أربعة آلاف مسافر يومياً بيع تذاكر الطيران بالدولار.. نزيف العملة الحرة يتواصل

اتحاد وكالات السفر: حذَّرنا من قرار بنك السودان لأنه من شأنه الإسهام في ارتفاع الطلب على الدولار
مدير مكتب الخطوط السعودية: نلتزم بالبيع بالعملة السودانية

رئيس الغرفة القومية للنقل: البيع يتم بما يوازي سعر الدولار في السوق

مدير مكتب الخطوط السعودية: نلتزم بالبيع بالعملة السودانية

الخبير مرتضى حسن: الطيران المدني وبنك السودان لا يملكان حق التدخل في التذاكر

في عام 2015، أصدرت سلطة الطيران المدني قراراً قضى بمنع إصدار تذاكر سفر بالعملة المحلية من داخل السودان للعملاء بخارج السودان، وأن تُباع تذاكر السفر بالعملات الأجنبية القابلة للتحويل، واستهدف القرار الأجانب المقيمين في السودان والسودانيين من حملة الجوازات الأجنبية.

ولكن هذا القرار الذي تم التأكيد عليه مجدداً وبحسب خبراء في مجال الطيران، تم الالتفاف عليه من قبل بعض شركات الطيران العالمية التي اتجهت لبيع تذاكرها للمواطنين السودانيين بالدولار أو ما يوازي سعره، واعتبروا هذا مؤشراً خطيراً من شأنه الإضرار بالاقتصاد الوطني، لانه يرفع من حجم الطلب على الدولار.

‌ أزمة حقيقية

عدد من المواطنين الذين تحدثوا للصيحة عبروا عن بالغ تعجبهم من إصرار شركات الطيران العالمية على بيع التذاكر بالدولار، في وسط السوق العربي، فإن أحمد الذي يتأهب للسفر إلى مصر للعلاج أبدى حيرته من فرض وكالات السفر بيع التذاكر بالدولار أو ما يعادله بالجنيه السوداني، مبدياً تعجبه من صمت أجهزة الدولة على ذلك. معتبراً أن البلاد تبدو في أمس الحاجة للعملة الحرة، وأن فرض شراء التذاكر بالدولار من شأنه أن يسهم في ارتفاع سعره.

أما سارة، فقد رأت أن تضارب القرارات وعدم إخضاعها للدراسة يدفع ثمنها المواطن وتنعكس سلباً على الاقتصاد، مؤكدة على أن شركات الطيران والوكالات تضارب في العملة.

قرار وتنبيه

رئيس اتحاد وكلاء السفر والسياحة، محجوب المك، يشير إلى أنه ومنذ صدور قرار السماح لشركات الطيران الأجنبية ببيع التذاكر للأجانب والسودانيين المقيمين بالخارج بالدولار، فإنهم نبهوا إلى أن هذا القرار الصادر من بنك السودان من شأنه أن يسهم في ارتفاع الطلب على الدولار، مبيناً أن الشركات الأجنبية استغلت هذا القرار واتجهت إلى بيع التذاكر للمواطنين السودانيين بالدولار، ويؤكد في حديث لـ(الصيحة) أن المواطنين لم يجدوا غير الاتجاه إلي السوق الأسود والبنوك لشراء الدولار حتى يتمكنوا من الحصول على التذاكر، وقال إن هذا انعكس سلبًا على سعر الدولار الذي شهد ارتفاعًا واضحاً لم تنجح معه محاولات آلية صناع السوق للسيطرة على أسعار العملات الأجنبية، كاشفا أن أربعة آلاف مسافر، يغادرون الخرطوم يومياً عبر مختلف الشركات العالمية، يتجهون إلى السوق لشراء الدولار حتى يتمكنوا من الحصول على تذاكر السفر، ويعتقد بضرورة إلزام الشركات الأجنبية ببيع التذاكر بالعملة المحلية حتى لا يقع الضرر على الاقتصاد الوطني.

بنك السودان والضرورة

ويرى أن الحل النهائي يكمن في التزام بنك السودان بتحويل إيرادات شركات الطيران العالمية إلى دولها، وقال إن المبلغ الشهري ليس كبيراً، ويبلغ سبعة ملايين دولار، ووصف المبلغ بالضعيف لتواجد أغلب الشركات بالسودان وتقدم خدماتها بالعملة الوطنية، ونوه إلى أن قرار السماح يعمل على تزايد الطلب على العملة ما يزيد السعر، وقال إنهم أبلغوا بنك السودان وجهاز الأمن والطيران المدني بضرورة إعادة النظر في قرار السماح لشركات الطيران العالمية بالبيع بالدولار للأجانب والسودنيين المقيمين خارج البلاد، مؤكداً على أن استمرار القرار يعمل على زيادة سعر الدولار لجهة أن الشركات تعمل على تشجيع البيع بالدولار وتقليص البيع بالعملة المحلية.

بدون مبررات

المتغير الذي شهده سوق تذاكر الطيران ينظر إليه الخبير في مجال الطيران مرتضى حسن من زاوية قاتمة، ويشير في حديث لـ(الصيحة) إلى أن 90%، من شركات الطيران العالمية اتجهت الى بيع تذاكر رحلاتها بالدولار، ويؤكد أن لا الطيران المدني ولا بنك السودان يملكان حق تحديد التذاكر ولا بيعها بالعملات الوطنية أو الأجنبية، لأن ذلك من ضمن اختصاصات المنظمات الدولية المسؤولة عن الطيران أو من ينوب عنها في الدولة وهي الخطوط الجوية الرسمية لكل دولة مثل “سودانير”، ويلفت مرتضى إلى أنها فعلت ذلك رغم صدور عدد من القرارات الحكومية منها رئاسة الجمهورية، مجلس الوزراء، جهاز الأمن الوطني والمخابرات، وبنك السودان تمنع تداول الدولار خارج المنظومة المصرفية، كاشفاً أن الخطوط الجوية في مصر تمنع شركات الطيران منعاً باتًا بيع تذاكر الطيران بغير العملة الوطنية، معتبراً أن مثل هذه القضايا سيادية، ويجب ألا تجامل فيها الحكومة السودانية أسوة بالكثير من الدول منها مصر وأن تجبر الشركات العالمية على احترام قوانينها، ويرى أن صمت الحكومة على ذلك يعتبر تقصيراً، معتبراً أن الإجراء الأخير أسهم في زيادة الطلب على الدولار، في وقت تعمل فيه الحكومة جاهدة لإعادة العافية إلى الاقتصاد عبر زيادة مخزون النقد الأجنبي.

ويلفت مرتضى إلى أن السودان يفقد في الشهر ثلاثة ملايين دولار، وهي حقوق النقل التي يجب أن تدفعها الخطوط الأجنبية لسودانير، حسب الاتفاقية الإطارية العالمية، معتبراً هذه خسائر فادحة وأموالاً مقدرة، كان من شأنها إعادة الحياة إلى شركة سودانية.

قوانين دولية

وينفي الخبير مرتضى وجود قانون وشرعية قد استندت عليه الشركات الأجنبية في تحديد بيع تذاكرها بالدولار للأجانب أو السودانيين المغتربين وأن الطيران المدني لا يمتلك هذا الحق، ويضيف: قانون المنظمة الدولية للنقل الجوي يمنع البيع بالدولار في الحيز الجغرافي “اثنان”. والمعلوم أن المنظمة قسمت العالم إلى ثلاث مناطق جغرافية، وحددت في كل منطقة ودولة العملة التي يجب التعامل بها في شراء تذاكر الطيران، ومعروف أن تحديد أسعار التذاكر مسؤولية المنظمة الدولية، وكذلك العملات التي تباع بها ولا تملك الشركات حق تحديدها، ولا الدول. وهنا نسأل الأخ رئيس مجلس الوزراء وزير المالية معتز موسى، عن القانون الذي استمدت منه شركات الطيران العالمية بالسودان قرار بيع تذاكرها بالدولار خارج المنظومة المصرفية، ويلفت إلى أن قوانين منظمات الطيران العالمية تمنع هذا الأمر وتفرض البيع بسعر البلد الذي تنطلق منه الطائرة.

وكشف الخبير مرتضى عن معلومة في غاية الأهمية وذلك حينما قال إن عدد الرحلات الأسبوعية لشركات الطيران العالمية تبلغ 69 رحلة، وإن قيمة التذاكر تبلغ مليون دولار، مبلغ تخسره البلاد يومياً، وقال إن بعض شركات الطيران تمارس التفافاً على القانون بعدم بيعها المباشر للتذاكر، حيث تُطالب بالشراء من الوكالات التي تبيع بالدولار، وليس العملة الحرة، مؤكداً أن تاركو وبدر الشركتين الوطنيتين للطيران تعملان بربع القيمة التي تحصل عليها الشركات العالمية، وذلك لأنها تبيع تذاكرها بالعملة السودانية.

نفي قاطع

بالمقابل ينفى رئيس الغرفة القومية للنقل، ومدير شركة نوفا للطيران، الكابتن وداعة، بيع التذاكر بالدولار، غير أنه وفي حديث لـ(الصيحة) يؤكد بيع الشركات العالمية للتذاكر إلى المواطنين السودانيين بما يوازي سعر الدولار في السوق، وقال إن البيع بالدولار وحسب القرار فإنه حصرياً على الأجانب والسودانيين المقيمين خارج البلاد، ويعتقد أن الضرر الذي يقع على المواطن السوداني عند شرائه التذكرة بسعر بما يعادل سعر الدولار، وقال إن هذا الأمر موجود في كل الدول، وقال إن شركات الطيران في الأصل تحدد تذاكرها بالدولار، ويتم بيعها في الدول بعملاتها المحلية بما يوازي المبلغ الذي تحدده الشركات، وينفي فرض الشركات بيع التذاكر بالدولار.

وفيما يتعلق بتحويل عائدات شركات الطيران العاملة بالسودان، فقال إن هذا واقع، وهي تتعامل معه لأن الخيارات المتاحة أمامها محدودة تتمثل في هذا الأمر أو تترك السوق السوداني، كاشفًا أن الشركات في كل الدول التي تعمل بها تجد صعوبة في تحويل عائداتها وضرب المثل بمصر وإثيوبيا ونيجيريا وغيرها من الدول، وعدم تحويل عائداتها بانتظام، وقال إن الشركات تجد الحلول لهذه القضية، موضحاً أن الشركات هي التي تحدد للوكالات سعرها بالدولار، ولكنها لا تلزمها ببيعها بالعملة الحرة، موضحًا أن شركات الطيران الوطنية هي التي تعاني كثيراً من التعامل بالدولار في الخدمات المقدمة بمطار الخرطوم.

وقال إن كل دول العالم تتعامل مع الشركات الوطنية بتمييز وتعامل يختلف كلياً عن الشركات الأجنبية، مبينًا أن سلطات الطيران في السودان تتمسك بأن اللائحة المنظمة واحدة، ويرى في هذا خطأ كبيراً تتضرر من الشركات الوطنية التي يفترض أن يتم دعمها بدلاً من تدميرها.

ويعتقد أن شركات الطيران المحلية تتجاوز ضرورة وجودها واستمراريتها العائد المادي لأصحابها، بل تمثل أهمية إستراتيجية وأمنية واجتماعية واقتصادية، وتعتبر من الأسباب المباشرة للتواصل بين مختلف أنحاء البلاد.

إهدار للعملة الوطنية

من ناحيته، فإن مدير التسويق الأسبق بالخطوط الجوية السودانية، والخبير في مجال الطيران، معتز الحاج عبد اللطيف، والذي تناول من قبل في مقال مطول ووافٍ قرار هيئة الطيران المدني بالسماح لشركات الطيران الأجنبية ببيع تذاكرها بالدولار للأجانب والسودانيين المقيمين خارج البلاد في العام 2015، يشير إلى أن القرار الأخير لا يختلف كثيراً عن سابقه، ويؤكد أن من الواضح أن دواعي القرار الأخير هو الضغط الذي تمارسه الشركات الأجنبية على السلطات السودانية بغرض تحويل مبيعاتها بالعملات المحلية للخارج، وأشار إلى أن هذا القرار الذي أهدر القيمة السيادية للعملة الوطنية كسند مبرئ للذمة، وأثار الكثير من علامات الاستفهام، ويبدي عدداً من الملاحظات، ويضيف: ما هو التكييف القانوني للتداول بالعملة الأجنبية وبيع السلع والخدمات للمواطنين بالدولار؟ هل هذا الأمر مباح..؟ أقول هذا لأن كل الشركات الأجنبية تطالب بالسداد بالدولار (نقداً)، لا يقبلون شيكات أو تحوياًل من حساب إلى حساب.

تشجيع مضر

ويضيف الخبير معتز: يعتبر هذا القرار تشجيعاً مباشراً للتعامل بالعملة الأجنبية خارج قنوات الجهاز المصرفي، بل وتهريبها إلى خارج البلاد، وهل تقوم الشركات الأجنبية التي تتسلم دولاراً (نقداً) بتوريده في حساباتها بالبنوك الوطنية؟ من الواضح أن الدافع لهذه الضوابط هو إرضاء الشركات الأجنبية، ولكن لماذا!؟؟ أقول إنه من حق الشركات الأجنبية العاملة أن تطالب باستمرار بتحويل فائض مبيعاتها للخارج بالعملة الصعبة وأن تصر على ذلك (وتلح إلحاحاً)، ولكن نسبة لشح النقد الأجنبي ببنك السودان ووجود العديد من الأولويات والاحتياجات التي نعلمها جميعاً لا يوجد أمامنا سوى الاعتذار لهذه الشركات وأن نطلب منها الانتظار لفترات قد تطول.

يقول قائل إن هذه الشركات سوف تتوقف عن العمل بالسودان وهذا القول مردود.

حقائق معروفة

ولا أشك في أن إدارة النقل الجوي بالطيران المدني تقف بوضوح على حقائق أن الشركات تعمل من عواصم بلادها إلى الخرطوم بواقع رحلة أو رحلتين أو ثلاث رحلات يومية وذلك بناء على دراسات تجارية وتسويقية أوضحت الجدوى الاقتصادية لهكذا تشغيل، تعتمد الجدوى الاقتصادية للتشغيل للسودان على أعداد السودانين المقيمين بالخارج والأجانب من أصل سوداني المنتشرين في أمريكا الشمالية وأوروبا وأستراليا ونيوزيلندا.

أخيراً، فإن المطلوب من السلطات “بنك السودان والطيران المدني” أن تسعى لتحويل فائض مبيعات الشركات العالمية، ولكن دون المساس بسيادة العملة الوطنية والتداعيات السالبة على المسافر سودانياً أو أجنبياً، مع إلزام الشركات العالمية بالتعامل بالنقد الأجنبي خلال القنوات المصرفية ومنع التداول بالدولار النقدي وقبول الشيكات بالنقد الأجنبي.

خطأ فادح

من ناحيته، فإن وكيل وزارة الطيران والمدير العام السابق لسودانير الكابتن إسماعيل أحمد زمراوي، يؤكد على خطأ إصدار قرار يسمح للشركات الأجنبية ببيع التذاكر بالعملة الحرة. ويلفت في حديث لـ(الصيحة) إلي أن قوانين منظمة الطيران العالمية، تشير إلى أن التذاكر تباع بالعملات الوطنية لكل دولة، وقال إن بنك السودان بوصفه الجهة التي تتحكم في النقد الأجنبي هو المخول له إصدار مثل هذا القرار، إذا رأت الدولة أن يتم بيع التذاكر بالعملات الأجنبية، وليس الوطنية، مبينًا أن هذا الأمر لم يحدث ورغم ذلك فإن شركات الطيران العالمية تعمد إلى البيع بالدولار، معتبراً هذا الأمر مدخلاً للفوضى التي تسهم في زيادة التضخم بارتفاع الطلب على الدولارإضافة إلى تأثيره السالب على ميزان المدفوعات، علاوة على أنه يحول وكالات السفر والسياحة وشركات الطيران إلى صرافات تضارب في العملة الحرة، ويعتقد بضرورة تدخل الطيران المدني لتطبيق القوانين العالمية المنظمة لكل ما يتعلق بقطاع الطيران، وذلك حفاظاً على النقد الأجنبي بالبلاد.

الشركات العالمية تتبرأ

إذاً، فإن الاتهامات تذهب مباشرة ناحية شركات الطيران العالمية العاملة بالبلاد، والتي يحملها البعض تبعات ارتفاع أسعار الدولار بسبب فرضها قراراً قضى ببيع التذاكر بالدولار بدلاً من العملة الوطنية.

وضعنا هذه الاتهامات منضدة مدير شركة الخطوط الجوية السعودية، إبراهيم فضل، الذي نفى نفياً قاطعاً في حديث لـ(الصيحة) بيعهم التذاكر للمواطنين السودانيين بالدولار. ويلفت إلى أنهم عملوا على تنفيذ موجهات الطيران المدني التي قضت ببيع التذاكر للأجانب المقيمين بالسودان، بالإضافة إلى السودانيين بالخارج بالعملة الحرة، ويؤكد أنهم وفي هذا الصدد أصدروا توجيهات مشددة لموظفي الشركة بالالتزام بالقرار وعدم بيع التذاكر للمواطنين السودانيين بالعملة الحرة، ويقطع باستحالة مخالفتهم للقرار لاحترامهم سيادة المؤسسات السودانية، وأكد أن كل مستنداتهم توضح هذه الحقيقة.

الخرطوم: صديق رمضان
صحيفة الصيحة.

Exit mobile version