كنت قد كتبت قبل أيام قليلة عن عودة الإمام الصادق المهدي إلى السودان
، وقلت إن ما تبيّن لي وثبت من خلال وساطة قمت بها أن المؤتمر الوطني لم يُبد حماساً لعودة الرجل إلى أرض الوطن بل أن ما اقتنعت به ، وأرجو أن أكون مخطئاً ، أنه لا يحرص على وجوده في السودان وربما لا يريده (عدييييل كده) مشاركاً في صناعة المشهد السياسي السوداني في المستقبل.
تصديقا لاستنتاجي فقد قال مانشيت (الصيحة) أمس 🙁 الوطني يرهن ترحيبه بعودة الصادق المهدي بفك ارتباطه بالحركات المسلحة)!
إذن فقد آن الأوان للمهدي أن يتعامل مع هذا الواقع بدون أدنى تردد ولا خيار أمامه سوى العودة التي ستزيد من قدره وترفع رصيده الوطني سواء استقبل بالترحيب أو بالمخاشنة.
لا أجد والله العظيم أدنى سبب لهذا الموقف المتعنت من الوطني الذي لا يزال يصر على الإبقاء على الدعاوى المرفوعة ضد المهدي بالرغم من أن تصريحاته النابذة للعنف منذ إعلان باريس كافية لإقناع الوطني بأنه لم يختر طوال عمره السياسي التغيير بالسلاح بل أن الحزب الشيوعي الموجود في الداخل أكثر تطرفاً من المهدي وحزب الأمة القومي في مواجهة نظام الإنقاذ بكل السبل سواء السلمية أو العنيفة ولكن الوطني (حمدو في بطنو) ولا يريد أن يقول للمهدي بالواضح والصريح :(خليك بره البلد) بالرغم من أنه قاله عبر (لحن القول) الذي صرح به متحدثهم بالأمس.
على المهدي وقد أعلن أنه سيعود أن يفعل مهما كلفه ذلك ولا يليق به أن يضع نفسه في موقف يُحسب عليه وعلى حزبه وتاريخه السياسي.
الغريب أن المهدي تعرض لوابل من الهجوم الكاسح من الحزب الشيوعي وحلفائه من قوى نداء السودان الذين فهموا من قرار عودته ما يصر المؤتمر الوطني على عدم فهمه أو تصديقه أن المهدي يرغب في تسوية سياسية مع النظام الحاكم بل إن ياسر عرمان برر عودة المهدي بقوله :(إن كل حرب يجب أن تكون نهاياتها سلام وحروب السودان الحالية أفضل طريقة لحلها هي التسوية السياسية الشاملة والسلام العادل)!
إذن فإن القوى الرافضة لعودة المهدي من الخارج ومعها عرمان يعتبرون عودة المهدي جنوحاً للسلام ورفضاً للخيار المسلح أو ما سمي بـ (الهبوط الناعم) عوضاً عن (الهبوط الخشن)! ولكن من يقنع الوطني أن أسلوب تعامله مع المهدي بكل رمزيته ووزنه السياسي كونه آخر رئيس وزراء منتخب ديمقراطياً قبل انقلاب الإنقاذ لا يليق بمن يزعم أنه حريص على السلام وعلى لم شمل أبناء السودان بعيداً عن الاحتراب والتشاكس الذي أرهق بلادنا وعطل مسيرتها وشوه سمعتها بين الأمم.
ربما لأول مرة أشعر أن عرمان الذي دافع عن عودة المهدي إلى السودان وعن التسوية السياسية بعيداً عن الحرب ، بدا واقعياً بعد أن اقتنع بانهيار مشروع السودان الجديد جراء المتغيرات التي حدثت في جبال النوبة والتي أطاحته عن قيادة الحركة الشعبية (قطاع الشمال) حيث أصبح (عمدة بلا أطيان) ثم بعد قرارات الرئيس الجنوبي سلفاكير بتعديل اسم جيش الجنوب من (الجيش الشعبي لتحرير السودان) إلى (قوات الدفاع الشعبية لجنوب السودان) بما غيّر توجهه إلى جيش يدافع عن دولته بدلاً من السعي إلى (تحرير) السودان مما جرد قطاع الشمال من هدفه الاستراتيجي المتمثل في تحرير السودان وإعادة توحيد الجنوب في إطار السودان الموحد.
بذات الواقعية التي جعلته يركن إلى التسوية السياسية ندعو عرمان إلى نسيان مشروعه القديم الذي دفنه سلفاكير كما دفن أحلامه عندما سحبه من الترشح لرئاسة جمهورية السودان إثر الصفقة التي أبرمت بينه وبين المؤتمر الوطني أو قل الرئيس البشير في انتخابات 2010.
أما عبدالعزيز الحلو والذي أجزم أنه لا يصلح لدور الرجل الأول في أي تنظيم يكون جزءا منه فستثبت له الأيام أن كل الطرق موصدة أمامه بل أنه أفشل من أن يجمع مجلس تحرير جبال النوبة خلفه ناهيك عن تحقيق أي من أحلامه وطموحاته المستحيلة.
الطيب مصطفى
صحيفة الصيحة