الخروج من لغة الاقتصاد دائماً مع إعلان أية سياسات مالية أو اقتصادية جديدة، يقع على عاتق الصحف ووسائل الإعلام شرحها وتقديمها في
قوالب مبسطة للناس والجمهور، وهو دور وسائل الإعلام بشكل عام، لغة الاقتصاد لغة جامدة ذات حافة حادة خشنة، يفهمها المشتغلون في هذا المجال من مصرفيين وماليين وتجار ورجال أعمال، لكن عامة الشعب تهمهم النتائج والأثر السريع لهذه السياسات، يرونها ويفهمونها ويتفهمونها من خلال تبضعهم وشرائهم لاحتياجاتهم الضرورية، وفي حركة السوق اليومية ومعيشتهم، فلا هم لهم بمن يحدد سعر الصرف هل هو الحكومة أم لجنة أو آلية مستقلة؟ تتبع لبنك السودان أو تتكون مجموعة بنوك معهم ممثلين لأهل السوق..؟ ولذا لابد أن يكون أهل الصحافة والإعلام على دراية كافية وإلمام وإدارك جيد بما هدفت إليه هذه السياسات الجديدة للصادر والوارد، فهي بلا شك ستؤدي في نهاية الأمر بحسن التطبيق الى إصلاح حال الاقتصاد الوطني ووضعه في المسار الصحيح، لكن لا يتوقع ذلك بين ليلة وضحاها. فمثل هذه السياسات والبرامج تنفع في المدى المتوسط والبعيد، فلا يمكن في غضون أسابيع أو عدة أشهر قليلات أن يلمس المواطن الأثر الذي تخلفه .
يتطلب ذلك بعد إقرارنا بأهمية هذه السياسات النقدية الجديدة وما قدمته الحكومة من معالجات، أن يتفق صناع القرار الاقتصادي والمالي والخبراء للانتشار إعلامياً والتحدث للمواطن بلغة بسيطة ومفردات مفهومة وبتركيز عالٍ على الفوائد والعوائد التي ستجني في المستقبل ..
وأقترح على السيد رئيس الوزراء وبقية طاقمه الاقتصادي، تكثيف الشروحات في هذا الجانب والتنسيق مع الصحف وبقية وسائط الإعلام حتى يكون المواطن شريكاً في ما يجري، لأن المتوقع حدوث الآثار الجانبية الفورية لهذه السياسات، قد ينخفض سعر صرف الجنيه السوداني أمام العملات الأجنبية، وترتفع أسعار الخدمات والسلع والبضائع ويتضاعف الغلاء، فهناك ارتدادات عكسية لأية سياسة إصلاحية، الترياق الوحيد الذي يمنع تفاقمها، هو حضور المواطنين في موعدهم واستيعابهم وثقتهم في سياسات الحكومة بأنها ستؤدي الغرض المطلوب، فيصبر المواطن ويصابر ويرابط . أما دون ذلك، فلا وألف لا ..
كتلة من الجنون ..
ليس هناك أكثر إثارة للغثيان والغيظ من أحاديث الرئيس الأمريكي دونالد ترمب في حملته الانتخابية للحزب الجمهوري للتجديد النصفي للكونغرس، فقد خالف ترمب كل الأعراف والتقاليد الدبلوماسية وعلاقات الدول وحدود اللياقة والاحترام،وهو يتحدث عن ثلاث دول تعد من أكبر حلفاء الولايات المتحدة ( اليابان، كوريا الجنوبية، المملكة العربية السعودية ) وهذه الدول ظلت وثيقة الصلة والتحالف مع واشنطن على الأقل منذ أربعينيات وخمسينيات القرن الماضي، ولم تتأثر العلاقة بينهم منذ ذلك الوقت ولا تراجعت ولم تتأرجح على حبال السياسة الظرفية .
لكن أن يخرج رئيس الولايات المتحدة الأمريكية ليتحدث كأحد قُطاع الطرق، ويبتز علناً وعلى رؤوس الأشهاد هذه الدول، ويقول بكل ما في عبارات الابتزاز من وقاحة وصفاقة بأنهم لولا حماية الولايات المتحدة لهم لانهارت أنظمة هذه الدول، ويوجه كلاماً مسيئاً وموغلاً في التجني وسوء الأخلاق في حق العاهل السعودي الملك سلمان، وكاشفاً في سابقة دولية خطيرة لم تحدث من قبل أسرار ما دار بينهما من أحاديث وآخرها حديث هاتفي تم نهاية سبتمبر الماضي، أن يحدث ذلك لهو الجنون بعينه!، ولا يستحق ترمب أن يكون صديقاً او حليفاً على الإطلاق، وهي إهانة كبيرة للولايات المتحدة ولمكانتها الدولية ..فإذا كان هذا هو حديثه عن الحلفاء والأصدقاء، فماذا سيقول عن الأعداء؟..
نحن أمام حالة شاذة وغريبة في السياسة الدولية، مهما تخيل العالم ما الذي سيكون عليه السيد ترمب لم يتخيلوا إنه سيكون بهذا الشكل المزر من الأداء السياسي الذي مرغ منصب الرئيس في الولايات المتحدة في الوحل والطين والتراب، سبق وأن خسر حلفائه الأوروبيين بالاستفزاز والصلف والتعامل الجلف والاستهزاء بهم وإهانتهم علناً، وخسر مجموعة الدول السبع في كندا قبل أشهر ورفض التوقيع حتى على البيان الختامي للقمة، لكن ما قاله عن المملكة العربية السعودية ومليكها لشيء محير فهو لا يختلف في اتهاماته وادعاءاته وأباطيله عن الذي تقوله إيران، وهو بذلك يدعم ما ظلت تقوله طهران في الوقت الذي يدعي فيه هذا الترمب أنه سيضيق الخناق على إيران ويهددها بالحرب ويوسع التحالف الإقليمي والدولي ضدها، ما صدر عن هذا الرجل لهو عمل أخرق، الله وحده يعلم الى أين سيمضي ترمب بالعالم وبالدولة التي يقودها ..
الطاهر وجائزة محجوب محمد صالح..
في كل الأحوال يسعد المجتمع الصحافي بمبادرات مؤسسات القطاعين العام والخاص، في تشجيع الأداء الصحي وتخصيص جوائز للأعمال الصحافية الجيدة، من بين هذه المبادرات ما قامت به مجموعة دال بتخصيص ثلاث جوائز للعمل الصحافي، تحت اسم ( جائزة محجوب محمد صالح )،و أقيم احتفال بقاعة الصداقة مساء الأربعاء لإعلان هذه الجوائز وتسليمها للفائزين بها، والتأكيد على القيمة المهنية والوطنية لمن تحمل الجائزة اسمه، وكان الحفل تعبيراً عن الامتنان والتقدير لتجربة محجوب محمد صالح التي امتدت لسبعين عاماً في بلاط صاحبة الجلال في العمل الصحافي والسياسي والوطني .
ما يهم في هذه الجائزة واحتفالها، أن أحد فرسانها أخانا الحبيب الأستاذ الطاهر ساتي الذي فاز بجائزة العمود الصحافي، ومن يعرف الطاهر كما عرفنا منذ بداياته الصحافية معنا في ( ألوان ) قبل عشرين عاماً تقريباً، يعرف مراحل التطور الذي مرت به تجربته، فهو بدأ من القاع صاعداً بدأب دون انشغال بشواغل أخرى في تجويد عمله وتدعيم بنائه المهني، فهو لم يسقط الى المهنة من علٍ ليحتل موقعاً في صفحات الصحف التي عمل بها كاتباً وصحافياً، بل اجتهد وتطور مقاله اليومي يوماً من بعد يوم،خارجاً من كتابة الانطباعات الشخصية التي تتسم بها جُل الأعمدة الصحافية الى كتابة العمود وفق المعيار الصحافي الصحيح، فهو يحشد للموضوع الذي يكتب فيه المعلومات ويستقي معلوماته من مظان ومصادر متنوعة ويستفرغ الوسع في الاجتهاد لساعات طويلة حتى يخرج بما يقارب الخمسمائة كلمة يومية يلخص فيها قضية سياسية أو اقتصادية أو اجتماعية أو موضوع يصلح لتحقيق كامل يخطئ أحياناً في استخلاصاته ويصيب، لكنه في النهاية يقدم خدمة صحافية للقارئ يجد فيها معلومات بأسلوب شائق ورصين، لا يصل الى حواف الأسفاف. فهنيئاً للطاهر بالجائزة التي يستحقها فالجائزة ازدانت بكلماته قبل أن يزدان بها .
الصادق الرزيقي
صحيفة الإنتباهة