نحنُ موعودون – وأقصد جميع السودانيين – بجولة من التفاوض بين وفد الحكومة والحركة الشعبية لقطاع الشمال، تستمر لمدة عشرة أيام على أقل تقدير، في العاصمة الأثيوبية «أديس أبابا».
جولة التفاوض القادمة خلال أيام، يتفاءل البعض بأن تحقق نجاحاً كبيراً، واختراقاً غير مسبوق في عملية سلام السودان عامة، وأمن منطقتي النيل الأزرق وجنوب كردفان، وبعض لا يفرد أشرعة الأمل كاملة حتى يرسو مركب التفاوض على شواطيء السلام، وهذا البعض المتشائم هو الأقرب لما يمكن أن تفضي إليه نتائج الجولات الأولى، وأرى نفسي من هذه الفئة القليلة المتشائمة، رغم إيماني القاطع بأهمية الوصول إلى سلام دائم، يقود إلى محاولة ترميم وإعادة بناء ما دمرته الحرب في هذا الجزء الغالي من السودان.
أسباب التشاؤم من عدم الوصول إلى نتائج نبعت من موقف الحركة الشعبية قطاع الشمال الابتدائي، المرتبط بالتفاوض، فقد عمدت الحركة الشعبية إلى الخداع والغش قبل أن يبدأ التفاوض، بأن دعت من إدعت أنهم خبراء قدم لهم الاتحاد الأفريقي الدعوة للمشاركة في التفاوض، وأكثرهم في ما نعلم أصدقاء لرئيس وفد تفاوض قطاع الشمال، ياسر عرمان، إن لم يكونوا (رفاقاً) له في النضال الثوري، باستثناء اسم أو اسمين، جيئ بهما لذر الرماد على العيون، وإكساب الدعوة غير الحقيقية والخبراء المزعومين، مصداقية أكثر، وحتى يكون لأولئك الخبراء المزعومين تأثير على الرأي العام، حول مجريات التفاوض، وربما لأغراض أخرى، أو لقاءات مطلوبة بين أصدقاء طال أمد افتراقهم وتباعدهم، بسبب السياسة، وربما هناك ما لا نعلمه، فالله وحده يعلم ما في الصدور.
قطعاً الخدعة لم تنطلِ على أحد ممن يقرأ الواقع السياسي بتأنٍ وفهم عميق، وسرعان ما انكشفت الكذبة البلقاء، بتصريحات تطايرت إلى أنحاء العالم وأركان الدنيا الأربعة وما بينها، تفيد بأن الاتحاد الأفريقي لم يقدم الدعوة إلى خبراء للمشاركة في التفاوض بأديس أبابا، حسبما جاء على لسان السفير محمود كان، الذي كشف في توضيحات صحفية أن دعوة الاتحاد الأفريقي، وُجِّهت للحكومة وقطاع الشمال- تسعة أشخاص لوفد كل جانب – على نفقة الاتحاد الأفريقي، ونفى نفياً قاطعاً توجيه الدعوة لغير الوفدين المتفاوضين.
قبل أيام ملأ البعض الدنيا ضجيجاً وعجيجاً مدّعين ومعلنين دعوتهم للمشاركة على اعتبار أنهم خبراء تفاوض، لكن سرعان ما تبخرت تلك الإدعاءات، وطارت الدعوات المزعومة، مع أول تصريح رسمي من جانب الاتحاد الأفريقي، والذي أتوقع أن يصدر بياناً حول هذا الشأن، اليوم أو غداً، لأن ما حدث يعتبر سابقة خطيرة.
ليست البداية الخادعة هي أسباب تشاؤمنا، لكن التشدد المتوقع من قبل وفد قطاع الشمال والتمسك بمناقشة قضايا كل السودان، ستستهلك زمناً غالياً، ووقتاً ثميناً من أيام التفاوض، رغم موقف الاتحاد الأفريقي من أن ذلك خارج نطاق التفويض.
الذين يعوّلون على اتفاق (نافع/عقار) كأنما يريدون إرجاع عقارب الساعة إلى الوراء، وأكاد أجزم أن قطاع الشمال سينكص عن ذلك الاتفاق مثلما سينكص ويتراجع عن المشورة الشعبية، المضمنة أصلاً في اتفاقية السلام الشامل.
كما أن هناك نقطة أساسية لن تقبل بها الحركة الشعبية (قطاع الشمال) وهي أن تتحول إلى حزب سياسي مدني وتعمل على حل مليشياتها خلال ثلاثة أشهر، فقيادات الحركة من المتشددين والمفاوضين لن يقبلوا بذلك، ويتصورونه إن حدث مشاركة (أهتم) بلا أسنان في وليمة كبيرة تحفل بما لذ وطاب، لكنه لا يملك أمامها إلا أن ينظر.. ويجري لعابه.
بعد ومسافة – آخر لحظة
[EMAIL]annashir@akhirlahza.sd[/EMAIL]