ثماني وقفات مع المحتفلين بالمولد النبوي (2/2)

الوقفة الخامسة
إن هذا المولد فيه مشابهة واضحة لدين النصاري الذين يحتفلون بعيد ميلاد المسيح ـ عليه السلام ـ وقد نُهينا عن التشبه بهم ، قال النبي صلى الله عليه وسلم: «ومن تشبه بقوم فهو منهم»

رواه أبو داود والنسائي وابن حبان ومخالفة الكفار فيما اختصوا به من الأصول المهمة في دين الإسلام.
الوقفة السادسة
إن فاعل هذا المولد واقع فيما نهى النبي صلى الله عليه وسلم أمته صراحة عنه، فقد قال – صلى الله عليه وسلم: «لا تطروني كما أطرت النصارى ابن مريم إنما أنا عبد فقولوا عبد الله ورسوله» رواه البخاري، وفي رواية للإمام أحمد في المسند: «ولا ترفعوني فوق منزلتي التي أنزلني الله»، فقد نهى عن تجاوز الحد في إطرائه ومدحه، وبين أن هذا مما وقع فيه النصارى وكان سبب انحرافهم.
وما يفعل الآن من الموالد من أبرز مظاهر الإطراء، وما تشتمل عليه أبيات كثير من المدائح أوضح دليل على الوقوع في هذا الغلو ـ والعياذ بالله ـ مثل قول البرعي في ديوان رياض الجنة واصفاً النبي صلى الله عليه وسلم بقوله:
نجّى لنوح من مياهو ***** وإبراهيم من لظـاهو
جدو إسماعيل فداهو ***** وبيه أيوب نال شفاهو
ومثل القيام لزعم حضوره عليه الصلاة والسلام الذي يردده الختمية «مرحباً يا مصطفى يا مسهلا»، ومثل الأبيات التي ينادي فيها النبي صلى الله عليه وسلم ليشفي المريض ويغيث المكروب، كقول البرعي في ديوانه:
أغثني يا رسول الله إني** مريض الجسم ذو قلب سقيم
وقوله أيضاً:
إليك رسول الله أشكو مصائباً** يضيق لها صدر الحليم المصابر
وترديد أبيات البردة:
يا أكرم الخلق ما لي من ألوذ به *** سواك عند حدوث الحادث العمم
فإن من جودك الدنيا وضرتها *** ومن علومك علم اللوح والقلم
وقول بعضهم:
نور الهدى قد بدا في العرب والعجم *** سعد السعود علا في الحل والحرم
بمولد المصطفى أصل الوجود ومن *** لولاه لم تخرج الأكوان من عدم
والأبيات التي يوصف فيها النبي صلى الله عليه وسلم بأن الدنيا خلقت لأجله، وأن الكون خلق من نوره، وأن آدم عليه السلام توسل به، ولولا النبي لم يخلق آدم ولا تعلم ولم تخلق الجنة ولا النار!!
قال البرعي في ديوان رياض الجنة :
توسل للمولى بجاهه آدم *** فتاب عليه جابراً للخواطر
ولولاه لم يخلق ولم يك عالماً *** بأسماء كل الكائنات الظواهر
ولم تسجد الأملاك بل لا ولم يكن*** له الله في الذكر الحكيم بذاكر
ولولاه لا نار ولم تك جنة *** وما الله للأكوان كلاً بفاطر
وغير ذلك من أنواع الغلو الذي لا يرضاه النبي صلى الله عليه وسلم، فقد حذر أمته من رفعه فوق منزلته ، وإعطائه خصائص الربوبية، ونهى من قال له: «ما شاء الله وشئت» فقال: «أجعلتني لله نداً؟! بل ما شاء الله وحده»رواه البخاري في الأدب المفرد والإمام أحمد والنسائي وابن ماجه وغيرهم.
الوقفة السابعة
إن مما يجهله كثيرون ممن يحتفلون بالمولد أن ولادة النبي صلى الله عليه وسلم في اليوم الثاني عشر من شهر ربيع الأول «أمر مختلف فيه» وهناك أقوال عديدة، بل بعضهم رجّح أن ولادته كانت في اليوم التاسع من شهر ربيع. وأما المتفق عليه: فهو أن النبي صلى الله عليه وسلم قد توفي في يوم الإثنين الثاني عشر من شهر ربيع الأول، وعليه فإن الاحتفال بمظاهره الموجودة الآن والزينات والترانيم والمدائح وغيرها في هذا اليوم مما يقدح في محبة النبي صلى الله عليه وسلم!!
قال ابن الحاج المالكي في كتابه المدخل: «ثم العجب العحيب كيف يعملون المولد للمغاني والفرح والسرور لأجل مولده ــ عليه الصلاة والسلام ــ كما تقدم في هذا الشهر الكريم وهو ــ عليه الصلاة والسلام ــ فيه انتقل إلى كرامة ربه ــ عز وجل ــ وفجعت الأمة فيه وأصيبت بمصاب عظيم لا يعدل ذلك غيرها من المصائب أبداً فعلى هذا كان يتعين البكاء والحزن الكثير وانفراد كل إنسان بنفسه لما أصيب به» انتهى.
قلت: لم يقم صحابته لا بالاحتفال ولا بالحزن «ولو كان فيهما أو في أحدهما خير لسبقونا إليه».
الوقفة الثامنة
لا يخفى أن ساحات المولد تشتمل على كثير من المنكرات، وذلك مما يوجب سخط رب الأرض والسموات، والتي منها: الاختلاط بين الرجال والنساء والشباب والفتيات، حتى أصبح هذا من العرف السائد المنتشر!! لا سيما في ليلة الثاني عشر في تلك الساحات، فأي تلاعب بالدين أعظم من ذلك؟! بل وصل الحال في بعض البلدان إلى شرب الخمور ورقص النساء!! ومن المنكرات: المجاهرة بهذا التفرق والتحزب وكثرة الطرق واختلاف الرايات والشعارات، وكل هذا مما يخالف دين الله تعالى، والواجب أن يكون المسلمون جماعة واحدة مجتمعة على الحق، وطريقة واحدة ليست طرقاً، قال الله تعالى :« وَأَنْ لَوِ اسْتَقَامُوا عَلَى الطَّرِيقَةِ لَأَسْقَيْنَاهُمْ مَاءً غَدَقًاً» وقال الله تعالى: «وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا».
ومن تلك المنكرات الإسراف في إنفاق المال وإضاعته وقد نهينا عن إضاعة المال، وغير ذلك مما أجاد وصفه الشيخ القاضي بالمحاكم الشرعية سابقاً محمد الأمين القرشي رحمه الله في قصيدته التي قال فيها:
مسارح للظباء خرجن فيها ،،، مراتع للخـلاعة والخمـول
وشبـــان يرنحهــم غــرام ،،، بكاسات الصبـا قبل الشمول
يؤمـون المكان بلا حياء ،،، وما أهــــــــوى الجميلة للجميل
يطوف بهــا على الحلقات حتى ،،، يخــــادعها فتخدع بالمثول
عهـود أبرمت ووثيق عهد،،، ينفذ حكمه بعد الــوصــــــول
أفـي عيد النبي يكون هـــذا ،،، ويشهده ذوو الرأي الأصيـــل؟!
وتفعله المدائن كل عام ،،، وتحسبه سيحظى بالقبـول؟!
مصـــائب في بني الإسلام حلت ،،، وفاجعة تجل عن المثيل
وجـرح في فؤاد الدين يدمي،،، أصيب به من الصـاري الطويل
فهـــــــل يرضى الرسول بما فعلنا،،،وقد جئنـا بمعصية الرســول؟!
ويعجبه السكـوت على ضلال،،، تعـاظم خطبه في كل جيل؟!
هذه الوقفات وغيرها مما يبين بجلاء ووضوح أن هذا الاحتفال من البدع المحرمة التي يجب على الناس أن يبتعدوا عنها، وعليهم أن يجتهدوا في الأعمال الصالحة التي ثبتت بأدلة الكتاب والسنة، وليسعنا ما وسع الأوائل.

د. عارف الركابي
صحيفة الإنتباهة

Exit mobile version