بتاريخ 20 سبتمبر من العام قبل الماضي، أصدرت وزارة التجارة قراراً بمنع استيراد المنتجات الزراعية المصرية من الفاكهة والخضر بعد ثبوت ري تلك المحاصيل بمياه الصرف الصحي..
وفي 30 مايو من العام 2017م أصدر رئيس الوزراء الفريق أول ركن بكري حسن صالح، قرارًا إضافياً بوقف استيراد التقاوي والشتول الزراعية من مصر، ووقف عبور سلع مستوردة من بلاد أخرى من خلال مصر. حينها أكد القرار على أن الحظر الساري على المنتجات الزراعية والحيوانية المصرية، بموجب قرارات سابقة، نهائي.
وزارة التجارة قالت في قرارها في وقته، إنها نفذت توصيات اللجنة الفنية الخاصة بمتابعة قرار حظر السلع المصرية الزراعية ومنتجاتها، وأصدرت قرارها بحظر استيراد الفواكه والخضروات والأسماك من مصر، فيما شمل القرار الآخر الصادر في شهر مارس قبل الماضي إدراج سلع أخرى بقائمة الحظر، شملت منتجات زراعية مصنعة، لأسباب متعلقة بعدم صلاحيتها للاستهلاك.
خسائر فادحة
ويرى خبراء اقتصاديون، أن منع استيراد السلع المصرية للسودان خاصة المنتجات الزراعية الطازجة ألغت تبادلاً تجارياً بين البلدين يصل إلى نحو ملياري دولار سنوياً، وكان وليد رياض رئيس مجلس إدارة شركة إسكاي روز للتصدير والاستيراد التي تقوم بتصدير منتجات زراعية وفواكه للسودان، قد أشار في لقاء تلفزيوني مع قناة (LTC) المصرية عند صدور قرار الحظر إلى أنهم تواصلوا مع السفارة المصرية بالخرطوم لمعرفة تفاصيل القرار، لأنه سيلغي صفقات كبيرة، مبيناً أن السودان يستورد منتجات من مصر تصل إلى ملياري دولار، موضحاً أن السودان يعتبر الدولة الثانية الأكثر استيراداً للفراولة المصرية.
مياه تحت الجسر
منذ صدور قراري الحظر، نشطت السلطات المصرية في إلغائه، مبينة أن المنتجات المصرية بريئة من تهمة الري بمياه الصرف الصحي واحتوائها على عناصر مسببة لمرض التهاب الكبد الوبائي، لكن بالمقابل تمسك السودان بأن القرار فني وصادر عن جهات فنية بحتة تتمثل في الهيئة العامة للمواصفات والمقاييس التي أثبتت معملياً عدم صلاحية المنتجات المصرية للاستخدام الإنساني والحيواني، لكن بمرور الوقت تم إجراء فحوصات أخرى لمتابعة المنتجات المصرية، كان آخرها فحص قال مدير هيئة المواصفات عوض سكراب في تصريح سابق لـ(الصيحة) إنه قام بتسليمه لوزارة التجارة.
إلغاء الحظر
منذ الإعلان عن اجتماعات الدورة الثانية للجنة الرئاسية للعلاقات السودانية المصرية، والتي احتضنتها الخرطوم أمس الخميس، أعلن عن مناقشة عدد من القضايا التجارية بين البلدين، ربما كان أهمها قضية المنتجات، وخلال مؤتمر صحفي مشترك بين الرئيسين المشير عمر البشير، والمصري عبد الفتاح السيسي، أعقب القمة التي عقدت بينهما أمس، أعلن رئيس الجمهورية، المشير عمر البشير، عن توقيعه قراراً بإلغاء حظر المنتجات المصرية من الدخول للسودان، مبيناً أن تلك هي الإجراءات المطلوبة منهم كرؤساء لتحقيق رغبة شعبي وادي النيل وطموحهم في علاقات طبيعية بين البلدين.
ضعف التبادل
وكان سفير السودان بالقاهرة، عبد المحمود عبد الحليم، قال لـ(الصيحة) قبل القمة، إن حجم التبادل التجاري بين مصر والسودان لا يزيد عن مليار دولار في العام، ويرى أن حجم التبادل ضئيل جداً بالنسبة لبلدين تربطهما الجيرة، ولديهما موانئ عديدة وإنتاج زراعي وحيواني وصناعي متنوع ووفير. ويؤكد أن رئيسي البلدين يعملان من خلال لقاءاتهما المتكررة على رفع مستوى التبادل التجاري خاصة وأن قمة الرئيسين المشير عمر البشير، والمشير عبد الفتاح السيسي، التي التأمت بالخرطوم، كانت قد سبقتها اجتماعات لوزارات ولجان فنية متخصصة أعدت نحو 11 مذكرة تفاهم وقع عليها الرئيسان.
قرار إيجابي
ويوضح الخبير الاقتصادي، استشاري تنمية المجتمعات القاعدية، بروفيسور ميرغني بن عوفأ أن قرار رئيس الجمهورية بإلغاء حظر المنتجات المصرية، سيحقق فائدة كبيرة وسيكون مردوده إيجابياً باعتباره سيقلل من الندرة الحالية في السلع في الأسواق، ويقول ابن عوف خلال حديثه لـ(الصيحة): رغم وجود ندرة، لكن هناك أيضاً عدم قدرة شرائية لانخفاض قيمة الجنيه السوداني، مبيناً أن التجارة مع مصر لا ترتبط فقط بميزان المدفوعات، ولكنها تعمل أيضاً على توفير سلع جيدة، بأسعار مناسبة نسبة لقرب مسافة النقل، فصلاً عن أنها تعمل على إحياء الأسواق بزيادة القوة الشرائية، ويضيف “وقف الاستيراد كان كارثة”، باعتبار أن الدولة من واجبها توفير السلع الأساسية لمواطنيها، فضلاً عن واجب توفير النقد الأجنبي للاستيراد.
البديل غير الجيد
ابن عوف يرى أن المنتجات السودانية، لم توفر البديل المناسب للمنتجات المصرية، سيما وأن المنتج السوداني يخرج من المصنع بجودة أقل ورداءة في التغليف ورداءة في التصنيع، فضلاً عن ارتفاع السعر، ويشير إلى أن الصناعة السودانية لم تعرف طريقها للتقدم رغم ما يتوفر من مواد إنتاج بحجة أن الاتجاه للجودة يؤدي لارتفاع السعر، ويوضح أن الأسواق المصرية تعلم جيداً حاجة السوق السوادنية لمنتجاتها، وكذا الحكومات لدرجة الاتفاق على إدخال المنتجات المصرية ضمن اتفاقية الكوميسا التي تحتم دخول المنتجات بلا جمارك، لافتاً إلى أن الدولة رغم فقدها نحو (380) مليون دولار من إلغاء الجمارك إلا أنها قدرت دخول مصر إلى الكوميسا.
التركيز على الماشية
ويرى كثير من المراقبين، أن السودان أيضاً يمكن أن يستفيد كثيراً من إلغاء حظر الاستيراد عن طريق زيادة صادرات الماشية الحية والمذبوحة، لكن ابن عوف يرى أن هناك مجموعات مصرية تعمل على عدم استفادة السودان من المواشي بتصديرها لمصر لاعتمادها على استجلاب نوعيات رخيصة من لحوم الجاموس من الهند، مستدلاً بتجارب عديدة لم يكتب لها النجاح رغم رعايتها من أعلى مستويات الحكومتين عبر آلية كانت تضم رئيس الوزراء المصري والنائب الأول الأسبق لرئيس الجمهورية علي عثمان محمد طه، مشيراً إلى أن السودان يمتلك قيمة تجارية مطلقة تجاه مصر لو أحسن استغلالها فإنها ستعود بإيرادات ضخمة ترفع حجم التبادل التجاري.
الخرطوم: محجوب عثمان
صحيفة الصيحة.