* تضغط الولايات المتحدة والمجتمع الدولى بشدة هذه الأيام لإنهاء الحرب الظالمة على اليمن، ولقد صرّح وزير الخارجية بومبيو (بما يشبه الإنذار الى المملكة العربية السعودية ومرتزقتها)،
بأن الحرب يجب أن تتوقف وتنسحب القوات الى الحدود فى غضون ثلاثين يوما، لتمهيد الأجواء للتفاوض، مما يعنى إنسحاب قوات الدعم السريع وعودتها الى البلاد ، وهو ما ظلنا نطالب به بدون أن يستمع النظام السودانى، وهاهى الاوامر الأميريكية قد صدرت وحان وقت العودة الإجبارية بدلا عن الطوعية التى كانت ستحفظ ماء الوجه!!
* غير أن الفرصة لا تزال مواتية، فى رأيى، للانسحاب الطوعى خاصة مع الضغط الشديد الذى تتعرض له السعودية هذه الأيام بعد مقتل الصحفى السعودى (جمال خاشقجى) فى قنصليتها باسطنبول، وإتجاه الأنظار بكثافة الى الكارثة الإنسانية الكبرى التى تصنعها فى اليمن، إلا أن إصدار قرار الانسحاب يحتاج الى جرأة وشجاعة واستقلالية، أرجو أن تكون لا تزال متوفرة لدى النظام السودانى الذى ارتهن قراره لدى أنظمة وحكومات أخرى حتى فى أبسط الأشياء، مثل إستيراد الخضروات والفواكه الملوثة!!
* لقد شاركنا، للأسف الشديد، فى حرب ظالمة قلبت حياة شعب شقيق تربطنا به علاقة تاريخية ومحبة كبيرة الى جحيم، ولم تحقق اى هدف سوى قتل وترويع الابرياء وتمزيق الوطن اليمنى الى اشلاء، وتحويل الشعب اليمنى الى بقايا اشباح من الماضى السحيق قابعا تحت ظروف مأساوية لا يمكن ان يرضاها وحش بلا رحمة ولا ضمير دعك من إنسان له قلب وعاطفة، ولم يكن لمشاركتنا سبب سوى الإرادة الضعيفة المرتهنة والتسول والإرتزاق على حساب دماء اليمنين وعلاقتنا الوطيدة معهم وكرامتنا!!
* لقد بلغ عدد ضحايا الشعب اليمنى الشقيق حوالى خمسين ألف بين قتيل وجريح، معظمهم من الأطفال والنساء والشيوخ، عدا ملايين النازحين واللاجئين الذى يعيشون فى ظروف قاسية، ويعانون الأوبئة والمجاعات، ولقد حذر بيان صادر من الأمم المتحدة قبل حوالى اسبوع أن نصف الشعب اليمنى ( 13 مليون) مهددون بالموت جوعا، إذا استمرت الحرب دون وصول المساعدات الى المحتاجين، وقد يتحول الوضع الى أكبر مأساة إنسانية يشهدها العالم منذ أكثر من قرن، فلماذا نضع انفسنا فى موقع المجرم الذى يشارك فى هذه الجريمة البشعة، بدلا عن السعى للصلح بين الاطراف المتنازعة، أو على الأقل عدم المشاركة فى صنعها!!
* تحدثتُ فى مقالات سابقة كان أولها بعد اندلاع الحرب مباشرة قبل ثلاثة أعوام ونصف، بأن تحقيق الإنتصار فى الحرب أمر مستحيل لأسباب كثيرة منها طبيعة الأرض الجبلية، وحتى لو كان الانتصار سهلا ، فماذا نشارك فى نزاع لا مصلحة لنا فيه، فضلا عن المشاركة فى جريمة قتل وسفك دماء مواطنين يمنيين، شيعة كانوا أو سنة، حوثيين أوغيرهم، ينتمون للتراب اليمنى، ويمثلون حوالى (5 %، 1.5 مليون) من الشعب اليمنى الشقيق الذى يبلغ تعداده حوالى (30 مليون)، وليسوا مجرد حركة سياسية أو طائفية يمكن أن يقضى عليها بحرب خاطفة ــ كما تحاول أجهزة اعلام الدول المعتدية تصويرهم ــ وحتى لو كان الأمر كذلك فكيف يمكن، أخلاقيا وقانونيا، تبريرالقضاء على مواطنين وشن الحرب عليهم وسفك دمائهم، لأنهم يختلفون معك سياسيا أو طائفيا أو دينيا ؟!
* مرة أخرى أقول ان إسم الحوثيين، الذى تطلقه بعض الجهات عمدا على جزء من الشعب اليمنى لإخفاء هويته اليمنية، يعود فى الأساس الى (حسين الحوثى) الذى اسس مع آخرين (جماعة الشباب المؤمن) الدينية، و(حركة أنصار الله) السياسية العسكرية فى أوائل تسعينيات القرن الماضى بغرض الوقوف أمام سياسة التهميش الذى تعانيه الكثير من القبائل اليمنية .. ولكنه ليس الإسم الذى يعبِّر فى الحقيقة عن مكنون تلك القبائل التى لا يمكن تجزأتها وفصلها من الشعب اليمنى بأى حال من الأحوال، وحسين هو إبن الفقيه اليمنى الشيعى المعروف بدرالدين الحوثى الذى كتب عدة مؤلفات ينتقد فيها المذهب السنى الحنبلى الذى يعتنقه عدد من اليمنيين. وعندما قتل حسين فى عام 2004 فى احدى المعارك ضد الجيش اليمنى فى عهد الرئيس اليمنى السابق على عبدالله صالح، تولى القيادة من بعده اخوه عبدالملك الحوثى.
* ولقد شارك (الحوثيون) مثل غيرهم من الشعب اليمنى فى الثورة الشعبية ضد الرئيس اليمنى السابق (على عبدالله صالح)، إلا أن لعبة الموزانات السياسية العسكرية قادتهم الى التحالف مع (صالح) قبل التخلص منه لاحقا لمحاولته الانقلاب عليهم، واستقطابهم للقبائل الموالية له الى جانبهم، وهو ما يوضح مدى قوتهم وإتساع نفوذهم، ويؤكد إستحالة هزيمتهم والقضاء عليهم، وإقصائهم من معادلة السلطة فى بلادهم، ولقد أثبتت سنوات الحرب الطويلة ذلك، بل إنهم يتقدمون كل يوم من انتصار الى انتصار، بينما لا تدمر الحرب التى تقودها السعودية ويشارك فيها السودان، إلا إنسان اليمن وشعب اليمن وأرض اليمن!!
* لقد حان وقت خروج القوات السودانية من اليمن، إن لم يكن إشفاقا على شعب اليمن، فلعبثية الحرب التى لا جدوى من ورائها غير إشباع نهم البعض للدم وتحقيق الثراء لتجار السلاح المتاجرين بدماء الأبرياء ومعاناتهم وتدمير اليمن وشعبه … أخرجوا من اليمن، قبل أن تخرجكم أمريكا صاغرين راكعين مذلولين مكروهين ملطخين بالدماء والعار!!
مناظير – زهير السراج
صحيفة الجريدة