عجبت لتصريح سفير دولة جنوب السودان الذي قال – وهو كما أظن – في كامل قواه العقلية : (لا نريد وحدة مع الشمال تجعلنا شعب درجة ثانية)!
التصريح الذي أدلى به السفير ميان دوت لصحيفة الأخبار جاء في إطار إجابة عن سؤال حول إمكانية الوحدة بين الشمال والجنوب والذي قال عنه (هذا أمر صعب للغاية خاصة إذا نظرنا إلى الوحدة التي ينادون بها) وأردف : (وحدة عشان أكون مواطن درجة ثانية؟ ..وحدة لا تجعلني أكون رئيس دولة إلا إذا كنت مسلما؟) مضيفاً (الآن أنا لديّ دولة ذات سيادة لها سفارات وبترول واقتصاد منفصل وغيرها من موارد .. أعود للوراء كي أشحد في الخرطوم لتبني لي مدرسة وشارع)؟.
لم أدهش لكلام السفير الذي عبّر عن نفسه بشجاعة أخرج بها أضغانه القديمة لكنّي استغربت أن تصدر تلك التصريحات المسيئة في هذا الوقت بالذات الذي كان ينبغي أن يكون وقت نثر عبارات التقدير والعرفان لمواقف السودان الذي نجح في رتق فتوقهم وحروبهم وفي إيواء الملايين من مواطنيهم الفارين من جحيم الحرب والجوع والتشرد على حساب خدماته الشحيحة واقتصاده المنهك.
ليت هذه التصريحات تقنع من لا يزال يبكي و(يتنخج) حزناً على فراق أناس لم يُبارح الحقد صدور حتى دبلوماسييهم وفي أكثر الأوقات استدعاء للصمت إن تعذر الثناء والتقدير.
قال سعادة السفير – لا فض فوه – وحدة عشان أكون مواطن درجة ثانية؟ دعني أجاريك أيها السفير وأقر بأنك كنت مواطن درجة ثانية في الشمال، لكن هل نسيت أن الشمالي الذي كان يقيم في الجنوب كان (درجة رابعة) يقدم عليه اليوغندي والكيني وجميع الأجانب؟ إن كان الجنوبي مواطن درجة ثانية في الشمال فقد كان يعيش في الخرطوم آمناً مطمئناً لا يعتدي عليه أحد بينما كان الشمالي في الجنوب يُقتل ويُعذّب وتُصادر ممتلكاته ويُسمى بالمندكورو أي (الحثالة)!
ثم قال السفير :(وحدة لا تجعلني أكون رئيس دولة إلا إذا كنت مسلماً)؟.. وأود أن أسأله : من قال لك إنك كنت ممنوعاً بالدستور أن تكون رئيساً؟ لقد كان ذلك متاحاً لكل سوداني شمالي أو جنوبي، ولكن قل لي بربك هل يمكن للمسلم أن يصبح رئيساً لأمريكا أو ألمانيا أو فرنسا أو بريطانيا) طبعا لا يمكن لأنه لن يُنتخب أصلاً من أغلبية مسيحية وهذه هي الديمقراطية .. كذلك الحال هنا في السودان الذي لا يمكن لغالبية شعبه المسلم أن تنتخب مسيحياً فما هي وأين هي المشكلة؟!
المشكلة تكمن في أن زعيمكم قرنق خاض الحرب لمدة (22) عاماً لكي يهزم القوات المسلحة السودانية ويصبح رئيساً بالبندقية وبقوة السلاح ولكنه فشل في ذلك ثم أصبح بموجب اتفاقية نيفاشا نائباً أول لرئيس الجمهورية فهل قصر معه الشمال حين نصّبه في ذلك المنصب الرفيع ثم حين نصب سلفاكير بعد هلاك قرنق في ذلك المنصب الكبير بالرغم من أنه مسيحي؟!
مبروك عليك دولتك ذات السيادة أيها السفير والتي تستطيع أن تصبح فيها رئيساً، ولكن قل لي بربك : هل يستطيع أحد من غير قبيلة الدينكا أن يصبح رئيساً؟!
لا أريد أن أنكأ الجراح وأتحدث عن الحرب الأهلية التي اشتعلت بين القبائل الجنوبية لكي أجاريك في لغتك غير الدبلوماسية.
أقول إنني والله سعيد للاتفاق المبرم بين قيادات دولة جنوب السودان وأتمنى أن يُوقف الحرب إلى الأبد، ذلك أننا ما أيدنا دعوتكم للانفصال ، أو سمه الاستقلال ، إلا لتحقيق السلام بعد نصف قرن من الحرب بينكم وبين الشمال، وأود أن أؤكد مجدداً أن المرء لا يستطيع أن ينام من انبعاث الضجيج في بيت جاره فكيف بالحرب؟ لذلك فإننا سعداء بالسلام الذي تحقق مؤخراً في دياركم ، ذلك أن توقف الحرب في بلادكم يجنبها والسودان الكثير من الشرور .
في الختام أود أن أناصحكم مرة أخرى لأقول إنني أرفض أن تُسمى بلادي باسم (دولة شرق تشاد) أو (دولة جنوب مصر) أو (غرب أثيوبيا)، فلماذا ترضون أن تكونوا دولة تابعة لدولة أخرى تسمى (دولة جنوب السودان)؟!
الطيب مصطفى
صحيفة الصيحة