ما بين شهر شباط/فبراير وكانون الأول/ديسمبر سنة 1916 شهدت الحرب العالمية الأولى واحدة من أكثر المعارك دموية فخلال تلك الفترة التحمت القوات الألمانية بالقوات الفرنسية ضمن معركة فردان (Verdun) بالشمال الشرقي لفرنسا. وطيلة فترة القتال التي استمرت لما يقارب العشرة أشهر سقط ما لا يقل عن 700 ألف جندي بين قتيل وجريح من كلا الطرفين.
وفي خضم معركة فردان شهد يوم الخامس والعشرين من شهر شباط/فبراير سنة 1916 حدثاً بارزاً حيث تمكنت القوات الألمانية من السيطرة على حصن دوومون (Fort Douaumont) والذي يعد نقطة أساسية للجيش الفرنسي بالمنطقة. وخلال هذه العملية العسكرية نجح الألمان في إخضاع الحصن والقبض على الحامية الفرنسية المتواجدة داخله والبالغ عدد أفرادها 57 جندياً دون إطلاق أية رصاصة حيث استسلم الفرنسيون عقب تطويقهم من قبل الجيش الألماني. وعلى إثر انتشار خبر سقوط حصن دوومون عاشت المدن الألمانية على وقع احتفالات حيث آمن الجميع بقرب حسم معركة فردان لصالحهم فضلاً عن ذلك تحول يوم الخامس والعشرين من شهر شباط/فبراير إلى يوم عطلة بالمدارس الألمانية.
في غضون ذلك وبعد مضي أقل من ثلاثة أشهر على هذا النجاح العسكري عرف الألمان يوم الثامن من شهر أيار/مايو سنة 1916 مأساة أسفرت عن تفحّم مئات الجنود. ففي حدود الساعة الرابعة صباحا من ذلك اليوم وأثناء تواجدهم داخل إحدى غرف حصن دوومون اتجه بعض الجنود الألمان نحو إعداد القهوة عن طريق طهوها اعتماداً على الوقود المخصص لسلاح قاذف اللهب.
استخدام الألمان لقاذف اللهب
وفي الأثناء لم يكن الجنود الألمان على دراية بسرعة اشتعال هذا النوع من الوقود. وتزامناً مع محاولة إشعاله تصاعدت ألسنة اللهب لتمتد بشكل سريع نحو الغرفة المجاورة التي اعتمدت لتخزين القنابل اليدوية. وعلى إثر ذلك دوّى انفجار رهيب بالمكان تناثرت على إثره الجثث.
صورة لإحدى قطع المدفعية الألمانية خلال معركة فردان
وعقب هذا الانفجار الأول حاول عدد من الجنود الناجين الفرار لكن لسوء حظهم تعرض هؤلاء لنيران صديقة أودت بحياة عدد كبير منهم. فتزامناً مع وقوع الانفجار تصاعدت كميات كبيرة من الرماد الأسود سرعان ما غطت أجساد الناجين الذين حاولوا الفرار من المكان للالتحاق بزملائهم وطلب المساعدة.
للوهلة الأولى آمن أفراد الحامية العسكرية الألمانية المتمركزة على مقربة من مكان الانفجار بفكرة تعرض الحصن لهجوم فرنسي.
صورة للجنرال الفرنسي تشارلز مانغين
وبسبب الظلام الدامس اعتقد العسكريون الألمان أن زملاءهم الناجين من الانفجار والذين غطى الرماد الأسود وجوههم جنود فرنسيون من أصول سنغالية فما كان منهم إلا أن استهدفوهم بالقنابل اليدوية والرشاشات لترتفع على إثر ذلك حصيلة القتلى عقب هذا الخطأ العسكري بشكل لافت للانتباه فضلاً عن ذلك امتدت ألسنة اللهب خلال اللحظات التالية لتبلغ مخزن قذائف المدفعية لتشهد المنطقة عقب ذلك انفجاراً ثانياً.
أسفرت هذه الكارثة العسكرية عن مقتل ما يزيد عن 700 عسكري ألماني وبسبب تفحّم العديد من الجثث أقدم الجنود الألمان على دفن زملائهم بمقبرة جماعية داخل أحد مخازن الذخيرة بالحصن. وفي الأثناء تسببت هذه الحادثة في انهيار معنويات القوات الألمانية المتمركزة بالمكان كما تزامن ذلك مع تكثيف الجنرال الفرنسي تشارلز مانغين (Charles Mangin) لجهوده الرامية لاستعادة الحصن.
العربية نت