وضعت وزارة الخارجية في الخرطوم الملف على الطاولة، وبدأت المرحلة الثانية من الحوار مع واشنطن،
بهدف رفع اسم السودان من قائمة الدول الراعية للإرهاب، بعدما أنجزت الخرطوم العديد من الملفات المهمة، من بينها دعم السلام الإقليمي برعاية توقيع سلام جنوب السودان.. إلا أن مطلوبات جديدة وضعت على كف الخرطوم في سلسلة قد تطول ولا تحسم.. في وقت أصبح فيه الرئيس ترامب أمام بيئة سياسية جديدة بشكل جذري، بفوز الديمقراطيين في الانتخابات النصفية للكونغرس الأمريكي .. إلا أن ثمة تفاؤل حذر للغاية ترصده أعين مراقبة حيال الملف والبت فيه.. إلا أن حائط الحذر قد يطول..
قراءة الملف تشير الى أن نتائج الانتخابات النصفية لمجلسي الكونغرس الأمريكي، الشيوخ والنواب سوف تؤثر بشكل كبير على السياسات الأمريكية تجاه الشرق الأوسط بشكل عام، وقياساً ستكون الإدارة الأمريكية بقيادة ترمب أمام خيارين، إما أن تعدل مواقفها من القضايا المرتبطة بالشرق الأوسط عموماً والمنطقة، او تدخل في مواجهة مع مجلس النواب الذي قد يضطر الى ممارسة ضغوط على تلك الإدارة في ما يتعلق بسياساتها تجاه المنطقة، ويشمل هذا الاتجاه ملفات أخرى فاعلة في المسرح الدولي مجالها الأكبر الشرق الأوسط.
ويتوقع أن يهتم الديمقراطيون بملفات داخلية ظلت تشغل الرأي العام الأمريكي، من بينها التدخل الروسي في الانتخابات الأمريكية وتحقيقات مولر بشأنها وقضايا داخلية أخرى، وعلى مستوى الخارج فإن هناك ملفات عاجلة تفرض نفسها بقوة من بينها الحرب في اليمن وملفي إيران والصين، ما يقلل فرص وضع الملف السوداني قيد الاهتمام العاجل، لاعتبارات تخص الإستراتيجية الأمريكية تجاه السودان التي ظلت ثابتة الى حد كبير خلال العشرين سنة الماضية مع تعاقب إدارات الحزبين الديمقراطي والجمهوري، وتلك هي العقبة الكؤود في الملف، ضعف اهتمام الساسة والمشرعين معاً بالملف السوداني، بسبب انعدام مصالح اقتصادية وإستراتيجية كبيرة يمكن أن تتضرر منها واشنطن بشكل كبير، لذلك ظلت سياسية الضغط المشروط بهدف الحصول على تنازلات وتغيير السلوك هي السمة الملازمة لإستراتيجية واشنطن تجاه الخرطوم، رغم إحراز التقدم المطلوب في حزمة المسارات الموضوعة، وعليه فإنه لا يتوقع أي انفراج بخصوص رفع اسم السودان من قائمة الدول الراعية للإرهاب، في الوقت الراهن، إلا حال دخول موازنات جديدة من بينها سعي واشنطن لتكوين حلف باسم (حلف الشرق الأوسط العربي الجديد) بُغية مواجهة إيران. وحال التقدم في بناء ذلك الحلف، فإن حوافز مهمة قد تقدم للخرطوم ربما تشمل إزالة اسم السودان من قائمة الدول الراعية للإرهاب، إلا أن عوامل أخرى طارئة أربكت حسابات واشنطن في المنطقة بشأن تكوين الحلف الجديد من بينها المطالبات بوقف الحرب في اليمن التي استحوذت مؤخراً على الرأي العام الأمريكي والغربي معاً وقضايا أخرى.
شروط أمريكية جديدة
ورغم أن الخرطوم ظلت تنظر بعين متفائلة وهي تدخل المرحلة الثانية من الحوار مع الولايات المتحدة الأمريكية بهدف طي الملف ورفع اسم السودان من قائمة الإرهاب، إلا أن مخرجات لقاء وزيري خارجية البلدين بواشنطن الأسبوع الماضي، لم يرضِ طموحها.. اذ أنها تنظر الى ما قدمته من مطلوبات حيال الملف كاف للغاية لإحراز المطلوب إلا أن واشنطن دفعت بقائمة مطلوبات أخرى جديدة. وحسب المتحدثة باسم وزارة الخارجية الأمريكية هيذر ناورت أعلنت إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، استعدادها لشطب السودان من قائمة الدول الداعمة للإرهاب، شريطة تقديم السلطات السودانية مزيداً من الإصلاحات، ووفقاً لبيان دفعت به، دعت الخارجية الأمريكية، الخرطوم، إلى “تعزيز التعاون لمكافحة الإرهاب، وتحسين سجل البلاد على صعيد حقوق الإنسان”. رغم اعتراف واشنطن بالتزام السودان بتحقيق تقدم في مسائل رئيسة.
وربما يرغب منفذو تلك الإستراتيجية التي تتعامل بها واشنطن حيال الملف السوداني في الإبقاء عليه ساكناً في الطاولة مع إدارة عامل كسب الوقت ووضع المزيد من المطلوبات على الطاولة، وهنا تقول واشنطن إنها مستعدة لإطلاق عملية إلغاء تصنيف السودان كدولة راعية للإرهاب إذا تم عقد العزم على الوفاء بجميع المعايير القانونية ذات الصلة، إلى جانب التعاون في مجال مكافحة الإرهاب وحقوق الإنسان، وطلبت الولايات المتحدة من السودان المضي قدماً في حل نزاعاته الداخلية دون ممارسة ضغوط موازية على الأطراف المعنية بتلك النزاعات بما في ذلك السماح بدخول أكبر للعاملين في مجال الإغاثة. ولفت بيان الخارجية إلى أن الولايات المتحدة ترغب أيضاً بالعمل على مواضيع عالقة متعلقة بالإرهاب، إلا أنها لم تشر الى أحد أكبر المطلوبات المتعلقة بالسلام الإقليمي، جهود الخرطوم في إحلال السلام بين فرقاء دولة جنوب السودان، ما يشكك في نوايا واشنطن بشكل كبير حيال الملف.
مسافة واحدة
وعملياً يكاد يكون الحزبين الجمهوري والديمقراطي على بعد مسافة واحدة فيما يخص التعامل مع الملف السوداني، لذلك لا يتوقع انفراج في الملف عقب صعود الديمقراطيين الى كابينة مجلس النواب بالكونغرس، ويمكن الذهاب أبعد من ذلك بالقول إن الديمقراطيين ظلوا أكثر تشدداً في إبقاء السودان على لائحة العقوبات وقائمة الإرهاب التي فرضت في عهد كلينتون بينما أخرج الكونغرس قانون سلام السودان الشامل في العام 2004م عبر لجنة العلاقات الخارجية بمجلس الشيوخ ولجنة العلاقات الدولية بمجلس النواب.. وتواصل ضغط الكونغرس من أجل عرقلة رفع العقوبات عن الخرطوم العام الماضي ورفع مذكرة وقع عليها 53 عضواً من الحزبين الجمهوري والديمقراطي إلى الرئيس الأمريكي دونالد ترامب تدعو الى عدم رفع العقوبات المفروضة على السودان في 12 يوليو 2017. ودعت المذكرة إلى تأجيل رفع العقوبات الأمريكية لمدة سنة أو إلى حين تعيين الإدارة الأمريكية لمبعوث خاص للسودان ولكامل طاقمها في الخارجية والأمن القومي الذى يستطيع أن يحدد بدقة أكثر ما إذا كانت حكومة السودان قد التزمت بمطلوبات رفع العقوبات أم لا.
وأكدت المذكرة أن الحكومة السودانية لا تزال تعرقل وصول المساعدات الإنسانية إلى جنوب كردفان والنيل الأزرق، كما لا تزال تواصل دعمها المنظم لمجموعات العنف غير المشروعة في أفريقيا والشرق الأوسط…
ووُصفت تلك المذكرة بالمسيسة بسبب تقدم الخرطوم في مسارات مطلوبة باعتراف الأطراف المختصة بالملف في الإدارة الأمريكية، إلا أن تلك المذكرة لم تؤثر على قرار الرئيس برفعها في أكتوبر من نفس العام.
إنعام عامر
صحيفة الإنتباهة