وزير الخارجية السفير الدرديري محمد أحمد، يبدأ جولات خارجية اليوم، تستهدف الولايات المتحدة الأمريكية، ومن ثم إلى بلدان الاتحاد الأوروبي.
وتشمل زيارته أهم دول الاتحاد الأوروبي، وهي فرنسا، وبلجيكا باعتبارها مقر الاتحاد الأوروبي، فضلاً عن كلٍّ من ألمانيا وإيطاليا.
ما بدا مهماً في الجولة الأوروبية، أنها مسبوقة بزيارة لواشنطن، حيث يشهد غداً الثلاثاء انطلاق الدورة الثانية من الحوار السوداني الأمريكي، فضلاً عن تركيزها على دول محورية في الاتحاد الأروروبي. وبغض النظر عن وضوح أجندة زيارته إلى واشنطون، إلا أن زيارته إلى دول الاتحاد الأوروبي، تُثير جملة من الاستفهامات، أبرزها (ماذا في حقيبة الدرديري؟).
زيارة الدرديري التي ينتويها إلى العاصمة الفرنسية باريس، سبقه إليها في وقت سابق طبقاً لتقارير إعلامية مدير جهاز الأمن والمخابرات الفريق صلاح قوش في أكتوبر الماضي. وبحسب الكثيرين، فإن باريس تُعَدُّ محورية في المُخيِّلة السياسية السودانية عامة والتنفيذية خاصة، لجهة أن فرنسا بخلاف استضافتها لعناصر من المعارضة السودانية المُسلّحة بالإضافة إلى أنها تشهد عقد اجتماعات لقيادات ورموز معارضة على أرضها، إلا أنها تظل واحدة من أهم دول الاتحاد الأوروبي التي ينبغي على الخرطوم الاهتمام بها والبحث عن مداخل (قوية) إليها. ويذهب الدبلوماسي السابق الطريفي كرمنو في حديثه لـ(السودانى)، إلى أن اتجاه الخرطوم لطرح نفسها كوسيط لإنهاء أزمة فرقاء إفريقيا الوسطى لن ينجح ما لم تنل الخرطوم الرضا والموافقة من باريس التي تمتلك مفاتيح تحتاجها الخرطوم “بشدة” لإنجاح وساطتها في إفريقيا الوسطى، بحيث ترفع من رصيدها وتجعل منها لاعباً له ثقله في إقليم يُوصف بالمضطرب ويفتقد للمبادرات حاليا باستثناء إثيوبيا.
التحليلات تذهب إلى أن أحد أهم الموضوعات التي سيطرحها الدرديري في لقائه بالمسؤولين الفرنسيين “مبادرة السودان”. واعتبر كرمنو فرنسا مفتاح إفريقيا الوسطى، مستبعداً في الوقت ذاته مناقشة الدرديري مع الفرنسيين أي ملف يخص المعارضة السودانية، أو أزمة جنوب السودان، لجهة أن الملف الأخير يدخل في اهتمام فرنسا ضمن سياقات الاهتمام الأوروبي بشكل عام.
ثلاثي أوروبا
دبلوماسيون يلفتون الانتباه إلى أهمية كل من إيطاليا، بلجيكا، وألمانيا، ويرون أن أهمية إيطاليا تكمن في كونها ذات علاقات طيبة مع الخرطوم، فضلاً عن تعاون الخرطوم وروما الوثيق في ملف الهجرة غير الشرعية، كما أن روما لديها مبادراتها لتسوية الأزمة الليبية، مرجحين سعى الدرديري إلى التنسيق مع روما في هذا الملف حال فشل جهده مع باريس باعتباره أيضا مدخلاً، أو ربما تكون خطوة وزير الخارجية في روما للمناورة والتكتيك.
ويشير محللون إلى التعاون بين السودان وإيطاليا ينطبق على ألمانيا لجهة قيادة برلين للعديد من المبادرات لتحقيق السلام في السودان، فضلاً عن نفوذها القوي داخل الاتحاد الأوروبي، كما أن علاقة السودان بالحكومة الألمانية تاريخياً ليست سيئة على الرغم من رفض السودان لجهود منظمات ألمانية مقربة من حكومة برلين سعت لتقديم دعم لتسوية أزمة الفرقاء السودانيين. وبحسب كرمنو، فإن علاقة برلين الخرطوم، مريحة نوعاً ما، فضلاً عن أن برلين تسعى جاهدة أيضاً لإعادة دعم الاتحاد الأوروبي بشأن تمويل مشاريع الهجرة غير الشرعية الذي أوقفته باريس، وأضاف: الدرديري لن يجد صعوبة في الوصول إلى مسؤولين بارزين في حكومة ميركل، وهو ذات الأمر الذي سيجده في بروكسل مقر الاتحاد الأوروبي.
ويذهب السفير كرمنو إلى أن الخرطوم تسعى جاهدة لكسب تلك الدول إلى جانبها أو تليين مواقفها تجاه السودان، ودعم جهوده في تحقيق المصالحات بدول الجوار الإفريقي.
بانغي تتسيد المشهد
مصدر دبلوماسي رفيع – فضل حجب اسمه – في حديثه لـ(السوداني)، يرى أن اتجاه الخرطوم نحو بانغي يعد بمثابة الدخول إلى عش الدبابير، بحكم أن إفريقيا الوسطى منطقة نفوذ فرنسي ولا يمكن لأحد أن يقترب منها ما لم يجد الضوء الأخضر من باريس، منوهاً إلى زيارة وزير الخارجية إلى أنجمينا مؤخراً، مشيراً إلى أنه تلقَّى النصح من الرئيس ديبي بضرورة استصحاب الموافقة الفرنسية قبل أية خطوة في ملف بانقي؛ مدللاً على حديثه بزيارة وزيرة الخارجية الفرنسية إلى أنجمينا مؤخراً، خاصة أنها كانت تشغل حقيبة وزارة الدفاع في الحكومة الفرنسية في السابق ولديها علاقات وطيدة جداً مع ديبي.
ويلفت ذات الدبلوماسي إلى أن محاولة الخرطوم الاحتماء بـ”موسكو” لا تعنى سوى المزيد من التعقيد على الرغم من القواعد الروسية التي أقامتها موسكو في إفريقيا الوسطى، منوهاً إلى أن باريس حتى تضغط على الخرطوم منعت دعم الاتحاد الأوروبي المخصص للهجرة غير الشرعية لهذا العام، كما أنها “باريس” عمدت في الآونة الأخيرة على استبعاد الخرطوم من أي اجتماع بشأن الأزمة الليبية، مفضلة التنسيق مع القاهرة لدعم خليفة حفتر الذي تبغضه الخرطوم.
المصدر نبه إلى نقطة وصفها بالمهمة، لمعرفة المدخل الرئيس إلى قصر الشانزلزيه، وهي أن سياسة باريس الخارجية نحو إفريقيا تتولى إداراتها المستشارية الإفريقية المكونة من مجموعة مستشارين سياسيين، ويوضح أن هؤلاء هم من يقرر سياسة فرنسا في إفريقيا وليست وزارة الخارجية الفرنسية أو أجهزة الأمن الفرنسي. ويشير المصدر المطلع إلى أن هؤلاء المستشارين يرفعون رؤيتهم حول علاقة باريس ومصالحها وأهمية أي خطوة للرئيس الفرنسي الذي بدوره يرفعها إلى “مجلس رئاسي” مكون من “15” شخصاً فيهم رجال أعمال وصحافيون، “11” منهم من أصول إفريقية وأربعة فرنسيين فقط، موضحاً أن هذا المجلس كان يتبع في السابق إلى وزارة الخارجية، إلا أن الرئيس الحالي ربطه مباشرة بـ”الرئاسة”. ويشدد المصدر على أن أي تحرك للدرديري يجب أن يمر أولاً بهذا التسلسل وهو ما يحتاج إلى ترتيب دقيق ومداخل قوية.
الخرطوم: سوسن محجوب
صحيفة السوداني.