قرار بنك السودان المركزي المفاجئ بإعفاء مدير عام بنك الخرطوم الأردني/ الفلسطيني الجنسية فادي الفقيه ذو الـ(51) عاماً من منصبه دون سابق إنذار..
فتح الباب أمام العديد من التكهنات حول مسببات الإعفاء المفاجئ والعاجل، بدليل تجاوز بنك السودان في اتخاذه مشاورة مجلس إدارة بنك الخرطوم نفسه.
إقالة الفقيه المفاجئة أثارت دهشة الكثيرين المهتمين والمتابعين لتفاعلات القطاع المصرفي في السودان، لجهة أنها جاءت والرجل يتواجد في مأمورية خارجية لصالح البنك.
وطبقاً لمعلومات متداولة لم تجد من يعززها لـ(السوداني) أمس، فإن الفقيه يتقاضى راتباً يفوق مبلغ الـ(50) ألف دولار في وقت أوردت فيه تقارير إعلامية أنه يتقاضى مبلغ 20 ألف دولار.. بيد أن المؤكد أن أي راتب أو مبلغ يتقاضاه الرجل، لا يشمل المخصصات الأخرى بالنقد الأجنبي.
الخطوة العاصفة في البنك العريق تزامنت مع ما رشح بوصول رئيس مجلس الإدارة ممثل بنك دبي المساهم في بنك الخرطوم، محمد سعيد وممثلي الملاك الإماراتيين الأحد المقبل للوقوف على مسببات الإقالة واختيار مدير جديد للبنك.
وكشفت مصادر داخلية لـ(السوداني) أمس، عن أن إقالة الفقيه تمت على ذمة تلاعب وتجاوزات في النقد الأجنبي وتورطه في الموافقة على مرابحات صورية سابقة بمئات الملايين من الدولارات لصالح نائب رئيس مجلس الإدارة السابق رجل الأعمال فضل محمد خير، والذي أُطلق سراحه بالتسوية مؤخراً بعد اعتقاله في إطار الحملة الحكومية على الفساد.
تأثيرات فضل:
من جانبه، كشف عضو مجلس إدارة بنك الخرطوم د.صلاح أبو النجا لـ(السوداني) أمس، عن أن إقالة فادي الفقيه تمت بسبب مسألة تخص نائب رئيس مجلس الإدارة فضل محمد خير، لافتاً إلى توقعات بوصول رئيس مجلس الإدارة مندوب بنك دبي المساهم في بنك الخرطوم محمد سعيد يوم الأحد المقبل وبعض الممثلين الآخرين من ملاك البنك الإماراتيين للخرطوم للقاء ببنك السودان المركزي لمعالجة المشكلة والاجتماع لانتخاب مدير جديد خلفاً للفقيه.
أبو النجا نفى إجراء مجلس الإدارة لأية اتصالات بالمدير المقال في مقر إقامته الحالية لبحث التطورات التي حدثت بالبنك وإقالته، رافضاً في الوقت ذاته الخوض في تفاصيل حول حدوث تجاوزات أو مخالفات بالبنك.
في المقابل، أكد مساعد محافظ بنك السودان المركزي السابق محمد أحمد البشرى في حديثه لـ(السوداني) أمس، عدم وجود غضاضة في قرار البنك المركزي بإعفاء مدير بنك الخرطوم، مشيراً إلى أن قانون تنظيم العمل المصرفي يعطي بنك السودان ذلك الحق، منوهاً إلى أهمية التعامل الصارم مع المخالفات والتجاوزات في الجهاز المصرفي من قبل البنوك المركزية عامة بما في ذلك بنك السودان.
كلاكيت ثاني:
وربط بعض المراقبين بين إعفاء المدير العام لبنك الخرطوم فادي الفقيه وبين الحملة التي تبنتها الحكومة على الفساد منذ فبراير الماضي، ويعتبر الفقيه المدير الثاني بعد مدير بنك فيصل السابق الباقر نوري الذي تم اعتقاله في إطار ذات الحملة التي يقودها بنك السودان المركزي بموافقة الرئاسة والأجهزة النظامية بالبلاد وتستهدف مواجهة ممارسات بعض المصارف الكبرى العاملة بالبلاد، والمصدرين وسماسرة العملة، ومن أسماهم الرئيس البشير بـ(القطط السمان) ويشتبه في تورطهم في التلاعب بملايين الدولارات من حصيلة الصادرات والمضاربة بها في السوق الموازي، وهو ما قاد في وقتٍ سابق لحظر نشاط بعض المصارف نهائياً من العمل في مجال التصدير والاستيراد.
فساد بالجملة:
المحلل الاقتصادي د.هيثم فتحي أشار في حديثه لـ(السوداني) أمس، إلى أن إقالة الفقيه ليست الأولى التي يتدخل فيها بنك السودان المركزي بإقالة مدير عام لبنك ولن تكون الأخيرة، خاصة وأن بنك الخرطوم به الكثير من الملفات التي وصلت للجهات المسئولة.
وأوضح فتحي أن البنك المركزي لديه الصفة الرقابية على أي مصرف يعمل بالبلاد، كما أنه حدد وضبط العلاقة بين الإدارة التنفيذية للمصرف ورئيس وأعضاء مجلس الإدارة، منوهاً إلى أن هذه الضوابط بها حماية كافية ليتحمل المدير العام لأي بنك مسئوليته الكاملة عن حقوق المودعين وحقوق أصحاب الأسهم.
فلاش باك:
تتكون عضوية مجلس إدارة بنك الخرطوم من (7) أشخاص بخلاف الرئيس ممثل بنك دبي المساهم الأكبر في البنك، وتضم الإدارة التنفيذية إدارات عدة يرأسها مديرون من جنسيات متعددة أغلبها أردني ـ فلسطيني، حيث يرأس إدارة الخزانة والعلاقات الدولية خالد زاده، ويعقوب الظافر مدير قطاع الشركات، رائد عزب استشاري التسويق، صالح قدري مدير مشاريع تقنية المعلومات، وكاشف النعيم مدير قطاع الأفراد والتمويل الأصغر، فهد الصديق مدير التسويق، عمر المدني مدير العمليات المصرفية، أيمن الشلجاني مدير الفروع، والسوداني/أمريكي: خالد عثمان مدير تقنية المعلومات، فؤاد البهو المدير التنفيذي للعمليات، وحسام المصري مدير الرقابة المالية.
ويرى فتحي أن الكثير من دول العالم تمنع أن يكون مدير عام مصرف داخل حدوده من جنسية أخرى غير جنسية البلد، داعياً لقانون واضح يجبر المصارف والمؤسسات المالية السودانية والاستثمارية على تعيين مديرها العام من السودان، خاصة وأن السودان به الكثير من الكفاءات الوطنية المصرفية وتحديد دورة إدارية للمدير مدتها (4) أعوام قابلة للتمديد لفترة واحدة.
وشدد على أهمية الالتزام بالحوكمة باعتبارها أمراً ضرورياً ومنهاجاً أمثل للمعالجة والوقاية من الأزمات والحد من الفساد المالي والإداري، خاصة وأن نسبة كبيرة من تمويل الاقتصاد تأْتِي من القطاع المصرفي والمالي، فضلاً عن أهمية الإشراف والرقابة اللصيقة من قبل البنك المركزي على المصارف لمنع مثل هذه التجاوزات مستقبلاً.
(غطغطة) مرفوضة:
وأبدى المدير العام السابق لبنك النيلين عثمان التوم لـ(السوداني) تحفظه على إعفاء مدير بنك الخرطوم قبيل الوقوف على حجم المخالفات والتجاوزات التي ارتكبها وأضرارها على الاقتصاد السوداني ومعاقبته عليها بدلاً عما أسماه بـ(الغطغطة) والاكتفاء بإعفائه من منصبه دون محاسبة، وقال إن الإعفاء هو الخطوة الثانية ومن ثم تعيين خلف له من قبل مجلس الإدارة. وألمح التوم إلى ضعف احتمالات و ضمانات عودته للبلاد مرة أخرى لمحاسبته على مخالفاته بعد القرار المتعجل بإعفائه وهو خارج البلاد.
الخرطوم: هالة حمزة
صحيفة السوداني.