السفير عصام عوض متولي وهو يدلف إلى باحة مجلس الوزراء ليجتمع برئيسه معتز موسى ليتسلم تكليفه رسمياً كأمين عام لجهاز تنظيم شؤون السودانيين العاملين بالخارج صبيحة الأربعاء الماضي، ما شغل تفكيره وضع برنامج فعال لاستعادة ثقة المغتربين في المؤسسة التي تم تسميته مسؤولاً عنها بموجب قرار صادر من رئيس الجمهورية الأحد الماضي.
سد الفرقة
لم يخف متولي ما كان يجول في خاطره وهو يطلق أولى تصريحاته للأجهزة الإعلامية من موقعه الجديد بقوله:” إنه سيولي الإجراءات الهجرية أهمية قصوى خلال الفترة المقبلة “، كاشفاً عن حزمة من الإجراءات سيتم اتخاذها بشكل عاجل لتحفيز المغتربين وإعادة الثقة بين الجهاز والمغترب عبر العديد من المشروعات التي سيتم الإعلان عنها في القريب العاجل.
وتراهن الحكومة السودانية على جذب تحويلات المغتربين التي قد تصل لنحو 7 مليارات دولار لسد عجز الميزان التجاري الذي يقدر بنحو 5 مليارات دولار.
الخبير الاقتصادي د. محمد الناير يذهب في حديثه لـ(السوداني) إلى أن تحفيز المغتربين وبناء الثقة لتحويل مدخراتهم عبر القنوات الرسمية قد يوفر من 6-8 مليارات دولار، ويضيف الناير صحيح أن هناك تحويلاً بالعملة الحرة وهذا أمر جيد ولكنه موجود منذ ثلاث سنوات بمنشور من بنك السودان لا جديد فيه ولكن لا حديث عن تمويل عقاري للمغتربين ولا استثناء عن تمويل عقاري وما تزال به الكثير من التعقيدات المرتبطة باعتبار التكلفة، مؤكداً أن الأمر يحتاج لحوافز حقيقية مثل الإعفاءات الجمركية لسيارة أو غيرها.
مهارات وخبرات
متولي المولود في العام 1962م بمدينة الخرطوم بحري، يدرك جيداً بحكم خبرته في السلك الدبلوماسي متنقلا في أروقة وزارة الخارجية لنحو عقدين من الزمان بين الإدارات الداخلية من إدارات مصر والصين وإدارة تنمية الموارد البشرية، وصولاً للانتظام في محطات خارجية كان أبرزها إرتريا كنائب للسفير طاوياً سنوات من العداء في مطلع الألفية امتدت لخمس سنوات نجح عبر دبلوماسيته ولغته (التكرنجية) -اللغة الرسمية لدولة إرتريا-ويجيدها إلى جانب الإنجليزية، قبل أن يترقى إلى درجة سفير بحلول العام 2009م.
متولي يمتلك خبرة جيدة عن أوضاع السودانيين بالخارج الذي تشير بعض التقديرات إلى أن عددهم نحو 7 ملايين منهم (2 مليون مهاجر بصورة غير نظامية)، حيث عمل متولي كقنصل عام بدولة الإمارات التي تشهد ثاني أكبر وجود للسودانيين في الخارج ثم نائباً للسفير، كما عمل سفيراً في الجزائر، فيما درس في المغرب ووفقاً لسيرته الذاتية فقد حصل على البكالوريوس من جامعة الحسن الثاني في القانون العام، وقد أظهر اهتماماً بالقوانين الدستورية في عدد من الدراسات والبحوث.
لاحقاً اتجه لدراسة العلوم السياسية ليحصل على الدبلوم العالي والماجستير في جامعة أم درمان الإسلامية، بينما أكمل رسالة الدكتوراه عبر دراسة عن (قرارات مجلس الأمن تجاه السودان خلال ربع قرن)، إلا أن انشغالاته حجبته عن مناقشتها وإكمالها.
متولي قبل التحاقه بالخارجية في العام 1996م تنقل بين العديد من الوزارات كمدير مكتب استناداً على قدرة عالية من الانضباط التنظيمي والإداري ومتسلحاً بعدد من الدورات المتخصصة في مهارات الوظيفة ليتنقل بين عوض الجاز إبان توليه رئاسة مجلس الوزراء ولاحقاً في الطاقة، قبل أن ينتقل لمكتب النائب الأول لرئيس الجمهورية السابق علي عثمان محمد طه، وساهمت هذه المواقع في صقل مهارة متولي وخبرته السياسية والدبلوماسية لا سيما وأنه كان حاضراً ضمن مفاوضات سلام جنوب السودان من نيفاشا الكينية ونيويورك وحتى أوسلو في مؤتمر المانحين، فضلاً عن تجمع الساحل والصحراء.
تحديات ومهام
متولي يأتي لموقعه كأمين لجهاز المغتربين في ظل أزمة ثقة حقيقية بين المؤسسة والسودانيين بالخارج حتى أن البعض دعا لتقليصها وجعلها إدارة بوزارة الخارجية، بالرغم من محاولات المؤسسة في أوقات سابقة لتقديم العديد من الخدمات وأبرزها التمويل العقاري بعد نجاحهم في فك التمويل المصرفي لمشاريع المغتربين السكنية عند عودتهم للبلاد، أو خلال إقامتهم خارج أوطانهم، بل وشرعت في توقيع عقد مع شركة ماليزية للاستفادة من خدماتها في مجالات التطوير العقاري، وتنفيذ المشروعات الأخرى لصالح المغتربين والسودانيين العائدين، وستموّل الشركة الماليزية مشاريع إسكان المغتربين السودانيين من جملة رأس المال الخاص بالشركة الذي رصدته للاستثمار في السودان في مختلف المجالات، والبالغ نحو 10 مليارات دولار.
ووفقاً للعقد ومذكرة التفاهم، ستطرح الشركة الماليزية 6 مشروعات بينها مشروعان للمغتربين بتقنيات جديدة تسهم الشركة بها في إعادة وتعزيز الثقة بين المغترب والدولة، وتجسير الفجوة بين الخدمات التي ستقدمها والخدمات التي تقدمها لهم الشركات الأخرى بالخارج، كما يتضمن العقد استعداد الشركة لإنشاء مجمعات سكنية بكامل التقنيات والخدمات لجذب وإدماج المغتربين السودانيين.
وطرح بنك السودان المركزي في مارس الماضي ضوابط فك التمويل العقاري لشريحة المغتربين السودانيين العاملين بالخارج، وهو القرار الذي تنتظره سوق المقاولات والإسكان في السودان، منذ إيقاف تمويل البنوك المحلية لمشاريع التطوير العقاري والإسكان عام 2004، ما ترك أثراً بالغاً في سوق العقار في البلاد، ورفع التكلفة، وسعر المتر إلى مستويات قياسية عالمية، فيما تشهد أسواق البناء والمقاولات ومشاريع إسكان محدودي الدخل في السودان حالياً، تحديات كبيرة في ارتفاع أسعار مواد البناء والمقاولات بعد الزيادات في أسعار السلع الأساسية والاستهلاكية ومواد البناء مع بداية تطبيق ميزانية 2018 في يناير الماضي، والتي تضمنت زيادات في أسعار الدولار الجمركي وتخفيض قيمة الجنية السوداني أمام الدولار بنسبة 300%.
يجد متولي نفسه غداً في برنامج التسليم والتسلم مع سلفه كرار التهامي الذي ابتدر المشروع ولم يسمح له الوقت بإكماله في حاجة لمعرفة تفاصيل المشاريع التي من شأنها أن تحدث تغييراً في علاقة المؤسسة بالمغتربين لاستعادة ثقتهم وخدمة برامج الحكومة عبر جذب تحويلات المغتربين لاسيما مع الاستقرار النسبي لسعر الصرف وسعي الخرطوم لفتح قنوات للتبادلات المصرفية مع دول الخليج وبقية أنحاء العالم إلا أنهم سيصدمون بأزمة السيولة.
ملفات أخرى سيجدها متولي على طاولة سلفه أبرزها ملف نقل المعرفة وبناء القدرات والخبرات السودانية بالخارج، وإنشاء الصندوق الوطني لدعم العودة والآلية الوطنية لحماية السودانيين بالخارج، إلى جانب مجهودات جهاز المغتربين وآلياته في التواصل مع الجاليات السودانية بالخارج ورعايته لها واهتمامه بالجيلين الثالث والرابع من المهاجرين السودانيين عبر مناشطه المختلفة.
الخرطوم: محمد عبد العزيز
صحيفة الصيحة.