انتماء الفتيات لـ(داعش).. البحث عن زوج هل هو السبب؟

العنوسة، الزواج، ما تزال الأفكار التي تحاصر النساء في كل المجتمعات، تتعدد الأسباب وتتباين باختلاف المجتمعات لكنها تكاد تكون الرابط الوحيد..

لكن ما بدا مفاجئًا للبعض هو القطع بأن الزواج أهم أسباب الالتحاق بالتنظيمات المتطرفة، وفق ما قاله عضو مجمع الفقه إبراهيم نورين أمس، مشيرًا إلى تعرض الفتيات لإغراءات الزواج شرط الانضمام لتلك الجماعات.

اختزال الفكرة

المختص في الجماعات المتطرفة محمد خليفة صديق، اعتبر في حديثه لـ(السوداني) أمس، أن القول بأن بعض الفتيات التحقن بتنظيم (داعش) للزواج هو وصف مخل جدًا ورؤية سطحية لجهة أن الزواج متاح في أيّ مكان، قاطعًا بصعوبة أن يُعرّض المرء حياتهُ للخطر حتى يتزوج وهو يعلم وضعية الدولة الإسلامية، لافتًا إلى أن ذلك أشبه بالحديث الذي كان سائدًا سابقًا عن جهاد النكاح، في حين أن تمسكهن بالفكرة لجهة اقتناعهن بها.
في السياق ذاته، يرى المهتم بالجماعات الإسلامية صديق خضر، في حديثه لـ(السوداني) أمس، أن هذا تشويه للفكر لجهة أن دافع الانضمام لتلك الجماعات هو الإحساس بالغبن والظلم، في ظل رؤية تقول إن المجتمع الغربي اجتاح المجتمعات الإسلامية واستوطنها ليتحكم بمصيرها. ويؤكد خضر أن الدافع سواء كان من رجل أو امرأة هو التحرر أكثر من كونه بحثًا عن زواج.

(النساء الأكثر تمسكًا بالفكر المتطرف مقارنةً بالرجال) عبارة غير معلومة الأصل أو المصدر ولكنها تسيدت حتى أضحت قاعدة تسم النساء. ويرى خليفة أن ذلك يعود لطبيعة المرأة نفسها بحكم تكوينها. ويذهب خضر بدوره إلى أن تفسير العبارة ربما يرتبط بفكرة الزواج نفسها ونشأتها في هذه الجماعات وتنطلق من فكرة إنشاء مجتمع جديد ومثالي، وأضاف: ولأن النساء في الغالب مثاليات أكثر من الرجال ويتماهين مع فكرة إنشاء مجتمع جديد تكون هي أساسه.

وأوضح صديق خضر أن فكرة المجتمع المثالي حاضرة في الخيال الإسلامي، وأضاف: الخيال في الأسر المسلمة الآن يتناقض مع المجتمع القائم حاليًا، مشيرًا إلى أن معظم الفتيات اللائي انضممن للتنظيم لم تكن لديهن مشكلات، والزواج ليس بالأمر الملح لديهن.
واعتبر خضر أن استصحاب الزواج كسبب لانضمام النساء للتنظيم، كرّس له إعلام المجتمعَين الغربي والعربي اللذين يهاجمان الظاهرة دون دراستها أو التعامل معها فيلجآن لتشويهها.

ماذا يعملن داخل التنظيم؟

وفيما يُنظر لكون النساء أكثر تمسكًا بالفكر المتطرف، يشير خضر إلى أن ذلك يتعارض مع وقائع تعدد الأدوار اللائي يقمن بها النساء داخل الجماعات المقصودة، وأضاف: تتعدد وظائف العنصر النسائي سواء بدعم زوجها، أو العمل في الإعلام والدعوة إضافة إلى المجال الطبي والإسعاف، أي أن نساء (داعش) لديهن دور كبير مقارنة بالتيارات السلفية، لافتًا إلى كثرة الاستعانة بهن في العمليات الأمنية والاستخبارية كنقل ملفات والمعلومات.

وأوضح خضر أن (داعش) لا تتعامل كتنظيم مسلح بل كدولة كاملة لها نظام اجتماعي، والأسرة جزء من النظام والنساء في كل الجماعات المسلحة عنصر فاعل وأساسي.
وفيما يقر خليفة بصعوبة معرفة الأوضاع بشكل دقيق داخل التنظيم وتحديدًا حول وضع الأسر ومدى استقرارها، إلا أنه يشير إلى أن (داعش) لم تكن تفرض ضرائب على أفراد مجتمعها مما يجعل الحياة لديها أكثر استقرارًا.

نفي

التهمتان سواء (التطرف أو الالتحاق بهدف الزواج) بدتا استخفافا بأصحاب القناعات والمنضمات إلى التنظيم بفكرة معانقة السماء. ويدافع الكثيرون بأن التنظيم نفسه ووفقًا لوسائله لا يتيح الفرصة لإمكانية التفكير بثنائية التهمة تلك. ويذهب المختص خليفة إلى أنه وبقراءة بسيطة للمواقع الإلكترونية التي يديرها التنظيم، فإنها تُدار بطريقة علمية، فكل مُستهدف يأخذ جرعة مناسبة، يختلف فيها النساء عن الرجال، من حيث العمر، الدولة، وأضاف: حتى خطاب التطرّف مُعد بطريقة علمية ولعل من استهدفوا طلاب جامعة مأمون حميدة كانوا يعلمون مداخل المستهدفين من حيث طبيعة الشباب والبيئة التي نشأوا فيها.

بينما يذهب خضر إلى أن الخطاب الذي يشجع الإسراف في القتل تنتجه المدرسة السلفية، لافتًا إلى أن خطاب (داعش) هو نفسه خطاب الجماعات السلفية التقليدية، وما فعلتهُ (داعش) الآن هو ذاته ما قامت به الحركة الوهابية في 1800م، وأضاف: جينات التطرف إن صحت التسمية فحاضنتها الأساسية هي التيار السلفي.

الكثير من الدعاة يعتبرون أن ثمة برامج تُغذِّي التطرّف كـ(شباب توك)، في وقت يرى فيه خليفة أن هناك برامج دينية تحثُّ على التطرُّف خصوصًا تلك التي لا تدعو للتسامح. وأوضح محمد أن البرامج المُبتذلة تخلق في المقابل متطرفين لجهة بروز من يرفضها ويقف ضدها؛ لافتًا إلى أن بعض أسباب التطرف تعود إلى الشخص كأن يكون ذا طبيعة مهيئة للتطرّف أو أن يتطرّف بسبب موقف ما، وأضاف: الأسباب متعددة حسب طبيعة الموقف وطبيعة الإنسان.

أم المقداد.. ماذا قالت؟

وللوقوف على ما إذا كان الزواج هو أحد الأسباب التي دفعت الفتيات للانضمام لتنظيم (داعش)، سعت (السوداني) لإلقاء استفهاماتها على إحدى النساء القريبات من تنظيم الدولة الإسلامية، ومن انضممن لهُ وتدعى بأُمّ المقداد.
تقول لأم مقداد إن الزواج لم يكن من ضمن الأسباب، وهناك حالات كثيرة لنساء تزوجن هنا ثم سافرن بعدها للالتحاق بالتنظيم في العراق، سوريا أو ليبيا، فلا توجد علاقة ما بين الانضمام للتنظيم والزواج، مشيرة إلى أن داخل التنظيم يوجد خلاف كبير حول سفر البنات لجهة أن به مخاطر كبيرة عليهن، فهناك من يرى ألا يسافرن وأن يبقين لتعليم الأجيال وتربيتهم على المنهج. وصحيح ربما هناك اضطرار للزواج بحكم اشتراط أن يرافق الفتاة منهن محرم فتتزوج حتى تسافر، وهناك عدد مقدر من الفتيات لم يتزوجن، لأن بعضهن سافرن برفقة إخوانهن وأخريات خرجن في شكل مجموعات.
تضيف أم مقداد أن مهمة المرأة في (داعش) تبدأ بتربية الأجيال وتعليمهم، ويختلف ذلك من واحدة لأخرى بحسب المؤهلات التي تملكها، لكن كلهن يقمن بتربية الأطفال.

تقرير: إيمان كمال الدين
صحيفة السوداني.

Exit mobile version