* بينما ينهمك رئيس الحكومة فى التغريد والفسبكة ناشرا احلامه الوردية، يزداد الوضع سوءا كل يوم، فالصرافات لا تزال خاوية على عروشها، وأموال الناس مسجونة فى البنوك بدون وازع من قانون أو اخلاق، وعادت الصفوف مرة أخرى أمام المخابز ومحطات الوقود، وظلت اسعار السلع ترتفع كل يوم بما فى ذلك الأدوية ورغيف الخبز الذى ارتفع الى سعره جنيه ونصف فى معظم مخابز الخرطوم، والى جنيهين فى كل مخابزالولايات بدلا عن جنيه واحد!!
* ومن المتوقع أن يرتفع سعر الرغيف أكثر تحت ظل أزمة خانقة فى الدقيق واغلاق عدد كبير من المخابز ابوابها امام المواطنين لعدم حصولها على حصتها، وشكوى اصحابها من الخسارة التى يتعرضون لها من بيع الخبز بالأسعار الحالية، وارتفاع أسعار الغاز والترحيل والخميرة وزيت الطعام واجور العمالة، وهى زيادة طبيعية تحت ظل الأزمة الاقتصادية الخانقة وانهيار سعر العملة الى السودانية الى اقل من (واحد على خمسين من الدولار الأمريكى)، وامتناع الحكومة عن تمويل الاستيراد، وإلزام المستوردين بشراء العملة الحرة من الأسواق، ثم محاسبتهم بالسعر الرسمى وكأنهم مغفلون يغوون الخسارة!!
ورغم ذلك لا تزال الحكومة تكذب وتتحرى الكذب، وتنفى وجود أى أزمة فى الدقيق، أو نية لرفع أسعار الدقيق، رغم أنها رفعت بالفعل أسعار الدقيق فى كل ولايات السودان (ما عدا الخرطوم التى حتما سيأتيها الدور إنم لم يكن قد أتاها) بطريقة تعتقد انها ذكية ستخفى على الناس، حيث فرضت على المخابز فى كل الولايات شراء 70 % من حصة الدقيق المحددة لها بضعف السعر( 1200 ج) للجوال، والـ 30 % المتبقية بسعر (600 ج للجوال) .. ثم يأتى وزير الدولة للمالية (مسلم الأمير) زاعما “استمرار (دعم) الخبز تمشيا مع جهود الدولة الرامية لتحسين معاش الناس وتخفيف اعباء المعيشة عن المواطنين” .. ولا أدرى عن أى دعم يتحدث، وعن اى جهود تبذلها الدولة لتحسين معاش الناس وتخفيف اعباء المعيشة عنهم، ويكفى دليلا على مزاعمه الكاذبة إستمرار حرمان المواطنين من أموالهم وتحويلهم الى متسولين، وإذلالهم بالوقوف ساعات طويلة فى الصفوف الطويلة للحصول على الفتات من المال والخبز والوقود، فضلا عن الارتفاع الفاحش فى أسعار الدواء وصعوبة الحصول عليه الا بعد بحث طويل!!
* وعلى ذكر الأدوية، فلقد صدر قرار جمهورى قبل بضعة أيام بإلغاء إحتكار الادوية المسجلة بالمجلس القومى للأدوية والسموم، واستخدام الأسماء العلمية فى وصف الدواء، بدلا عن إستخدام الأسماء التجارية، وهو قرار قد يبدو صحيحا فى نظر الكثيرين لإحتوائه على عبارة (إلغاء الاحتكار) باعتبار أن الاحتكار أمر بغيض يقود الى رفع الأسعار، ولكنه فى حقيقة الأمر قرار خادع وخاطئ تماما، فالأدوية ليست مثل الفول والتسالى، يمكن لأى شخص أن يستوردها، فكل شركات الادوية بكل تصنيفاتها العالمية والإقليمية والمحلية، لا تبيع لأى شخص او لاى جهة كانت، وإنما لوكلاء وشركات بمواصفات معينة حتى تضمن عدم سوء إستخدام أدويتها لما فى ذلك من خطورة كبيرة على صحة الناس، بالإضافة الى ضمان التعامل مع الدوية بالشكل المطلوب من حيث التخزين والمراقبة والتبليغ المستمر عن الفعالية والآثار الجانبية ..إلخ، للتأكد من فعاليتها وجودتها وحماية سمعة الشركة المصنِّعة!!
* كما أن الدولة (أية دولة) ممثلة فى الجهة المختصة فى شؤون الدواء (مثل المجلس القومى للأدوية فى السموم فى السودان، أو وكالة الغذاء والدواء فى أمريكا) لا تسمح بإستخدام أى دواء فيها ما لم تتثبت من فعاليته وسلامته، والتأكد من انطباق المواصفات المطلوبة على الجهة التى تقوم بتصنيعه، ومن ثم تسجيله والسماح بإستيراده واستخدامه تحت ضوابط وشروط معينة، وإلا عد استخدامه جريمة فادحة يعاقب عليها القانون بصرامة .. وكالة الدواء ليست كوكالة الدوم والنبق، مجرد عملية تجارية، وإنما علمية ومهنية …..إلخ، فى المقام الأول، ثم تأتى فى آخر القائمة العملية التجارية !!
* ثم ان الحديث عن إستخدام الأسماء العلمية، ساذج ومضحك، فالعالم لم يلجأ لاستخدام الأسماء التجارية عبطا، أو من منطلق تجارى فقط، وإنما لعدة أسباب جوهرية، منها أن الأسماء العلمية طويلة ومعقدة جدا، بالإضافة الى ان الاسم التجارى يمّيز الشركات المصنِّعة عن بعضها البعض ويحفظ الحقوق، وهو أمر فى غاية الأهمية من حيث السمعة والجودة ..إلخ، كما انه يسهل على الجهات الرسمية فى الدولة المتابعة والمراقبة، وعلى الطبيب وصف الدواء الذى يثق فيه وملائمته لمريضه، وهو المسؤول الأول عن ذلك أمام القانون، وعلى الصيدلى صرف الدواء المطلوب!!
* الأدوية ليست كلها سواء (حتى ولو تطابقت أسماؤها العلمية واستخداماتها)، وإنما هنالك أدوية جيدة ذات جودة عالية، وأدوية أقل جودة، وهكذا، وليس كما يفهم البعض انها سواء، خاصة فى دولة مثل السودان ترغمها الظروف الإقتصادية الصعبة على التعامل مع شركات لا تحمل أدويتها العلامة التجارية الأصلية، وربما تكون أدويتها أقل جودة، وأكثر خطورة على صحة المواطن، كما ان الأدوية لا تحتوى على المادة العلمية الفعالة فقط، وإنما على الكثير من المواد الحاملة لها والوسيطة (غير الفعالة) والتى تختلف من شركة لأخرى، وهى مواد لها خطورتها وأعراضها الجانبية !!
* من المؤسف أن تظل الحكومة تتخذ الكثير من القرارات الخاطئة، وترتكب الأخطاء الفادحة، وتمارس الخداع والكذب .. ولا يزال السيد (معتز) غارقا فى الأحلام والأمنيات الطيبة والتغريدات !!
مناظير – زهير السراج
صحيفة الجريدة