سياسات احتكار الذهب من قبل بنك السودان المركزي قُوبلت بالاستنكار مراراً من المصدرين والصاغة والتجار والمُتعاملين في المجال وشركات التصدير، بجانب الاقتصاديين، لجهة عدم نجاح السياسة في الحد من نشاط عمليات التهريب، إضافة إلى ارتفاع معدلات التضخم بضخ المركزي للنقود في مقابلة شراء الذهب من المعدنين، فضلاً عن استمرار ارتفاع أسعار الدولار فهل ستنجح خطوة تحرير صادر الذهب في إيقاف التهريب وتوفير موارد النقد الأجنبي؟
ماذا قالت الشعبة؟
مؤخرا نشطت شعبة صادر الذهب باتحاد الغرف التجارية في إعداد خطة لصادر الذهب وتسليمها لرئيس مجلس الوزراء لتأتي استجابته سريعا بعد الاطلاع على الخطة بفتح صادر الذهب. فما أن حل أمس الأول حتى أعلنت الشعبة موافقة رئيس مجلس الوزراء من خلال اجتماعه بهم تحرير صادر الذهب، وفتحه أمام جميع الشركات بعد موافقة بنك السودان المركزي وشعبة مصدري الذهب.
رئيس شعبة مصدري الذهب عبد المنعم الصديق عالم يذهب في حديثه لـ(السوداني) أمس، إلى أن تحرير الذهب يمنع التهريب بما يصب في صالح خزانة الدولة وتحسين ميزان المدفوعات وزيادة احتياطيات بنك السودان المركزي من العملات الصعبة بجانب العمل على تلبية احتياجات البلاد من السلع الاستراتيجية وخفض سعر الصرف.
خطة المصدرين
عالم كشف عن ملامح الخطة الخاصة بصادر الذهب التي سلمت لرئيس الوزراء، مشيرا إلى أنها ترتكز على محاربة التهريب وإدخال الفاقد من الذهب عبر التهريب إلى دائرة الاقتصاد السوداني بما يمثل دعما لميزان المدفوعات عوضا عن تسرب الذهب إلى دول الجوار، بجانب التحرير من القيود والرقابة الأمنية التي أفقدت المعدنين الثقة للوصول إلى مجمع الذهب الذي كان يمثل سوقا حقيقيا لكل السودان وبعض الدول الإفريقية.
وأكد رئيس الشعبة محاسبة منتجي الذهب بالسعر العالمي وتوريد الحصائل كذلك بالسعر المجزي للدولار، وأضاف: الاتفاق الموقع بيننا ورئيس مجلس الوزراء ينص على حصول الشركات على ترخيص من بنك السودان المركزي وتزكية من شعبة مصدري الذهب، ويتم إجراء صادر الذهب عن طريق بنك السودان المركزي واستخدام استمارة صادر الذهب (اي اكس قولد)، على أن يتم بيع حصيلة صادر الذهب لبنك السودان المركزي عن طريق الدفع المقدم بالسعر الساري في السوق.
تقييم الخطوة
اقتصاديون يرون أن الخطوة جيدة لكنها لا تُغني عن إنشاء بورصة الذهب، منوهين إلى أن فتح الصادر يتيح للقطاع الخاص شراء الذهب بأموال حقيقية من داخل النشاط الاقتصادي بالبلاد ليتم توظيف الحصيلة في استيراد السلع الضرورية. ويذهب الخبير الاقتصادي د.محمد الناير في حديثه لـ(السوداني) أمس، إلى أن بنك السودان لن يحتاج بعد الآن إلى طباعة عملة ورقية بكميات كبيرة لشراء الذهب، لافتاً إلى أن تدوير الأموال سيكون حقيقياً بما يسمح للبنك المركزي التفرغ لرقابة الجهاز المصرفي وتوفير السيولة وإعادة الثقة في المصارف وتهيئة المناخ للدفع الإلكتروني مطلع العام المقبل، وأضاف: الخطوة ستزيد من حصيلة النقد الأجنبي وتقليل عمليات التهريب، لكن لا بد من إنشاء بورصة للذهب تجمع كل الشركات التي تعمل في مجال الذهب، داعياً إلى أهمية وجود استقرار في السياسات خاصة للذهب بجانب وجود عقوبات مشددة للشركات التي لن تلتزم بصادر الذهب ودخول الحصائل جراء تصديره.
ويرى وكيل وزارة المالية الأسبق د.الشيخ المك في حديثه لـ(السوداني) أمس، أن الخطوة تُخفِّفُ العبء على الخزانة العامة لقيام بنك السودان في السابق بدعم أسعار شراء الذهب بمبالغ كبيرة فضلاً عن تقليل الآثار التضخمية الناجمة عن عملية الشراء والاحتكار وزيادته للعائد على البلاد من النقد الأجنبي بجانب تمكينه القطاع الخاص من بيع وشراء الذهب والاتجار فيه لصالحه.
حرفية عالية
من جانبه أكد المُحلِّلُ الاقتصادي د.هيثم فتحي في حديثه (السوداني) أمس، أن الخطوة من شأنها السيطرة على سوق الذهب مما يُساعد على دعم الاقتصاد الوطني بمختلف قطاعاته وتزيد من معدلات الصادر للذهب، كاشفاً عن أن الانسحاب من عمليات شراء الذهب سيساعد على ثبات سعر الصرف مقابل الجنيه السوداني على أن يقوم البنك المركزي بدوره الرقابي فقط على تجارة وتصدير الذهب، مبيناً تمتع تجار ومصدري الذهب بحرفية عالية في مهامهم مقارنة بما يفعله الموظفون الحكوميون، منوها إلى أن تصدير الشركات للذهب سيخفض الدولار في السوق الموازي بنسبة كبيرة لأن مهارات التجار في البيع والتنافس ستسد احتياجات المستوردين من العملات الحرة، وقد تتسبَّب في إغراق السوق الموازي بالدولار، مما يخفض عجز الموازنة والدين العام من خلال استكمال إصلاح منظومة الدعم وترشيد الإنفاق الحكومي وخفض الواردات خاصة الاستيراد العشوائي وزيادة الصادرات وتشجيع الاستثمار المحلي والأجنبي.
وأكدت شركة الموارد المعدنية (الذراع الرقابية لوزارة المعادن والنفط والغاز) في أكتوبر الماضي، أن إنتاج البلاد من الذهب بلغ 78 طناً في أول تسعة أشهر من العام الحالي، بما يفوق توقعات الحكومة بنحو 12%، مشيرة إلى أن التحصيل والإيرادات المدرجة في ميزانية الدولة تحققت بنسبة 97% رغم التحديات الكبيرة التي واجهت قطاع التعدين بسبب الظروف الاقتصادية.
وتقول الحكومة إن معظم كميات الذهب يجري تهريبها إلى خارج البلاد، مما يحرم البنك المركزي من موارد للعملة الصعبة تحتاج إليها البلاد بشدَّة على الرغم من ازدهار قطاع التعدين في السودان خلال السنوات الأخيرة.
ويأمل السودان في وضع حد لعمليات التهريب من خلال مراجعة آلية الشراء وضبط الأسعار بما يتوافق مع السعر في السوق العالمية. ويُقدَّر إنتاج البلاد السنوي بنحو 107 أطنان فيما تقول جهات أخرى أن إنتاج الذهب يتجاوز ٢٠٠ طن إلا أن كميات كبيرة منه تهرب إلى الخارج.
صحيفة السوداني.