-1- ما يستحقُّ عليه السيد بدر الدين محمود وزير المالية الأسبق، الشكرَّ والتقدير التاريخي، إنجازُ التحوُّلِ المالي الأكبر في ضبط دورة المال الحكومي، عبر فرض التعامل بأورنيك 15.
كثيرون وقتها كانوا يظنُّون أن بدر الدين سيسحب يده من المشروع ويُرخي بصره ولو بعد حين.
لا سيما بعد اكتشاف أن جهات نافذة ، لا ترغب في الإحكام المالي الذي يحدّ من تغولها وفسادها، بإغلاق المواسير السرّية.
بقُوّةِ إرادة وعزم وتصميم ودعم كبير من قيادة الدولة، أصبح أورنيك 15 حامياً ومانعاً رقابيّاً يصعب تجاوزه.
-2-
أكاد أكون على ثقة أن رئيس الوزراء معتز موسى سينجز ما وعد: خلال خمسين يوماً لن يكون هناك تعاملٌ بالكاش في المُؤسّسات الحكومية، على الأقل في الخرطوم وعواصم الولايات.
هذه الخطوة تأخرت كثيراً، وكان على الحكومة اتخاذها قبل أن تَفرضَ سيطرتها القهرية على السيولة النقدية بإجراءات تعسفية.
إجراءاتٌ أربكت مجمل النشاط الاقتصادي، وهدَّدَتْ أرزاق المواطنين وأفقدت الثقة في النظام المصرفي، وأصبح ما يخرج من الأموال لا يعود.
-3
كان على الحكومة إكمال شبكة التعاملات الحكومية والضرورية الإلكترونية، قبل إنفاذ سياسة السيطرة على الكاش، فإذا أغلقتَ باباً افتحْ منفذاً لمرور الرياح.
كان عليها أن تبدأ بنفسها، في تنظيم السيولة النقدية عبر التعاملات الإلكترونية، قبل أن تُلزم الآخرين، وألا تضع العربة أمام الحصان وتبدأ التعقيم أثناء إجراء العملية!
لا أعرف من ذلك العبقري الذي توقع أن تسير الأوضاع بشكلٍ طبيعي إذا وضعت الدولة يدها على الكاش وحَجَبَتْه عن المواطنين، ولم تُوفِّر لهم بدائل لإنجاز تعاملاتهم الضرورية، عبر نقاط الدفع الإلكتروني؟
-4-
أكثر من 1940 معاملة، منها مائتان هي معاملاتٌ ضرورية ومُلحّة، لا توجد سوى 50 معاملة فقط يمكن أن تتم عبر نظام الدفع الإلكتروني!
الحكومة تعلم أن الشيكات لا يطمئنُّ إليها غالبُ الناس، بارتداداتها المُتكرِّرة وكثرة ضحاياها ومُحتاليها.
حجبُ السيولة النقدية وقلَّةُ نقاط التعاملات المالية الإلكترونية، أنتج واقعاً اقتصاديَّاً شائهاً ومُشوَّهاً.
بدلاً عن أن تكون المشكلة وجود سعرين للدولار، أصبحت ازدواجية الأسعار في غالب التعاملات.
والأخطر والأسوأ، تحوُّل النقود إلى سلعة ذات إغراء عال، فتحت باب الغوايا أمام شيطان الربا!
-5-
لبَّينا أمس، دعوة كريمة من المهندس محمد عبد الرحيم مدير المركز القومي للمعلومات، وأطلَعَنا بكل شفافية ووضوح على واقع مؤسسات الدولة واستعدادها لإكمال مشروع الحكومة الإلكترونية.
منذ 2001، ظللنا نسمع عن مشروع الحكومة الإلكترونية، ونتلقَّى مع كُلِّ مدير جديد وعوداً بقرب اكتمال المشروع!
كان سؤالي المباشر: هل المؤسسات الحكومية جاهزة لتنفيذ وعد رئيس الوزراء بألا تتعامل بالكاش خلال العام القادم؟!
تحدث الرجل بثقة وتفاؤل، رغم إقراره بوجود مشكلات وعقبات ذكر بعضها، ولكنها في رأيه قابلةٌ للتجاوز.
رغم إلحاح الصديق مزمل أبو القاسم ومطالبته بكشف أسماء الجهات المُمانعة لتنفيذ سياسة الدفع الإلكتروني، لكنَّ المهندس عمر امتنع عن ذلك.
المؤسف والمؤلم، أن المعلومة التي يعرفها الجميع، أن جهةً سياديةً مثل وزارة الداخلية غير راغبة أو قليلة الحماس لتنفيذ مشروع التعاملات المالية الإلكترونية.
-أخيراً-
أكثر من صوتٍ في لقاء الأمس دعا الحكومة للانتقال من (التحنيس) إلى الإلزام، وأظنُّ ذلك ما سيفعله معتز.
ضياء الدين بلال