يلجأ كثيرون في المجتمع المغربي إلى الزواج غير الموثق، بأشكاله العديدة. وهو ما يؤدي إلى مشاكل كبيرة، لا سيما في حالة الزوجة والأولاد.
نجوى، تذكر لـ”العربي الجديد” كيف عاشت تجربة زواج غير موثق مع طالب زميل لها في الجامعة قبل سنوات، تحت مسمى “زوّجتك نفسي”، مشيرة إلى أنّ هذا النوع من الزواج كان منتشراً في بعض الجامعات المغربية، لكنّه تراجع بشكل واضح بسبب التوعية المجتمعية والضوابط القانونية. تشرح أنّ الطالب وزميلته يتزوجان وفق أركان الزواج إلّا التوثيق، وفي غياب الأسرتين في كثير من الأحيان، بسبب الرفض الذي يجابه به الزواج باعتبار الزوجين ما زالا طالبين.
تبرر طالبات هذا الصنف من الزواج الذي يقوم على عبارة “زوّجتك نفسي” تقولها الفتاة للشاب بحضور شهود هم زملاء الطالبين، وبمهر رمزي، لكن من دون موافقة أولياء أمورهن، بأنّهن يسعين إلى الهروب من الوقوع في فخ الرذيلة الذي يحفزه نمط العيش في المدينة، بعيداً عن الأسرة.
الزواج السري وسط الطلاب سبق للنائب، فوزية الأبيض، أن أثارته تحت قبة البرلمان، وقدمت مساءلة لوزير العدل جاء فيها: “فئة من الطلاب تكفر بالأمن التوثيقي، والقوانين المؤسسة للعلاقة الشرعية، التي تحمي الطرفين، وهناك فئة تتحايل على القانون بطريقة غير شرعية تحت غطاء ديني؛ يتركون العقد الكتابي الموثق والمعترف به رسمياً ويتشبثون بالزواج الشفوي”.
“زواج المسيار” صنف آخر غير موثق، ومحاط بكثير من الصمت، بسبب حساسية الموضوع، ولأنّ العائلات غالباً ما تتحرّج من قبول هذا النوع من الزواج، تهرباً من انتقادات الجيران والمحيط. يقول عبد الباقي، لـ”العربي الجديد” إنّه اقترن بسيدة قبل سنتين، واتفقا على هذا النوع من الزواج بعدما تخلت عن حقوقها في المبيت والسكن، باعتباره متزوجاً، فتمّ الزواج بجميع شروطه من مهر وشهود وبحضور ولي المرأة، لكنّ جرى الاتفاق على أنّ زوجته لن تحظى بسكن خاص ولن يأتي للمبيت عندها إلّا في أيام معينة.
أما زواج الفاتحة فينتشر كثيراً في المناطق النائية في البلاد، ويعود إلى سنوات طويلة سابقة، إذ لم يعتد الأجداد توثيق زواجهم، بل كانوا يكتفون بقراءة سورة الفاتحة بين أهل الزوجين، بحضور ولي المرأة، مع إعداد وليمة لإشهار الزفاف أحياناً.
تقوم الحكومة حالياً بجهود مستمرة لتوثيق زواج الفاتحة، وتنظيم حملات لتسجيل الأطفال غير المسجلين في الأوراق العائلية (الحالة المدنية)، منها الحملة الوطنية التي انطلقت في يناير/ كانون الثاني الماضي، والتي أدت إلى تسجيل أكثر من 24 ألف شخص، من نتاج مثل هذا النوع من الزيجات.
يقول الباحث الاجتماعي، كريم عايش، لـ”العربي الجديد”، إنّ الزواج السري أو العرفي تفشّى في المجتمع المغربي بعدما جعل قانون الأسرة، وبعده مدونة الأسرة، عملية الزواج خاضعة لإجراءات اجتماعية وقانونية محددة وواضحة، وصار ما يعرف بالزواج العرفي هو الحلّ السريع والسهل الذي يوثّق شفوياً، وأحياناً على ورقة بسيطة، عقداً للزواج بين راشدين. يتابع أنّ هذا النوع من الزيجات هو تحريف لعادات الأجداد وسكان البادية الذين يعقدون قران أبنائهم عبر حضور عائلتي الزوجين وقبول الهدايا والمهر وقراءة الفاتحة، من دون تدوين ذلك ومن دون حضور شاهدين عدلين. يتابع أنّ “هذه العادات تتضمن إعلاناً بالزواج، وتحافظ على كرامة الزوجة وسمعتها وتحقق ترابطاً عائلياً ودمجاً للزوجين في النسيج الاجتماعي”.
يضيف أنّ مثل هذا الزواج يتحول إلى كابوس عندما يُطلب من الأطفال الإدلاء بأوراق إدارية بشأن الولادة والنسب، أثناء تسجيلهم في المدرسة، ما يجعل الزوجين عاجزين عن استخراج دفتر الحالة المدنية بسبب غياب عقد الزواج الذي هو الوثيقة التي تسجل تحول الحالة الاجتماعية للشابين إلى حالة زوجين. يلفت عايش إلى أنّ الأمر يزداد تعقيداً بالنسبة للمتزوجين عرفياً وشفوياً، أو بواسطة ورقة بين اثنين، إذ لا يعترف القانون بهذه العلاقة ويعتبرها فساداً وزنا يستوجب الاعتقال والسجن، كما أنّ المجتمع المغربي لا يسوّغ الدخول في علاقة زوجية من دون توثيقها عبر عقد الزواج.
يقول عايش إنّ هذا الزواج يخلق أيضاً صراعات متشعّبة بين أسر الزوجين، فضلاً عن حالات متعددة لإنكار هذا الزواج الذي ينتهي بالفتاة إلى الهروب من العائلة والسقوط في أحضان الفساد والكآبة، لتتحطم أحلامها بالاستقرار الأسري بسبب نظرة المجتمع الذي ما زال في أغلبه محافظاً ينكر هذه السلوكيات، ويعتبر الأبناء الذين يأتون منها لقطاء وغير شرعيين، وهو ما يرفع عدد المواليد الذين يجرى التخلي عنهم في جنبات الشوارع وحاويات القمامة.
العربي الجديد