لا تنكر الحكومة أن الوضع الاقتصادي للبلاد، “ليس على ما يرام”، ولكن الاختلاف في كيفية معالجة الاختلال الاقتصادي وصولاً لمرحلة الاستقرار المنشود،
ففيما ترى الحكومة أنها شرعت فعلياً في تطبيق سياسات إصلاحية لهذا الغرض، ينصح خبراء اقتصاديون بالجدية في الأخذ بأسباب الحلول، فما هي الأزمة الاقتصادية عند الحكومة؟.. وما المطلوب للمعالجة برأي المختصين.
لا زيادة
حينما خاطب رئيس مجلس الوزراء، وزير المالية، معتز موسى، منتدى “الاقتصاد السوداني تحدي السياسات واستحقاق الإصلاح الذي ” نظمته صحيفة “إيلاف” الاقتصادية ومركز التنمية والسياسات العامة، أمس الأول، قال ، (إن الدعم تم رفعه 9 مرات ، لم يؤد إلا للمزيد من رفع الأسعار وزيادة التضخم ، وتضطر الدولة للتدخل لدعم المواطن مرة أخرى)، وجزم موسى بعدم وجود أية زيادات في الضرائب أو الجمارك في الموازنة القادمة وزاد: (أنا ما حأرفع الدعم ولا حأزيد الضرائب).
مقاربة
في الموازنة الحالية التي أجيزت العام المنصرم، مثلت الضرائب 68% من الموارد العامة بواقع 116.9 مليار جنيه من إجمالى الموازنة البالغة 173.1 مليار جنيه، لكن الثابت أن الإيرادات الضريبية وعلى كونها تمثل نسبة عالية من موارد الموازنة لكنها ليست بالحجم المأمول، حيث يشير مختصون لعدم دخول نسبة مقدرة من قطاع الأعمال في موارد الضرائب لأسباب مختلفة منها قصور الرصد والتهرب الضريبي، كما يبلغ الفاقد الضريبي بحوالي مليوني جنيه شهرياً بكل ولاية من ولايات البلاد، يزيد الرقم قليلاً أو ينقص بكل ولاية.
إصلاحات قديمة
ليس جديداً أن تعلن الحكومة اتجاهها لتطبيق إصلاحات اقتصادية، ففي العام الماضي حوت الموازنة تركيزاً في الإيرادات غير الضريبية على مراجعة فئات الرسوم على الخدمات الحكومية والاستمرار في الخصخصة وزيادة مساهمة المعادن والنفط واستقطاب المنح والقروض لدعم الإصلاح وميزان المدفوعات والاستفادة من رفع العقوبات في جذب رؤوس الأموال الوطنية والأجنبية بتبسيط الإجراءات وركزت على مراجعة الإعفاءات الجمركية وإعفاءات القيمة المضافة على الواردات بنسبة 3%، ولكن كل ما ذكر لم يؤد لتحسين الاقتصاد بل زاده اختلالاً.
تحذير
يحذر الخبير الاقتصادي البروفيسر ميرغني إبنعوف من ترك السياسات الضريبية نهباً للقرارات غير المدروسة، موضحاً أن إعفاء بعض المدخلات الإنتاجية من الضرائب بغير ضوابط واضحة سيجعل البلاد سوقاً للمواد الخام المتخلفة والرديئة الصنع لأن الإنتاج يتجه دائماً حيث تقل الضريبة، ودعا للتوسع الأفقي في الإيردات الضريبية دون فرض زيادات جديدة حتى لا تشكل عبئاً على المواطن.
ويرى إبنعوف أن الوصول لمرحلة استدامة الاستقرار الاقتصادي رهين بإنفاذ برامج وخطط محددة قال منها تعزيز القطاعات المنتجة خاصة القطاع الصناعي والزراعي بشقيه، وقال إن تحقيق معدل نمو الناتج المحلي بنسبة أكثر من 6% يلزمه دعم قطاع الزراعة بشكل أساسي ورفع الإنتاجية أولاً مفسراً قوله بأن ذلك يضمن تدفق المزيد من العملة الصعبة التي أشار إلى تحقيقها فوائد مزدوجة بتحقيق إتزان الجهاز المصرفي وتوفير مبالغ كافية لمقابلة حجم الواردات وشدد على أهمية تقليل الرسوم التجارية.
مطلوبات
وأشار الخبير الاقتصادي د.عادل عبد المنعم إلى أن المشكلة الأساسية للبلاد تكمن في عجز الموازنة التي لا تنتهي إلا بمعالجة الفجوة بين الإيرادات والمنصرفات وتخفيض فاتورة الواردات والسلع الكمالية مع التركيز على السلع الضرورية، مشيراً لإمكانية الإستفادة من رفع الحصار في تنشيط التحويلات المالية وانسياب بعض المعونات.
حزمة حلول
المحلل الاقتصادي، د.هيثم فتحي، يقول لـ “الصيحة” إن أزمة سوق سعر الصرف في السودان، تحتاج إلى حزمة متكاملة من الحلول فالسودان لديه إمكانيات وموارد اقتصادية هائلة متعدد من الثروات المعدنية، وثروة من الماشية الحية تتجاوز 150 مليون رأس وأراض زراعية تتجاوز 100 مليون فدان، ورأس مال بشري كبير يعمل في كثير من دول العالم، موضحاً أن هذه الموارد تتطلب الاهتمام بقضية كفاءة الإنفاق الحكومي واستحداث الإجراءات والأنظمة لإصلاح بنية الميزانية العامة، واتخاذ خطوات جادة لمحاربة الفساد بأنواعه ونشر ثقافة مكافحته والإجراءات الكفيلة بالوصول إلى أي مفسد يستغل السلطة والصلاحيات الممنوحة له من أجل مصالح شخصية انحرفت بعيداً عن المصلحة العامة، لافتا إلى أن الفساد السياسي يقود إلى فساد اقتصادي وإذا كانت الأمور غير مستقرة سياسياً فإن التسويات مع الفساد تأتي على حساب الاقتصاد دائما.
ولمعالجة اختلالات الاقتصاد دعا لاتخاذ خطوات حاسمة بصورة جادة ووفق رؤية واضحة المعالم ووفق جدول زمني محدد يراعي معقولية التدرج في تنفيذ السياسات، وإصلاحات في قطاعي الزراعة والصناعة، من أجل تحسين التنافس ومرونة سوق العمل، الإنتاجية، وتشجيع الاستثمار في تمويل وتخزين وتسويق الإنتاج، وإعفاء كافة مدخلات إنتاج القطاعات الحقيقية من الجمارك والضرائب، وزاد: لابد أن تكون خطة الحكومة حالياً تركز على استقرار السياسات الضريبية بما يدعم بيئة ومناخ الأعمال، وزيادة النمو والتطوير وتحسين بيئة العمل وتبسيط الإجراءات واستقرار السياسات الداعمة للنمو.
الخرطوم: جمعة عبد الله
صحيفة الصيحة