أعلن أستاذ الاقتصاد بالجامعات السودانية بروفيسور عصام الدين بوب عن مساندته لسياسة تحرير الصرف إن كان للسودان احتياطاً من النقد الأجنبي، وإنها من أخطاء السياسة الاقتصادية الكلية..
وأكد في حواره مع الصحيفة أن الاقتصاد السوداني دخل في نفق مظلم منذ سنوات عديدة، وأنه تم اتخاذ قرارات مالية ونقدية خاطئة أدت الى هذا الموقف، مشيراً الى أن السياسة لن تجدي نفعاً في ظل حالة الاختناق المصرفي التي تعاني منها البنوك السودانية. وقال إن الحديث عن رفع الحصار حبر على ورق، لوجود اشتراطات معينة إذا لم يتم قبولها، لن يصبح حقيقة وواقعاً. وما قبل رفع الحصار ما زال موجوداً اليوم، وأصبحت مصارفنا مخنوقة لعدم مقدرتها على التعاون مع المصارف العالمية، متوقعاً ارتفاع سعر الدولار بصورة (صاروخية) فجأة مما سيؤدي الى ارتفاع التضخم بصورة أكثر مما هو عليه حالياً والذي تجاوز الـ100%. وتطرق في حديثه للعديد من القضايا الاقتصادية الحية فإلى إفاداته:
في الحقيقة إننا محتارون في تفسير هذه السياسة مقابل الجنيه السوداني او سعر الصرف، لأنه تغير الأهداف والاحتياطات في بنك السودان وحجم السيولة الموجودة فيه والمصارف، إضافة الى متغيرات أخرى كثيرة حدثت في الساحة الاقتصادية في السودان، والتي ترتبط بسعر الصرف والسياسات المالية والنقدية للحكومة ومن هنا السؤال الذي يطرح نفسه على ماذا تستند هذه السياسة؟ هل تستند على احتياطي نقدي في الاقتصاد السوداني ام على قطاع زراعي عالٍ الإنتاج او إنتاج صناعي يُصدَّر الى خارج البلاد او يكفي حاجة البلاد؟ ام على قطاع خدمي يستطيع أن يضخ الأموال في الاقتصاد؟ ولماذا تستقر الأوضاع وفجأة ترتبك؟. فسعر الدولار كان مستقراً خلال الفترة الماضية ولم يرتفع إلا عند الحديث عن سياسة تحرير الصرف ووصل الى 45.9 مقابل الجنيه.
أتتني الكثير من الاستفهامات عن قرار تحرير سعر الصرف، وأقول إن مثل هذا القرار لم يصدر بعد، وهناك مشاورات عديدة في هذا الشأن لتحرير سعر الصرف المرتقب. وأعتقد أنه سيصبح واقعاً وهذا يقودني للقول إن الاقتصاد السوداني دخل في نفق مظلم منذ سنوات عديدة، وأنه تم اتخاذ قرارات مالية ونقدية خاطئة أدت كلها الى هذا الموقف، وأعتقد أن الحكومة لا تملك الاحتياطي الكافي لكي تسد حاجة البلاد من استيراد ومصاريف أخرى، ولهذا استغرب تأخر اتخاذ القرار مع وجود هذه الأزمات؟ والذي هو بصورة مباشرة يعني أن أسعار العملات الحرة تخضع لعوامل العرض والطلب، وفي الوضع الاقتصادي الحالي نتوقع أن يكون الطلب عالٍ جداً من أجل الاستيراد وسد حاجات الدولة وأغراضها. والقرار الهدف منه جذب مدخرات المغتربين ومن لديه تحاويل خارجية، ولكنهم نسوا أن المصارف السودانية لا تتعامل مع العالم.
الحديث عن رفع الحصار حبر على ورق لوجود اشتراطات معينة إذا لم يتم قبولها لن يصبح حقيقة. ولذلك واقع ما قبل رفع الحصار ما زال موجوداً اليوم، وأصبحت مصارفنا مخنوقة لعدم مقدرتها على التعاون مع المصارف العالمية، وبالتالي تحرير سعر صرف الدولار سيرفعه الى أرقام فلكية، ولذا عند التحرير لا بد من معرفة أن المؤسسات المالية والمصارف تتعامل مع العالم مع وجود السياح ومدخولهم من الدولار، والمغتربين وضعف عائد الصادرات وهو لا يحدث الآن لحالة الحصار المصرفي على السودان، والأفضل الاستمرار في السيطرة على الدولار حتى لا تموت البلاد.
بلا شك سيكون لها انعكاسها على المستوردين، لأني أتوقع ارتفاع سعر الدولار بصورة (صاروخية وفجأئية)، وهو ما كان يعنيه السيد رئيس مجلس الوزراء بالصدمة، وهو يؤدي الى ارتفاع التضخم بصورة كبيرة أكثر مما هو عليه حالياً، والذي تجاوز الـ100% وهو ما تثبته مؤشرات بعض سلع المستهلك.
المواطن السوداني ضعيف اقتصادياً. صحيح أن البلد مليئة بالموارد المتنوعة من بترول وذهب، وكل شبر في أرض السودان به ذهب ومعادن أخرى، ولكن أهم مورد هو الزراعة، إلا أن الحكومة أهملتها بفرضها الضرائب المعجزة والقاتلة للمزارع والراعي والجميع، فإذا لم تكن هذه الضرائب مباشرة او مليئة او فيدرالية او مزاجية كما تُفرض فإنها ضرائب غير مباشرة على مدخلات الإنتاج، فالتراكتر في السودان من المفترض ألا يتجاوز المليون جنيه، ولكن الواقع أنه تجاوز المليارات فلماذا تصبح مدخلات الإنتاج بهذا الغلاء؟ ومع ذلك المزارع يزرع بالسلوكة والواسوق حتى ينتج القليل، ومع ذلك تُفرض عليه الضرائب الكثيرة، وهناك الكثير من السياسات الخاطئة.
كمثال حينما أتى قرار تحرير سعر صرف الدولار بجمهورية مصر العربية، وكان يرتفع وعندما صدر القرار الدولة لم تتركه يستمر في الارتفاع، بل وضعت سياسة واضحة بحكم النظرية الاقتصادية فصنعت الموازن فضخت ما تملكه من احتياطي في الأسواق وبعدها ضخت مزيداً من الأموال التي أخذتها من البنك الدولي فبدأ يحدث الثبات في الدولار مقابل الجنيه المصري الى الآن والمهم في الأمر أن سياسة التحرير هذه لم يتم تنفيذها إلا مع وجود احتياطي من النقد الأجنبي، والسودان لا يملك هذا الاحتياطي الآن ولا يملك ما يشتري به الدواء، وهو من أخطاء السياسة الاقتصادية الكلية ولا مجال لذكرها.
هي ثغرة لكل شيء، ولكل من يملك ضد كل من لا يملك، وسيتم استغلال واحتكار أي شيء بسبب التحرير والذي يعني عدم وجود سوق موازي فسيموت، ووجود سوق واحد وهو “سوق الله أكبر”، الكل يشتري ويبيع.
أشك في أنها لديها أدوات لتتحكم فيه، لأنها لا تملك المال او المؤسسات الاقتصادية والاقتصاد السوداني في طريقه لمرحلة (كارثية) بعد أن تخطى مرحلة الانهيار، وهذا يجعلنا نسأل عن موارد الذهب القديمة والجديدة، وأين موارد البترول؟ وهو لا يوزع لنا مجاناً، وجزء منه يُباع بالدولار أين موارد المحليات؟ وللأسف اقتصادنا الكلي للسودان في حالة فوضى.
نعم.. ولكن بشرط أن أعرف أشياء معينة وهي هل تملك الحكومة احتياطياً نقدياً؟ وكم يبلغ؟. ثانياً كمية السلع الاستهلاكية الموجودة في الأسواق السودانية حتى لا أحمِّل المستهلك أسعار عالية، ثالثاً هل وُضع نموذج رياضي لمعرفة الأثر؟ فلا توجد تجربة اقتصادية على البشر، بل هناك تجربة رياضية. والحكومة لم تجرِ مثل هذه الاختبارات، فإنها إن كانت تعرف عواقب رفع سعر الدولار او التحكم فيه او فرض سعر عليه، بل تتم بطريقة عشوائية، وبالتالي آثارها عشوائية على المواطن وهي من السياسات التي تهز اقتصاديات المواطن.
أتوقع أن يرتفع الى 60 جنيهاً ما بين أسبوعين لشهر نسبة لشح الدولار في السوق ولعدم وجود الوارد وقلة الصادرات السودانية، وعائداتها لا تعود للسودان والمشكلة الكبيرة فقدان المواطن للثقة في الدولة ومصارفها ومكاتبها وقطاعاتها الخدمية من تعليم وصحة، وهو يعاني كثيراً.
على الرغم من نجاح خطوة رفع السعر التركيزي للقمح للمزراع الى 1800 جنيه، إلا أنني حذرت رئيس مجلس الوزراء من التقدم نحو طباعة عملة جديدة، لأنها ستؤدي الى تخفيض القيمة الحقيقية للجنيه السوداني، وبالتالي الحديث عن زيادة السعر التركيزي لن يكون له أثر، وذات الحالة ستحدث للدولار. فصحيح أن موقفنا يائس، ولكن قبل أن نبحث عن ضبط سعر الدولار او تركيز سعر القمح او ثبات الأسعار في الأسواق، لا بد أن نبحث عن سياسة اقتصادية مستقرة وليست كان السودان يسير في مركب ببحر من القرارات.
طباعة عملة كثيرة تزيد من معدل التضخم في الكتلة النقدية وانخفاض القيمة الحقيقية للجنيه السوداني والتي تظهر في القيمة الشرائية، لا سيما وأنه (غرقان) ولا حياة فيه والقرار لا حماية للجنيه السوداني فيه.
أولاً يجب التفكير في كيفية معالجة الاقتصاد السوداني والذي يحتاج لرأس مال لإصلاح المشاريع الكبيرة كمشروع الجزيرة ومصانع السكر والنسيج والطرق والسكة الحديد والخطوط البحرية والجوية، وهي رموز السيادة وبذات الوقت شركات للعائد المادي وهي قد دُمرت تماماً، وعودتها تحتاج لإدارة رشيدة للحفاظ على الأموال وقد أتت للسودان أموال كثيرة إلا أننا صرفناها في أمور “فارغة” ، ونحن في مرحلة جادة تتخطى الكلام المعسول وقمع المواطن، وهي مرحلة بناء تستند على معالجة الجانب الصحي والتعليمي، وهي بنيات أساسية لإصلاح الإنسان والاقتصاد.
لا أعتقد ذلك فكيف سندعم معاش الناس باقتصاد (ميت) بعد احتضار ومراحل سيئة كانت معاول لهدم الاقتصاد السوداني، وما يحدث الآن نتيجة ذلك ومعالجته تتم بالدعم الخارجي وهو الأساس لإصلاح الاقتصاد بأموال خارجية ورضاء دولي وثقة في من يتحدث معها، وللأسف إنها لا تثق في الوجوه التي مرت عليها ورأت ما يحدث في السودان، ولذلك نحتاج لوجوه جديدة تتحدث اللغات الجديدة للعالم لإعادة بناء خطوط اتصال من جديد.
لا بد أن تكون هناك شفافية بعدم وجود احتياطي من العملة وطباعة فئة جديدة سياسة معاندة ومناطحة للمواطن السوداني وعلى المصارف أن تحاول بناء جسور الثقة بينها وبين المواطن الذي لا يثق في المصارف، ولذلك قام بسحب نقوده منها ويتوقع أن تأخذها منه بأي وقت، وكل القرارات التي صدرت فيها نهب لأموال المواطنين والدول تحدث فيها مثل هذه الأزمات ولكنها تلجأ للمواطن ليساندها .
صحيفة أخبار اليوم.