم شرطة السوق المحلي ووضعته في تحدٍّ كبير، نسبة لشح المعلومات الأولية عن الجناة، وعدم صلتهما بالمجني عليه، الطالب أمجد البشير، لم يكن هناك سوى شاهدين فقط تعلقت بهما آمال الشرطة، وهما شرطي يتبع للسياحة والآثار وسائق.
ذهبت المصادر في حديثها لـ(السوداني) إلى أن شرطة السوق المحلي دونت بلاغها ضد مجهول، وزارت مسرح الجريمة وكان عبارة عن بقع دماء في الأرض أمام واجهة عمارة تجارية سكينة تقطنها عدد من الأسر من بينها أسرة الضحية، الذي أحيلت جثته إلى مستشفى الفؤاد في ذلك الوقت، المسرح كان به هاتف محطم تبين أنه يخص الضحية، وهذا الواقع أفرز غموضاً كثيفاً لكنه أشار إلى أن الجريمة ذات طابع فجائي صاحبته معركة مفاجئة تخللتها مقاومة شرسة من قبل الضحية، هذا ما أكده الشاهد الأول شرطي السياحة، إذ قال إنه كان يعمل على حراسة مطعم مقابل لمسرح الجريمة، وبعد الساعة العاشرة مساء رأى شخصين يتصارعان قرب (مسطبة) ظنه (هظار)، وبمراقبتهما لمح سكيناً قد خرجت من أحدهما وبدأ يسدد طعنات إلى الثاني، فأسرع نحوهما، إلا أن حامل السكين قد فر هارباً، ولم يطارده لأن تركيزه واهتمامه انصب نحو المصاب. الشرطي أضاف أنه نادى بأعلى صوته موجهاً ندائه إلى أعلى العمارة، سمعه شقيق الضحية وقتها فنزل وبدأت محاولات إسعافه إلى مستشفى الفؤاد، اهتمام الشرطي الضحية كان منطقياً في وقت احتفظ في ذاكرته بملامح الجاني وحجمه لكن هذا الاحتفاظ كان لملامح الجاني من الخلف، أما سائق الحافلة فقال إنه رأى الجناة لكنه لم يوضح ملامحهما بصورة جلية.
فريق متمرس!
فريق من شرطة السوق المحلي يرافق الضحية الذي تأكدت وفاته رسمياً داخل المستشفى، بحضور والدته وشقيقه، وهنا تحول الأمر إلى تحد وسباق مع الزمن لدى الشرطة. مع تأكيد الوفاة رسمياً وضح أن السبب طعنة نافذة اخترقت التجويف الصدري ووصلت القلب مع سبع طعنات أخرى، وقتها كان رئيس القسم العقيد عبد اللطيف عوض بلال بالمستشفى، خرج وجمع قواته بالقسم وكانت وقتها الساعة تشير إلى الثانية أو الثالثة صباحاً، بدأت الخطة بتكليف الملازم أول عمر حسن محمد عثمان، قائداً لفريق ميداني قوامه (10) أفراد هم (مساعد سيف الدين الزين – رقيب صلاح عبد الرحمن – عريف داؤود الوسيلة – عريف أحمد زكريا – عريف مزمل عبد الرحمن – وكيل عريف صديق مدثر – جندي خالد صالح – جندي عطية آدم بري – جندي الحاج آدم)، على أن تسند التحريات للملازم أحمد نصر الدين، ومتابعة رئيس فرع الجنايات بالقسم الملازم أول جلال حسن موسى، بإشراف مباشر من مدير شرطة محلية الخرطوم اللواء علي محمد عثمان.
3 فرضيات!
المصادر كشفت للصحيفة عن أن الخطة الأولية لكشف الغموض انحصرت على ثلاثة فرضيات، الأولى منها تقول إن الجريمة ذات طابع أخلاقي نظراً لطريقة تنفيذها الانتقامية وعدد الطعنات، فيما أشارت الفرضية الثانية إلى أنها ذات بعد يتصل بالمخدرات نسبة لعمر الضحية وهو شاب، وكانت الفرضية الثالثة والأخيرة، هي دافع السرقة، لكن ربما استبعدت التحريات بعض الشيء الأولية الفرضية الأخيرة نسبة لوجود هاتف الضحية بمسرح الجريمة، وتأكيد أو إثبات هذه الفرضيات كان لا بد من إخضاع أسرة الضحية لتحريات، شرطة القسم استدعت أفراد عائلة الضحية وأخضعتهم لتحريات مكثفة وشفافة عن حياة ابنهم وعلاقاته في إطار الأسرة والحي وامتدت التحريات داخل الجامعة التي يدرس فيها، التحريات خلصت إلى أن جميع النتائج كانت تؤكد أن الضحية كان شاباً مستقيماً ليس له خلافات مع أشخاص بجانب أنه صاحب سيرة خالية من أهواء الشباب على النطاقين الأسري والجامعي، هذه المعلومات جعلت الشرطة تستبعد الفرضيتين الأوليَيْن (أخلاقي – مخدرات)، وحصرت تحرياتها حول الدافع الثالث (السرقة).
قبض عشوائي!
المصادر استرسلت في حديثها لـ(السوداني)، أن الشرطة قطعت بأن الدافع الأساسي للجريمة هو (السرقة)، لذلك بدأ فريق الميدان عمليات حسب توجيهات مدير شرطة المحلية ورئيس القسم، على أن ترتكز على توقيف معتادي الإجرام بدائرة الاختصاص التي تكتظ بمعتادي الإجرام والمشردين نسبة للموقع التجاري لدائرة اختصاص القسم الذي يغطي أربعة أحياء سكينة فقط لكنها مكتظة بالمتاجر والأسواق المتعددة التي تشهد إقبالاً جماهيرياً كبيراً، فضلاً الميناء البري وتعدد أندية المشاهدة بالمنطقة، هذا الأمر فرض تزايد كبير لمعتادي الإجرام الذين يمارسون السرقة والنهب وتسبيب الأذى الجسيم، لذلك شن الفريق العمل حملات متواصلة أفضت للقبض على (200) شخص بين معتاد ومشرد، وضعتهم الشرطة بحراساتها وفقاً للمادة (69) وتفسيرها (الإزعاج العام)، لكنها أخضعتهم بصورة غير مباشرة لتحريات تتعلق بالجريمة، مع عمليات تطابق لأوصاف المشتبهين مع أوصاف الشاهد الأول الشرطي، وهذه خلصت إلى تطابق أوصاف (86) منهم أوَّليَّاً، هؤلاء قيدتهم رسمياً في سجلاتها لكنها عادت واستبعدتهم من إلصاق التهمة وسلمتهم إلى شرطة أمن المجتمع حتى لا تعيد القبض عليهم مرة أخرى، لكن كل هذا بعد أن لاحظ فريق التحري بقيادة رئيس القسم لاختفاء (6) معتادي إجرام متخصصين في النهب والسرقة بدائرة الاختصاص منذ وقوع الجريمة وحتى لحظة القبض على المشتبهين.
عمليات بحث جديدة!
المصادر قالت إن فريق البحث والتقصي بدأ رحلة بحث جديدة، لكنها هذه المرة في نطاق ضيق لأشخاص محددين، وهم ستة معتادين اختفوا منذ وقوع الجريمة عن دائرة الاختصاص. الفريق جمع معلومات دقيقة عنهم، لكن الوصول إليهم كان صعباً للغاية، هذا ما عزز الاشتباه فيهم لدى الشرطة، وجعلها أكثر حاجة لتوقيف أحدهم. عمليات البحث استغرقت أياما طويلة وربما ولدت تساؤلات لدى أسرة الضحية وبعض المحيطين بالحادثة عن فشل الشرطة في توقيف الجاني أو الجناة، فضلاً عن الصمت الذي مارسته خلال عملياتها.
أول متهم!
المصادر واصلت حديثها للصحيفة قائلة في عصر يوم (29) من الشهر الماضي كان الميداني يضرب موعداً لأول خيط قوي يشير إلى وجود أحد المختفين الستة بالسوق المركزي، انطلق الفريق ونجح في القبض عليه، وهو (م) أحد معتادي الإجرام المعروفين بالمنطقة، يقيم بحي دار السلام بجبل أولياء، لكنه سرعان ما قال إنه كان مريضاً يرقد منزله لفترة طويلة، اقتادته إلى القسم.. وماذا قال.
المفاجأة!
ربما لم تصدق الشرطة نفسها وهي أمام متهم رئيس في أكثر الجرائم غموضاً في دائرتها، هذا حسب المصادر. المتهم (م) أخضعته شرطة القسم لتحريات ذكية استخدمت فيها أساليب تحرٍّ متقدمة جعلت المتهم ينهار ويقول: (في يوم الحادثة، كنا أنا و(ص) بأحد أندية المشاهدة خرجنا واتفقنا على أن نذهب إلى الشارع ونسرق (أي حاجة)، وأثناء سيرنا رأينا شاباً يجلس على مسطبة) وأشار إلى مكان الجريمة، وأضاف: (رأيناه يتحدث بالهاتف، واتفقنا على أن آتيه أنا من الخلف و(ص) من الأمام، أنا أخنقه و(ص) يخطف الهاتف، وبالفعل تقدمنا وعند وصولها نفذنا ما اتفقنا عليه، لكن الضحية قاومنا وألقى بي أمامه بقوة لكني عاجلته ببونية في وجهه جعلته يترنح، ناحية (ص) فأمسك به بقوة ووقتها الاحظت أن شرطياً يجلس في الاتجاه المقابل يتقدم ناحيتنا، فأطلقت ساقي إلى الريح دون أن أسدد طعنات للضحية، وأثناء ذلك رأيت (ص) يشهر سكينه ويسدد طعنات للضحية لأنه كان ممسكاً به بقوة، وكان الشرطي قد اقترب منهما). المتهم الأول واصل حديثه حسب التحريات: (إلتقينا في صباح اليوم التالي بالسوق المركزي ووقتها علمنا أن هناك شاباً قُتِلَ ليلة أمس، ومن هنا أنا ذهبت إلى منزل أسرتي بدار السلام و(ص) ذهب إلى منزل والدته بتعويضات مايو).
مفاجأة ثانية!
حسب معلومات (السوداني)، فإن عملية اعتراف المتهم الثاني (ص) لم تكن بالعملية السهلة، رغم سرعة القبض عليه في مداهمة لمنزل والدته بمايو عند الساعة الثانية ظهراً في اليوم الأول من الشهر الجاري. (ص) الذي يعتبر معتاداً معروفاً كان عنيداً بعض الشيء، عرضته الشرطة على الشرطي الشاهد الأول في طابور استعراف بين تسعة أشخاص فلم يجد الشاهد صعوبة في التعرف عليه في كل مرة حسب استراتيجية الطابور، بيد أنه أنكر صلته جملة وتفصيلاً بالواقعة، ونفى علاقته بالمتهم الأول، إلا أن فريق التحري كان ذكياً في التعامل مع حالته، وواجهه بسيل من المعلومات والأدلة جعلته يقر مبدئياً ويدلي بمعلومات عن الحادثة حتى انهار وأكد أنهما قتلا الضحية، وأكد كذلك على كل ما قاله المتهم الأول (م) في اعترافاته، لكنه نفى بعض الأفعال، التي أسندت له من قبل شريكه، وبقيت نقطة خلاف بينهما في أنه سدد طعنات للضحية وحده، أم أن (م) أيضاً سدد له طعنات، كما أقر وأرشد على أداة الجريمة (السكين). وقاد الشرطة إلى مكان يخبئه فيها أسفل (مرتبة) داخل عمارة بالسوق قريبة من السوق المركزي، وعثر معها على فانيلا بها آثار دماء بشرية أرسلتهما الشرطة إلى المعامل الجنائية لتأكيد تطايق الدماء مع دماء الضحية.
المصادر واصلت كشفها للمثير حول جرمية قتل الطالب الجامعي أمجد البشير، قائلة إن بعض اعتراف المتهمين عند التحريات كان لا بد من الإسراع بتسجيل اعترافات قضائية، وبالفعل أقرا قضائياً أمام القاضي بارتكابهما الجريمة.
صحيفة السوداني.