عندما غزا “محمد على باشا” السودان كان هدفه المال والرجال، وعرف السودان منذ قديم الزمان بشجاعة إنسانه إبان فترة المهدية، فقد قاوم الإمام المهدي وجيشه كل التدخلات الأجنبية التي أرادت أن تركع قادته.. لذا أراد “محمد على باشا” أن يستولي على الذهب ومن ثم الرجال لتقوية مملكته،وهذا لم يكن ذلك خبط عشواء أو محاولة للبحث وإنما دراسة قام بها معاونوه ،إن وجود الذهب بالسودان لم يعار نظرة من قبل المسؤولين ولا من مراكز البحث العلمي إلا مجهود بسيط قامت به بعض الشركات التي تعمل على التنقيب ولم يكن أساسياً في الميزانية، إن الذهب الذي اكتشف في وقت مضى لم يجد اهتماماً كبيراً ولكن الذي اكتشف بعد انفصال دولة الجنوب كأنما هبة ربانية لأهل السودان فقد عثر آلاف من المواطنين عن طريق التنقيب العشوائي في مناطق دارفور والشمالية على كميات كبيرة منه غيرت أحوالهم الاجتماعية بل ساعدت الدولة في إدخاله ضمن الميزانية العامة .. إن الفتح الرباني الذي حل على البلاد بهذا الاكتشاف جعل الحكومة تتحرك إلى مناطق التنقيب فهيأت لهم المكان وأقامت الأسواق ونظمت الحياة للمنقبين، إن كثيراً من المواطنين لم يصدقوا أن الأرض تنتج ذهباً حتى تدفقت الأموال بين أيديهم.. وأذكر في زيارة إلى مناطق الذهب مع بعض الوزراء ونحن على سفح الجبل وجدت شخصاً مغبراً لم أتبين ملامحه في بادي الأمر حتى ذكر لي اسمه ، فسألته ما الذي أتى بك إلى هذه المنطقة، فقال لي البحث عن الذهب، وأخرج لي كمية من الذهب بل أعطاني قطعة منه، وقال لي خذها لتتأكد بأنه ذهب ،وفعلاً بعد فترة ذهبت إلى أحد الصاغة وعرضت عليه القطعة فاشتراها بثمن معتبر.
ما أريد أن أقوله في هذا المقال إن الذهب الذي ظهر الفترة الماضية بولايات دارفور أو الولاية الشمالية ما هو إلا فتح إلهي على الشعب السوداني المغلوب على أمره لإنقاذه من تلك الضائقة الاقتصادية،أمس الأول اكتشف بعض المواطنين بالقرب من المدينة الرياضية بولاية الخرطوم كميات من الذهب في أكوام من الأنقاض وهذا أيضاً فتح جديد على سكان الخرطوم الذين لم يتمكنوا من الذهاب إلى الولاية الشمالية أو ولايات دارفور، وكما يقول المثل السوداني الأعمى (شايل المكسر) فالمنطقة أصبحت عبارة عن خلية نحل رجال ونساء وأطفال وعجزة وغيرهم من قاطني ولاية الخرطوم، فالذي حدث يدعو للدهشة، ولم يصدق أحد أن الحالة التي عاشها المواطن من أزمات في المواد البترولية وعودة الصفوف إلى المخابز ونقص في السيولة تتحول تلك الأزمات إلى انفراج في السيولة فيذهب المواطن إلى أي صرافة فيأخذ نصيبه من المال الذي أودعه بالبنوك، ثانياً يكتشف بين ليلة وضحاها أن كميات من الذهب على مرمى حجر منه وفي المدينة الرياضية التي امتد العمل فيها إلى أكثر من سبعة وعشرين عاماً ،فأراد المولى قبل أن تفتتح المدينة الرياضية أن يهب المواطنين هذا الذهب ، إن دعوات الصالحين والعابدين والذاكرين ليلاً ونهاراً هي التي تنزلت على البلاد والعباد بهذه الخيرات والرحمات، فهناك الكثير من الكنوز التي يحظى بها السودان ، فعلينا أن نكتشفها بأنفسنا قبل أن تأتي جهة أخرى لتكتشفها لنا مثلما فعل “محمد على باشا” الذي تنبأ بتلك الكنوز من الذهب والرجال التي يزخر بها السودان وجاء من أجلها لفتح السودان.
صحيفة المجهر السياسي