جلسة برلمانية عقدت أمس، واستمرت خمس ساعات متتالية، البند الأخير فيها خُصِّصَ لمُناقشة تقرير اللجان عن تقرير المراجع العام لسنة 2016م الذي تمت إجازته بالأغلبية.
وعلى الرغم من أهمية البند إلا أن الملاحظ لدى مناقشة التقرير غياب جُل الجهاز التنفيذي، الأمر الذي أثار غضب النواب وجعلهم يطالبون بإلزام الحكومة بحضور الجلسات، في وقت اعتبر فيه البعض الغياب نوعاً من (الحقارة).
ملاحظات اللجان على التقرير
تقرير اللجان الذي عُرِضَ أمام النُّواب بالبرلمان أمس، جاء في (37) صفحة، وتلاه رئيس لجنه المالية علي محمود، مبتدراً حديثه بأن اللجان لاحظت في أداء الموازنة، أن المراجعة بينت أن مصروفات التنمية بلغت 104% في مقابل نسبة تنفيذ 50% للقطاع الزراعي، وهو ما لا يتسق مع هدف الموازنة العامة التي أجازها البرلمان. وأشار التقرير إلى وجود خلل كبير في التحصيل الإلكتروني، حيث كشفت المراجعة عن انخفاض الرسوم الإدارية بنسبة 43% وهي نسبة تكشف ضعف النظام الأمر الذي يستوجب المراجعة والتحقيق لمعرفة مسببات الانخفاض، وكشف عن أن الموازنة لم تَفِ بأهدافها التي كان أبرزها خفض التضخم وعرض النقود، مما يُشير إلى صورة سالبة للاقتصاد الكلي، في وقت اتهمت فيه اللجان بنك السودان بالتسبب في زيادة مديونية حكومة السودان لعدم التزامه بسداد الديون في المدة الزمنية التي يفترض فيها التسديد وهي ستة أشهر، حتى صارت مديونية طويلة الأجل بدفاتر بنك السودان حيث بلغ رصيد الاستدانة بنهاية العام المالي 2016م 419.27 مليون جنيه بزيادة 6.287 مليون جنيه.
ووصفت اللجنة الأوراق المالية “شهامة” بأنها تسببت في زيادة تكلفة التمويل وبالتالي زيادة العبء على الموازنة. وانتقدت اللجنة عدم مواكبة زيادة الدولار الجمركي للزيادة في تحسين الرسوم الجمركية، واعتبرت اللجنة الشيكات المرتدة في ديوان الضرائب وإدارة الجمارك بالظاهرة المتكررة، حيث بلغت المتأخرات والفاقد الضريبي والشيكات المرتدة للعام 2016، 7.4 مليار جنيه. وأظهرت المراجعة ارتفاعاً في نسبة الشيكات بالجنيه للضرائب بنسبة 90% ما يعادل 25.5 مليون جنيه يقابله زيادة في الشيكات المرتدة. وأرجعت المراجعة أسباب الزيادة إلى ضعف وعدم فاعلية نظم الرقابة الداخلية وضعف المحاسبة الإدارية تجاه من يتسبب في ذلك. وشددت اللجنة على ضرورة إجراء التحقيقات اللازمة بشأن المخالفات.
قلق البرلمان
وأبدى البرلمان قلقه وانزعاجه من التحفّظ على الحسابات الختامية من قبل المراجعة. وكشف التقرير عن زيادة نسبة الملاحظات حول مخالفة قانون ولائحة الإجراءات المالية والمحاسبية من العام 2015م، كما أظهر التقرير الالتزام على المشتريات الحكومية بوزارة المالية خللاً كبيراً فيما يتصل بالمشتريات، كما أن هناك عمليات شراء تتم خارج وحدة التعاقد والشراء، وأن هناك تضارباً في عدد الشركات الحكومية، وأضاف: كشفت المراجعة عن (120) شركة حكومية، بينما تتحدث وزارة المالية عن 80 شركة في حين أن الشركات التي وُضِعَ لها ربط في الموازنة عددها 20 شركة، إضافة إلى أن إدارة التسجيلات التجارية بوزارة العدل كشفت عن أرقام أخرى تساهم فيها أجهزة الدولة المختلفة (اتحادية – ولائية) عاملة يبلغ عددها 431 شركة، أما التي تساهم فيها شركات حكومية يبلغ عددها 303 شركات.
وكشفت اللجان عن أن هناك بعض الهيئات والشركات الكبيرة لا يوجد بها محاسب من ديوان الحسابات القومي وهي (16) منها: “هيئة الموانئ البحرية، هيئة سكك حديد السودان، شركة الخطوط الجوية السودانية، الشركة السودانية لتوزيع الكهرباء، وشركة الخطوط البحرية، شركة السكر السودانية”.
(مافيش حكومة)
في نهاية الجلسة وَبَّخَ رئيس البرلمان إبراهيم أحمد عمر النواب على عدم حضورهم مبكراً لبدء الجلسة في زمنها المحدد، وقال: (ما فيكم أسن مني، وأنا جلست خمس ساعات منذ العاشرة صباحاً)، وطالبهم باحترام الدور النيابي الذي يقومون به. وأوضح إبراهيم أن المجلس الوطني هو أكبر مؤسسة رقابية.
النواب بدروهم احتجوا على عدم حضور الجهاز التنفيذي جلسات البرلمان. وقالت النائبة عن حزب المؤتمر الشعبي نوال الخضر: “غاب الجهاز التنفيذي (مافيش حكومة)”، وأوضحت أن على البرلمان تحمل المسؤولية ويدفع بمذكرة لمجلس الوزراء بها مصفوفة لكل بند على حدة ليُعرف أين الخلل.
من جانبه أضاف النائب حسن صباحي أن النواب يغنون ولا أحد يسمعهم، واستنكر قائلاً: (ما عارفين الشغلة دي حقارة من الجهاز التنفيذي ولا شنو؟)، موضحاً أن المالية تعمل على شركات غير قانونية، وأضاف: (عملت لينا صداع، الولاية على المال العام، الولاية على المال العام)، مشيراً إلى أن صندوق المعاشات لا يراجع ويستثمر أموال المعاشيين، وأضاف: “كنت أعتقد أن “الكجم” في الولايات فقط، إلا أنه موجود في المركز أيضاً”.
من جهته انتقد رئيس لجنة الأمن الهادي آدم، غياب الوزراء، وقال: (لا أرى غير واحد فقط ولا حتى وزراء الدولة)، مشيراً إلى أن وزارة المالية هي التي تُهدِرُ المال العام، وقال: (مبنى البريد مثلاً)، موضحاً أن الشركات الحكومية لم يتم الاتفاق على عدد ثابت لها حتى الآن. وأضاف الهادي أن هناك أكثر من (400) شركة لا تخضع للمحاسبة، ولا يعرف أين تذهب أرباحها.
المداولات
نائب رئيس الجمهورية السابق والنائب حسبو محمد عبد الرحمن، كان الأمس أول يوم له بالبرلمان بعد إعفائه من منصبه، الأمر الذي جعل رئيس البرلمان يُرحِّبُ به عند طلبه لفرصة، وقال: (نرحب بالأستاذ حسبو وهو يُمارس دوره الرقابي)، وقال حسبو: “مكثتُ بالجهاز التنفيذي أربع سنوات وتسعة أشهر واثني عشر يوماً، هناك خلل في الجهاز التنفيذي لأنه لا يسمع الكلام”. وطالب بإلزام الجهاز التنفيذي لحضور النقاش داخل البرلمان، موضحاً أن تقرير المراجع العام كان يأتي إليهم بعد إجازته من البرلمان. وأشار حسبو أن المراجع العام يعاني ولا بد من دعمه حتى تكون بيئة العمل أفضل، ويستطيع أن يعد تقريره، مُتسائلاً عن الشركات الحكومية، وطالب بمراجعتها وأي شركة خاصة مشاركة فيها.
من جانبه أكد النائب أحمد أبوبكر أن الفساد انتشر في كل مؤسسات الدولة، وطالب البرلمان بسن تشريعات تتيح للمراجع العام فتح بلاغات مباشرة ضد المعتدين على المال العام. وقال أحمد في مداولات النواب للتقرير المشترك للجان المجلس حول تقرير المراجع العام أمس، أن التقرير كشف عن وجود فساد في كل مؤسسات الدولة في الحج والعمرة والسجون وجميع الدواوين الحكومية، ودعا الأجهزة الأمنية والبرلمان لمتابعة تقرير المراجع العام، وأن يقتصوا من المعتدين على المال العام ويسترجعوا حق المواطنين في تلك الأموال حتى لا تتكرر مثل هذه الاعتداءات، وقال: “لا يوجد شخص يحاسب شخصاً معتدياً على المال العام”، وأضاف: “التقرير أتى بكل الاعتداءات وعلينا متابعتها حتى لا تتكرر”.
برلمانيون آخرون طالبوا بتصفية الشركات الحكومية، ففيما أكدوا أن الشركات الحكومية هي أُسُّ الفساد والتعدي على المال العام، قالوا: (القطط السمان) هي المؤسسات الحكومية الخارجة عن سلطة وزارة المالية وليس أفراد. وأكد رئيس لجنة الإعلام بالبرلمان الطيب مصطفى، أن الشركات الحكومية أكبر عوامل الفساد في البلاد، وقال: (القطط السمان) هي الشركات الحكومية وليس الأفراد، ونبه إلى أن وجود مراكز قوى داخل الشركات الحكومية أكبر من سلطة وزارة المالية، وقال إن وزارة المالية عاجزة عن السيطرة على الشركات الحكومية ولا تستطيع أن تفرض سلطاتها عليها لوجود مراكز قوى داخل الشركات أقوى من المالية، وأكد أن المالية لا تعرف عدد الشركات الحكومية لأنها لا تتعامل معها، وأن هناك مراكز قوى داخل الشركات لا يصلها المراجع العام أو وزارة المالية. وأشار الطيب إلى وجود أشخاص يحولون دون إصدار قانون لمكافحة الفساد وقيام المفوضية، وقال: “هناك جهات تنشئ المباني بملايين الدولارات وتتبرع بالأموال لإنشاء الأندية، وأضاف: “نصرف الأموال على مثل هذه الأشياء ولدينا تلاميذ يجلسون في فصول من القش”.
صحيفة السوداني.