البحث عن السلام (سراً) الحكومة وقطاع الشمال .. لقاءات لا ترصدها (العين)

معلوم أن أي مفاوضات بين طرفين، تبدأ بلقاء سري أو تمهيدي، حتى يتوصل الطرفان إلى نقاط تفاهم،

تبدأ بعدها اللقاءات المباشرة بغية الوصول إلى اتفاق معلن، وهذا المبدأ جرى في كل المفاوضات التي تمت في السودان منذ الاستقلال، مروراً بالاتفاقيات الحديثة كنيفاشا وأبوجاء وأسمرا وما بعدها، حتى في اللقاءات مع القوى المدنية المعارضة، فهي تبدأ بلقاء سري وفي الغالب يكون ذلك عبر وسيط سواء كان دولياً أو محلياً.

لقاءات مختلفة

شهد السودان في تاريخه القريب عدداً من المفاوضات والاتفاقيات خاصة في فترة حكومة الإنقاذ التي عُرفت بكثرة التحاور مع المعارضين أو المتمردين من الحركة الشعبية والحركات المسلحة بدارفور والنيل الأزرق وجنوب كردفان، وأفضت تلك اللقاءات إلى اتفاقيات جاء بموجبها حملة السلاح إلى الوطن، إلا أن أغلب هذه الاتفاقيات لم تمض إلى الأمام كثيراً، بعد أن خرج جزء كبير من الموقعين على السلام مع الحكومة عن اتفاقهم وعادوا للمعارضة وحمل السلاح بمبررات مختلفة منها عدم التزام الحكومة بما تم الاتفاق عليه بحسب زعمهم، وهو ما جعل اللقاءات مع هذه القوى تتجدد مرة أخرى في بلدان مختلفة بغية إكمال السلام، ومؤكد أن هذه اللقاءات تبدأ سرية وتنتهي علنية.

لقاء جوهانسبيرج

جرياً على هذه السرية، انطلقت قبل ثلاثة أيام، لقاءات سرية تفاوضية بين وفد الحكومة والحركة الشعبية – شمال، بجوهانسبيرج، كمواصلة لمخرجات اللقاء المباشر الذي تم بين عبد العزيز الحلو، ومساعد رئيس الجمهورية فيصل حسن إبراهيم بأديس أبابا لحل قضية الحرب في المنطقتين، تحت إشراف رئيس الآلية الأفريقية الرفيعة أمبيكي، وبعض المبعوثين الدوليين، حيث اتفق الطرفان على لقاءات سرية بين الحكومة والحركة الشعبية شمال في جوهانسبيرج بعيداً عن الإعلام.

وفدا الطرفين

كشفت مصادر مطلعة، أن وفد المؤتمر الوطني لمفاوضات جوهانسبيرج السرية، ترأسه نائب رئيس الحزب فيصل حسن إبراهيم، وعضوية كل من نايل أحمد آدم، رئيس أمانة قطاع الأوسط بالحزب، والوزيرة إحسان كوكو تية، وزيرة الصحة والتنمية الاجتماعية بجنوب كردفان، واستيفن ميسا، عضو وفد الحكومة المفاوض، والجنرال محمد يونس أحد الجنرالات المنشقين عن عقار، بينما تكوّن وفد الحركة الشعبية – شمال من عبد العزيز الحلو، رئيس الحركة والقائد العام لجيشها، والأمين العام عمار أمون، وكوكو محمد جقدول سكرتير التعليم، وعبد الله إبراهيم أوجلان، مسؤول الحركة بالنيل الأزرق، ومن آخرين لم تُذكر أسماؤهم.

نماذج سرية

النماذج للقاءات السرية لم تقتصر على لقاء جوهانسبيرج أو اللقاءات التي سبقت الاتفاقيات المعلومة في السودان، وبعيدًا عن الإعلام أيضاً، تحدث مصدر لـ(الصيحة) طلب حجب اسمه، أن اللواء أمن معاش حسب الله عمر، قابل رئيس حركة تحرير السودان “مني أركو مناوي” قبل أكثر من شهر كمبعوث رئاسي واتفق الطرفان على وضع مسودة عليها نقاط الخلاف وأخرى تحوي رؤية كل طرف للحل الممكن، فيما رأت بعض القوى المقربة من مناوي أن ما تم هي محاولة لشق صف المعارضة يقودها مناوي، وبعيداً عن باريس وتحديداً في العاصمة الألمانية برلين، التقى وفد حكومي يقوده أمين حسن عمر، بجبريل إبراهيم، وياسرعرمان في أبريل الماضي بوساطة قادتها الحكومة الألمانية، حيث لم يرد أي جديد عن تلك اللقاءات حتى اللحظة.

تمنع الوطني

رغم أن المفاوضات بين الحكومة السودانية والحركة الشعبية شمال ما زالت في طور السرية، إلا أن رئيس القطاع السياسي بالوطني الدكتور عبد الرحمن الخضر، قال في منبر صحيفة “الوطن” أمس الأول، إن الحكومة تجري مع الحركة الشعبية جناح عبد العزيز الحلو حواراً سرياً لم يحن وقت كشفه كاملاً، وأضاف أنهم مستمرون في الحوار مع حزب الأمة. ولم يكشف الخضر عن تفاصيل الحوار الجاري مع الطرفين أو حتى مكان التفاوض، واكتفى بقوله ” الحكومة تفاوض الحركة في مكان خارج الخرطوم ولم يحن وقت الكشف عنها حتى تنتهي الجولة الأولى، وأن الحوار لم ينضج بعد”، وذلك يعني أن المؤتمر الوطني أراد أن يؤكد على وجود الحوار السري دون الكشف عن تفاصيل أكثر.

مقدمة ضرورية

بالرجوع للحديث عن جدوى اللقاءات السرية التي تسبق اللقاءات المعلنة كما يجري الآن في لقاء جوهانسبيرج، رأى المحلل السياسي البروفيسور عبد اللطيف البوني، أنه أمر طبيعي في عالم السياسة، وأن كل الاتفاقيات الكبيرة تسبقها لقاءات سرية.

وشدد البوني خلال حديثه لـ(الصيحة)، على أن اللقاء السري يعتبر مقدمة ضرورية، وأن التفاصيل الدقيقة يتم بحثها في اللقاءات السرية، ثم تنتقل إلى العلن.

وعن لقاء جوهانسبيرج بين الحكومة والشعبية شمال، توقع البوني أن يرتبط ذلك بقوة الدفع الخارجي، وأضاف: عملياً لا توجد حرب في السودان الآن، وأن السودان لم يعد مهماً في الأجندة الدولية بسبب قضايا عالمية أخرى طفت على السطح. وهذا ما اعتبره البوني عاملاً مساعداً لإحلال السلام، وزاد بأن الحكومة ترى أن الحركات لم تعد تستطيع القتال، والحركات بدورها ترى في الأزمة الاقتصادية التي يمر بها السودان حافزاً لمزيد من التنازلات من الحكومة، مشدداً على أن ذلك يجعل من المناخ سهلاً للتفاوض، ووصف البوني الوضع في السودان بمرحلة اللا حرب واللا سلم.

الخرطوم: محمد أبوزيد كروم
صحيفة الصيحة

Exit mobile version