الاتحاد هو امتزاج الشيئين واختلاطهما حتى يصيرا شيئاً واحداً(1) وينقسم الاتحاد إلى قسمين :-
1- الاتحاد العام : وهو قول الملاحدة الذين يزعمون أن الله عين وجود الكائنات , وهو نفسه مبدأ وحدة الوجود الذي سبق بيانه.
2- الاتحاد الخاص : وهو قول يعقوبية النصارى القائلين : إن اللاهوت والناس اختلطا وامتزجا كاختلاط اللبن والماء ,وهو قول يقوله بعض من ينتسب إلى الإسلام في بعض الأشخاص,أي أن الله تعالى وفلان قد اتحدا .
وخصوا بعض البشر فقالوا: إن الله يتّحد بعبده الذي قرّبه واصطفاه ,فخصّوا ذلك بمن عظّموه كالمسيح والأولياء. وإذا كان الله تعالى قد كفّر بمن يقول بهذا القول كما في قوله (لقد كفر الذين قالوا إن الله هو المسيح ابن مريم) ، فكيف بمن قال: إن الله هو الكفار والمنافقون والصبيان والمجانين والأنجاس والأنتان وكل شيء ، وهم أصحاب عقيدة الاتحاد بالمعنى العام (وحدة الوجود) (2) ، تعالى الله الخالق عن قولهم علواً كبيراً.
وإذا عرفت معنى الاتحاد بقسميه فعليك أن تعرف أن البرعي يرى هذه العقيدة ويعتقدها بل يعتبر نفسه ويعدّها من الذين اتّحدوا .
يقول البرعي في آخر قصيدته (من مكة سار ذهاب) ص 219:
البرعي اتّحدْ *** وبدا ساسه بالأحد
ومن المصطلحات الصوفية التي أوردها البرعي وهي تعني الاتحاد مصطلح (البقا) : وهو البقاء الذي قال عنه المتصوفة : أن ترى نفسك باقياً بالحق وللحق بعد فناء الجسد بفضل الطريقة ,وتتجنّب الأسماء المتفرقة التي توجب التفرقة والكثرة (3)
ومما قاله البرعي في ( البقا ) :
إلى سر الجمع والصحو والبقا به*** شاهدوا ربَّاً على عرشه استوى (4)
وقال :
بالصحو والمحو الأجل وبالبقا *** حلُّوا فنالوا سر جمع جامع (5)
ويقال في عقيدة الاتحاد ما قيل في الحلقتين الماضيتين في عقيدة وحدة الوجود , وعقيدة الفناء ، وميدان النقد العلمي واسع ، وكل يؤخذ من قوله ويترك إلا النبي صلى الله عليه وسلم ، وأؤكد ترحيب عمود (الحق الواضح) بأي مناقشة علمية موضوعية تعرض فيها الحجج وتناقش فيها المسائل بأدب الحوار الموضوعي ، وهو ما سار عليه هذا العمود لأكثر من عقد من الزمان ، وميزان الكتاب والسنة توزن به المعتقدات والأقوال والأفعال والمؤلفات والقصائد وغيرها ، والموفق من وفقه الله
ــــــــــــــــــــ
الهوامش
(1)التعريفات للجرجاني ص9
(2) انظر مجموع الفتاوى (2/172-173) والشرك قديماً وحديثاً(1/41)
(3) معجم مصطلحات الصوفية ص 54
(4) قصيدة المتزاورون في الله ص 128
(5) قصيدة طريق القوم ص 131
د. عارف الركابي
صحيفة الإنتباهة