هل يجني المغتربون أموالا كثيرة من العمل خارج أوطانهم؟

بينما كان الاقتصاد الأيرلندي يواجه صعوبات في أعقاب الأزمة المالية العالمية، وكان الناس يتساءلون

كيف سيمكنهم دفع أقساطهم العقارية، انتقلت المُعلمة سورشا كويل للعيش في الشرق الأوسط.

لم يكن دافعها هو مجرد فكرة البحث عن تحد جديد، لكن ما دفعها للسفر هو حقيقة أن العمل في الخارج سيمكنها من تحقيق طموحاتها المالية، والتي لن تتحقق لو ظلت في بلادها.

تستذكر كويل، البالغة 32 عاماً، والمقيمة في دبي حالياً، ذلك بالقول: “كنت في أيرلندا خلال فترة الكساد، وكنت محاطة بأصدقائي وعائلتي الذين فقدوا وظائفهم، ولم يكونوا قادرين على تسديد أقساطهم العقارية المتضخمة، وكانوا مرهقين ذهنياً ونفسياً بسبب القلق من عدم توفر المال”. وقد أدى قرارها ذاك إلى تغير حقيقي ملموس في حياتها.

لقد تلاشت المخاوف والمصاعب المالية التي كانت كويل تعيشها في الماضي عندما كانت معلمة في بريطانيا وشاهدت أصدقاءها يمرون بها أيضا، حيث كانت تدفع أكثر من 50 في المئة من راتبها مقابل إيجار البيت، ولم يتبق للتوفير إلا نزر يسير.

وقد تمكنت منذ عملها الأول في قطر في عام 2011 من توفير أكثر من 186 ألف دولار، واشترت عقارين، أحدهما في بلدتها الأصلية ويتكون من أربع غرف نوم. وبات في استطاعتها السفر مرة أخرى.

“سنة واحدة من العمل في الخارج تعادل مالياً ثلاث سنوات من العمل في الوطن”، كما يقول أندرو تالبوت، الذي يعمل مخططاً مالياً معتمداً منذ 18 عاماً، ويعمل حالياً مع شركة “إكسبات فايننشال بلاننغ” في سنغافورة.
التدريس في قطر، وفي دبي حاليا ساعد طويل في تخفيف مشاكلها المالية

وطبقاً لبحث جديد صادر عن بنك “أتش أس بي سي”، فإن معدل ما يضيفه العاملون في الخارج إلى رواتبهم يبلغ 21 ألف دولار سنوياً في المتوسط.

وقال حوالي 45 في المئة من الذين شملهم إحصاء البنك السنوي المتعلق بالعاملين في الخارج إنهم حصلوا على أموال أكثر مقابل قيامهم بنفس العمل في الخارج، بينما قال 28 في المئة إنهم تلقوا ترقيات جيدة.

ويقول جون غودارد، مدير فرع “أتش أس بي سي إكسبات”، لتقديم الخدمات البنكية الدولية للمغتربين: “من المؤكد أن الانتقال للعمل في الخارج يغير حياة الموظف بشكل ملموس”.

ويضيف غودارد، الذي يقيم حالياً في تشانل آيلاندز، وقد عمل سابقا في آسيا، وأوروبا الشرقية، والشرق الأوسط: “الدخل الإضافي يُمكن الناس من ترتيب مستقبل حياتهم. ويقول ما يزيد على ثلث مَن استطلعت آراؤهم إنهم تمكنوا من ادخار مبالغ مالية لتقاعدهم. ويقول ثلث آخر إنهم استخدموا الأموال للإسراع في تسديد أقساطهم العقارية”.

واستهدف الاستطلاع الذي أجراه بنك “أتش أس بي سي” من هم فوق 18 عاماً ويعملون خارج بلدانهم الأصلية.

وقد تجاوب مع ذلك الاستطلاع أكثر من 22 ألف شخص، غالبيتهم في مستويات وظيفية عالية، ويتمتعون غالباً بدخل مرتفع عند بداية وظائفهم.

ومن بين 163 بلداً ومنطقة شملهم الاستطلاع، تبين أن المعدل السنوي الأعلى للرواتب كان في سويسرا (وبلغ أكثر من 202 ألف دولار)، ثم الولايات المتحدة (أكثر من 185 ألف دولار)، وهونغ كونغ (أكثر من 178 ألف دولار).

لكن في الوقت الحاضر، هناك قطاعات متعددة من الموظفين الذين يعملون في الخارج، بدءا من المغتربين التقليديين الذين يعملون بعقود سخية، ووصولا إلى شبان من جيل الألفية انتقلوا للعيش في الخارج أملاً في الحصول على الخبرات والمهارات الجديدة، واكتساب معرفة أوسع وأعمق بالعالم من حولهم.

وتقول إيفون مكنالتي، الخبيرة في مجال العمل بالخارج، والمقيمة في سنغافورة، إن العقود السخية للأجانب والتي تشمل علاوات السكن ورسوم المدارس وعلاوة السيارة تتلاشى بسرعة.
بينما يمكن أن يساعد العيش في الخارج في بناء المستقبل الوظيفي وكسب المال، لم تعد رواتب الأجانب مرتفعة بالصورة التي كانت عليها من قبل

وتشير إلى عدد من الإحصاءات الحديثة التي تعزز هذا الإتجاه. فقد أظهر استطلاع لمؤسسة “كي بي أم جي” لعام 2017 حول العمل في الخارج أن 27 في المئة فقط من الذين شملهم الاستطلاع توقعوا أن تزيد فرص حصولهم على المهام والوظائف الخارجية المعتادة التي تحظى في العادة برواتب وعلاوات سخية.

بينما توقع حوالي 29 في المئة منهم أن تقل تلك الفرص، لكنهم يتطلعون إلى القيام برحلات عمل طويلة، ومهام قصيرة الأمد، وعقود محلية ليتمكنوا من سد احتياجات عملهم في الخارج.

وتوصل إحصاء لعام 2018 أجرته شركة كارتوس للسفر، إلى أن القلق من التكلفة عزز من العزوف عن الوظائف التقليدية طويلة الأمد والتي يُنظر إليها على أنها مكلفة بشكل متزايد.

وتقول مكنالتي: “فكرة أنه بإمكانك العمل مع (أحد فروع) شركتك في الخارج وأن تصبح ‘غنياً’، أو أن تكسب مالاً أكثر مما تكسبه في الوطن، باتت فكرة قديمة، بل أصبحت مغالطة”.

لكن مع ذلك، يمكن للناس الاستفادة من معدلات ضرائب الدخل المنخفضة أو المنعدمة أساسا، خارج بلدانهم الأصلية. ففي دبي، ليست هناك ضريبة على الدخل على الإطلاق. وفي سنغافورة، يبلغ أعلى معدل للضريبة على الدخل 22 في المئة فقط، وفي هونغ كونغ يبلغ 17 في المئة، وذلك مقارنةً بنسبة تصل إلى نحو 45 في المئة في الدول الأوروبية، مثل فرنسا والمملكة المتحدة.

لكن ذلك مجرد جزء واحد من المعادلة. فالعديد من البلدان التي تكون فيها الرواتب مرتفعة هي أيضاً من بين أغلى البلدان في العالم من حيث تكلفة المعيشة. وقد تبوأت هونغ كونغ المركز الأول كأغلى بلد في العالم بالنسبة للأجانب، وذلك في إحصاء تكلفة المعيشة الصادر عن مؤسسة “ميركر” لعام 2018.

يضاف إلى ذلك فكرة أنه كلما زاد راتبك زاد إنفاقك. فالذين يتمتعون بزيادة كبيرة في رواتبهم من العاملين في الخارج يغريهم أن ينفقوا ذلك المال على الخروج إلى المطاعم، وأماكن الترفيه الليلية، وقضاء عطلات تتسم بالبذخ.

ويتوقف الأمر هنا، طبقاً لتالبوت، على ما إذا كنت أعزباً أو مع عائلتك، أو تعمل وفق عقد عمل سخي أو بعقد عمل محلي، وبناء على ذلك يتعين عليك أن تحدد أسلوب الحياة الذي تريده، وتضع خطة مالية وميزانية بناء على ذلك.

ويقول تالبوت: “يحتاج الناس إلى أن يسألوا أنفسهم ما الذي يريدونه في نهاية مدة عملهم في الخارج، وهل يريدون دفع كامل قسطهم العقاري، أو أن يكون لديهم مبلغ معين في البنك، أو أن يقوموا بشراء عقار ثان. حدد هدفك والتزم به. ينبغي دائماً أن يكون لديك خطة”.
المدن العالمية مثل سنغافورة توصف غالباً بأنها من بين الأكثر تكلفة في العالم، لكن لأناس مثل تاتوي تدبر أمورهم إذا تجنبوا أسلوب العيش المترف

انتقلت ماي تاتوي، 48 عاماً، من الفلبين للعيش في سنغافورة قبل أكثر من 20 عاماً، بعد أن عرضت عليها شركتها في الفلبين منصباً في فرعها في سنغافورة، مقابل راتب كان يزيد على ستة أضعاف راتبها في بلادها.

وأتاح العمل في الخارج لتاتوي الفلبينية، التي تحمل الآن الإقامة الدائمة في سنغافورة، شراء منزل لنفسها وآخر لوالديها (فضلاً عن تغطيتها لمصاريفهما الشهرية)، إضافةً إلى مبالغ مالية أخرى في صناديق الاستثمار. كما أنها تدخر مبالغ مالية لاستخدامها في حالة الطوارئ.

وبينما ارتفعت تكاليف المعيشة بشكل كبير على مر السنين، عاشت تاتوي في سنغافورة حيث ساعدها أسلوب حياتها المقتصد في تنمية ما لديها من أموال.

وتقول عن ذلك: “أفضل الأشياء الرخيصة والمفيدة والتي تدخل البهجة على النفس. أستقل الحافلة للتنقل داخل المدينة في غالبية الأوقات، وأسدد ما على بطاقاتي الائتمانية بالكامل في الوقت المحدد لتجنب دفع الغرامات الإضافية في كل شهر. أشعر بالفعل بأنني اشتريت حريتي من قيود الديون والقلق بشأنها”.

لكن عبد الرحيم ميا ليس مغترباً “تقليدياً” مثل تاتوي، فقد حصل على عقد عمل بمميزات سخية. فهو مواطن بريطاني في الخامسة والعشرين من عمره، ومتخصص في العلاج النفسي، وانتقل للعيش في ماليزيا قبل عامين للعمل مع ناد لكرة القدم وليكون مع عائلته.

لم يتمكن في البداية من ممارسة عمله الأصلي بسبب مشاكل خاصة بتأشيرته، لكنه يعمل الآن مديراً لناد للتمارين الرياضية، ويقول: “كنت أكسب من العمل بدوام جزئي في دار سينما في بريطانيا مالاً أكثر من عملي هنا بدوام جزئي أيضا”.

لكن لأن تكلفة الحياة أقل في كوالالمبور، تمكن عبد الرحيم من أن يجني ما يكفي من المال للإنفاق على نفسه، ومع ذلك فإنه يحذر أي إنسان من الاعتقاد بأن الوظيفة في الخارج ستكون تذكرة دخول لعالم الثراء. ويقول: “ينبغي أن تزن المزايا والسلبيات جيداً”.

وبالانتقال إلى دبي، تساعد كويل غيرها من المعلمات في إيجاد فرص عمل في الخارج عبر مدونتها التي تقدم الاستشارات والمعلومات عن العمل في المدارس الدولية والعيش في المدن التي تقع فيها، فضلاً عن طريقة التفاوض على أفضل شروط لعقد العمل.

وتعترف كويل بأنه من السهل الانجذاب إلى فكرة حصول المغتربين على رواتب جيدة، وتقول إن الانضباط في المصاريف ضروري حتى مع احتمال وجود علاوات ومزايا كبيرة.

فبعد قضائها سبع سنوات في الخارج، وشعورها بأنها أكثر أماناً من الناحية المالية، تتطلع الآن إلى المستقبل. وتقول: “لقد وضعت حداً معيناً للوقت الذي أقضيه كمعلمة أجنبية. والداي يتقدمان في السن وبدأت صديقاتي في الوطن يتزوجن وينجبن الأطفال. لم أعد أرغب في أن أكون ذلك الشخص الذي يزور وطنه مرتين فقط في كل عام”.

bbc

Exit mobile version