بخطوات ثقيلة اخترق رجل ستيني، صفَّاًَ طويلاً لمواطنين أمام مخبز بالحاج يوسف، وهو يحمل بيمينه عصا يتوكأ عليها، وفي شماله “كيساً” شفَّافاً يظهر بداخله كرت تأمين علاجي وروشتات طبية صرفها له طبيب عمومي بمركز علاجي على بعد أمتار من المخبز.
عندما وصل الرجل إلى منفذ البيع التفت إلى المصطفين قبل أن يطلب حصته من الرغيف، وقال بصوت غير مسموع “يا اخواني عمَّكُم كبير ومريض أسمحوا لي أشتري قبلكم”.. بلسانٍ واحد ردَّدَ معظم المنتظرين في الصف: “فضل يا عم”.
تجدد الأزمة
هذا المشهد يتكرَّر بصورة شبه يومية في صفوف “الرغيف، الوقود، النقود” ومؤخراً بداخل صيدلية الإمدادات الطبية المركزية بضاحية السجانة؛ حيث يقصدها المئات يومياً لشراء الأدوية، لخفض قيمتها عن الصيدليات التجارية بنحو 47%..
وتجدَّدت أزمة الخبز خلال اليومين الماضيين، في عدد من أحياء العاصمة الخرطوم، بعد أيام من تعهد الحكومة بمضاعفة الجهود لإحكام الإدارة والتنسيق لضمان عدم تكرار الأزمة.
ورصدت “السوداني” أمس، اصطفاف العشرات في طوابير أمام المخابز المنتشرة في أحياء الخرطوم، للحصول على “رغيف”.
ما السبب؟
“والله ما عرفنا ذاتو السبب شنو؟” هكذا ردَّت سيدة أربعينية على امرأة كانت تقف أمامها في صف الخُبز تساءلت عن سبب الأزمة، ولم يكُن أمام السائلة سوى التعليق “ربنا يهون ويسهل علينا”.
تداخلت سيدة أخرى كانت تقف في صفّ النسوة الموازي لصف الرجال قائلة: “الأولاد قطعوا راسنا، كانوا مريحننا من صف الرغيف خلال الأسبوعين الماضيين” في إشارة إلى إجازة الدورة المدرسية، وأضافت “تاني نشتري حصتنا بتاع اليوم كلو عشان ما نجي نقيف في الصف”.
صنوف كثيرة من المعاناة يواجهها المواطنون في الصفوف الطويلة لشراء احتياجاتهم اليومية من السلع الأساسية خاصةً الخُبز، لدرجة حمل البعض كراسٍ صغيرة للجلوس عليها بعد أنباء عن إصابة بعض كبار السن بهبوط جراء الوقفة الطويلة.
مطالب بحل الأزمة
قالت سيدة كانت تقف في صف طويل أمام مخبز، إنها تضطر يومياً للوقوف لنحو ساعةٍ أمام المخبز، للحصول على “رغيف”، مطالبة السلطات بإيجاد حل للأزمة.
بينما قال المواطن ياسر أحمد، إنه قضى 4 ساعات ليل أمس، في صف طويل أمام محطة وقود لتزويد سيارته بالبنزين، وأضاف لـ”السوداني”: “وها أنا أقف الآن في الصف للحصول على قطع من الرغيف”، وتابع “للأسف أصبحنا نقضي نصف يومنا في الصفوف”.
ورصدت “السوداني” لجوء مواطنين إلى شراء كميات كبيرة من الخبز لتفادي الوقوف في الصف لأكثر من مرة بسبب أزمة الرغيف، بالرغم من رفض أصحاب المخابز بيع أكثر من 50 رغيفة للشخص، الأمر الذي جعل البعض يلجؤون للتحايل على ذلك بمنح آخرين مبالغ لشراء خبز بالنيابة عنهم.
وعزا صاحب مخبز بالحاج يوسف، في تصريح لـ”السوداني”، ندرة الخبز بسبب تقليص حصص الدقيق الممنوحة للمخابز، وأضاف “لذلك اضطررنا إلى خفض الإنتاج”.
انسياب الدقيق
بدورها أقرت وزارة الصناعة والتجارة بولاية الخرطوم بوجود أزمة، وتوقعت تجاوزها خلال فترة وجيزة، وكشفت أن استهلاك الولاية من الدقيق يُقدَّر بحوالي (300) ألف جوال أسبوعياً.
وأكد مدير قطاع التجارة والتعاون وشؤون المستهلك بالوزارة عادل عبد العزيز الفكي -وفقاً لتقارير إعلامية- أن آلية مراقبة انسياب الدقيق للمخابز تعمل بشكل مستمر لضمان وصول حصص الدقيق للمخابز.
لكن الأمين العام السابق لاتحاد المخابز بدر الدين جلال، قال إن الحصص الممنوحة للمخابز لم تشهد أي تقليص، مشيراً إلى أن بعض المخابز ضاعفت إنتاجها لمواجهة الطلب الكبير، وأكد في حديثه لـ(السوداني) أن المطاحن تعمل بطاقتها ولم تتوقف.
وكانت مطاحن سين للغلال، أكدت أن مخزون القمح لديها يكفي البلاد لـ(3) أشهر.
وكشف مصدر مطلع بالمطحن، عن توفيرها لـ(50%) من احتياجات البلاد من الدقيق، مشيراً إلى أن لجان توزيع الدقيق بالولايات مستمرة في أداء مهامها عبر الوكلاء، مبيناً عدم وجود مشكلة في هذا الصدد، وأكد المصدر أنه خلال فترة وجيزة ستنتهي أزمة شح الدقيق وتوفر الخبز بالمخابز.
هل تلجأ المخابز للزيادة؟
بالمقابل انتشر في مواقع التواصل الاجتماعي منشور لأحد المخابز مكتوب عليه “إعلان هام.. عملاؤنا الكرام، تم نفاد الدقيق المدعوم والذي يُقدر سعر الجوال بـ 550 جنيهاً، لدينا دقيق تجاري بسعر 1330 جنيه”، وأعلنت عن رفع سعر “الرغيفة” إلى جنيهين اعتباراً من اليوم الثلاثاء.
غير أن الأمين العام لاتحاد المخابز، رفض التعليق على ذلك، لجهة أنه غير مخول له الحديث لحين إعلان نتائج انتخابات الاتحاد.
صحيفة السوداني.